صدق البخاري
وكذب متولي!
بقلم: أ.د. حاكم المطيري
29 / 6/ 1447هـ
20 / 12 / 2025م
ليس
صحيحا ما ادّعاه متولي إبراهيم بأن قراءة آية سورة الليل {والذكر والأنثى} الواردة
في صحيح البخاري لم ترو من مصدر آخر عن ابن مسعود، فالحديث عن ابن مسعود وأبي الدرداء
في قراءة {والذكر والأنثى} في الصحيحين من طرق كثيرة، ورويت هذه القراءة أيضا عن علي
وابن عباس!
ولم يقل ابن حجر، ولا أئمة
الحديث بأن هذه الرواية شاذة أو ضعيفة أو مدلسة في صحيح البخاري! وإنما قالوا صحيحة
منسوخة تلاوة، وأجمع الصحابة على مصحف عثمان الذي جمعه زيد بن ثابت، وكان كاتبا للوحي
إلى وفاة النبي ﷺ، وأخذ عن النبي ﷺ آخر عرضة للقرآن عرضها
عليه جبريل في رمضان سنة ١٠ للهجرة، ولهذا كلفه أبو بكر وعمر بجمع القرآن، وتركا ابن
مسعود لأن حفظه للقرآن كان قديما ومشافهة لا كتابة.
قال ابن حجر في "فتح
الباري" عن قصة ابن مسعود وأبي الدرداء وقراءة {والذكر والأنثى}: (فهذا الإسناد
المذكور في الصحيحين عنه من أصح الأسانيد..).
وقال أيضا: (ومن عداهم
قرءوا {وما خلق الذكر والأنثى} وعليها استقر الأمر، مع قوة إسناد ذلك إلى أبي الدرداء
ومن ذكر معه، ولعل هذا مما نسخت تلاوته، ولم يبلغ النسخ أبا الدرداء ومن ذكر معه.
والعجب من نقل الحفاظ من
الكوفيين هذه القراءة عن علقمة وعن ابن مسعود وإليهما تنتهي القراءة بالكوفة ثم لم
يقرأ بها أحد منهم، وكذا أهل الشام حملوا القراءة عن أبي الدرداء ولم يقرأ أحد منهم
بهذا، فهذا مما يقوي أن التلاوة بها نسخت).
وكذا قال العيني في
"إرشاد الساري" عن قراءة أبي الدرداء: (ولعله لم يعلم بنسخه، ولم يبلغه مصحف
عثمان المجمع عليه، المحذوف منه كل منسوخ).
وقال النووي في شرحه لصحيح
مسلم: (قال المازري: يجب أن يعتقد في هذا الخبر وما في معناه أن ذلك كان قرآنا
ثم نسخ، ولم يعلم من خالف النسخ، فبقي على النسخ، قال ولعل هذا وقع من بعضهم قبل أن
يبلغهم مصحف عثمان المجمع عليه المحذوف منه كل منسوخ).
وكذا ذكر هذه القراءة أئمة
القراءات وليس كما ادعى متولي!
فذكرها الإمام الطبري في
تفسيره ورواها بأسانيده من طرق كثيرة صحيحة عن شعبة، عن أبي إسحاق السبيعي، عن ابن
مسعود.
وعن المغيرة، عن إبراهيم،
عن علقمة، عن ابن مسعود، وأبي الدرداء.
وعن الشعبي، عن علقمة،
عنهما.
وعن معمر، عن قتادة قال
في بعض الحروف [يعني القراءات] {والذكر والأنثى}.
وكذا ذكرها ابن جني في
المحتسب ٢/ ٣٦٤ فقال: (قرأ: {والنهار إذا تجلى . والذكر والأنثى} بغير "ما"
- النبي صلى الله عليه وسلم، وعلي بن أبي طالب، وابن مسعود، وأبو الدرداء، وابن عباس،
رضي الله عنهم).
وقد ذكرها ابن الجزري في
طبقات القراء ٢/ ٩٦٦ وذكر قصة الخلاف فيها وفي غيرها من القراءات بين ابن مجاهد وابن
شنبوذ، وكلاهما إمام في القراءة، فقال الجزري عن ابن شنبوذ: (كان ثقة في نفسه، صالحا
دينا، متبحرا في هذا الشأن لكنه كان يحط على ابن مجاهد.. والذي أنكر على ابن شنبوذ
حين عقد له المجلس بحضرة الوزير أبي علي بن مقلة، وبحضور ابن مجاهد، وجماعة من العلماء
والقضاة، وكتب عليه به المحضر، واستتيب عنه بعد اعترافه به هو {فامضوا إلى ذكر الله}..{والذكر
والأنثى}…وذلك في ربيع الآخر سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة، وكان قد أغلظ للوزير في الخطاب،
وللقاضي، ولابن مجاهد، ونسبهم إلى قلة المعرفة، وأنهم ما سافروا في طلب العلم كما سافر،
فأمر الوزير بضربه فضرب سبع درر، وهو يدعو على الوزير بأن يقطع الله يده، ويشتت شمله..
وقد استجيب دعاؤه على الوزير فقطعت يده، وخربت دياره، وذاق الذل، ولبث في الحبس مدة
على شر حال..
قال أبو الحسن علي بن محمد
بن يوسف بن يعقوب بن علي العلاف المقرئ البغدادي، سألت أبا طاهر بن أبي هاشم: أي الرجلين
أفضل أبو بكر بن مجاهد، أو أبو الحسن بن شنبوذ؟ قال: فقال لي أبو طاهر: أبو بكر بن
مجاهد عقله فوق علمه، وأبو الحسن علمه فوق عقله، قال: لم يزدني على هذا! قال: وفضل
الرجلين فضل عام، والله يرضى عنهما، وينفعنا بالرواية عنهما).
وذكرها ابن الجزري في مقدمة
النشر ١/ ٢٦ في الوجه السابع من اختلاف القراءات في الزيادة والنقصان.
فالبخاري لم يتفرد بروايتها،
بل خرجها مسلم في صحيحه، وغيرهما من أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد، ولم يضعفها أحد
من أئمة الحديث، وذكرها أئمة القراءات في كتبهم، وقرأ بها ابن شنبوذ، وهي كغيرها من
القراءات المنسوخة تلاوة بالعرضة الأخيرة، التي أجمع عليها الصحابة حين جمع المصحف
في عهد أبي بكر، ثم حين نسخوا المصحف الإمام في عهد عثمان، وكل ما عداه من قراءات صحيحة
تخالف رسمه فهي متروكة بالإجماع والكتابة المتواترة للمصحف، على سبيل النسخ، لا على
سبيل الشذوذ والضعف في الرواية، ولهذا أخرجها البخاري ليبين نسخها تلاوة ورسما بقراءة
الجماعة، مع ثبوتها عن ابن مسعود وأبي الدرداء رواية.