القاديانية الخليجية
صناعة المرجعية والنهاية القرمطية
(٢٠ - ٢٠)
بقلم: أ.د. حاكم المطيري
27/ 6/ 1447هـ
18 / 12/ 2025م
كانت
القاديانية تعبيرا عن ظهور الحملة الصليبية على العالم الإسلامي عسكريا، وصدى لحضارتها
المادية فكريا وثقافيا، وانعكاسا لنظرتها للدين نفسه، ودور البابوات والكنائس في خدمة
القيصر، ثم في خدمة ملوك أوربا الإقطاعية، ثم في خدمة الجمهوريات العلمانية والبرجوازية
الرأسمالية، حيث تقاسم البابوات والكنائس مع الدول النفوذ والسلطة على الشعوب، فللدول
النفوذ السياسي والقانوني، وللكنائس النفوذ الروحي، ولكل رعيته وشعبه وعالمه الخاص
به!
واستطاع
النظام العربي الوظيفي -برعاية الحملة الصليبية منذ احتلالها للمنطقة- استنساخ البابوية،
وصناعة مرجعياته ومؤسساته الدينية الرسمية، وتسخير وسائل الإعلام للتسويق لشيوخها،
فجعل منهم أئمة يدعون إلى طاعته! ومنع كل من عداهم من الفتوى، وجعل جزاء من خالف ذلك
العقوبة والسجن!
وأصبح
للأنظمة العربية الوظيفية سلطانها السياسي على الشعوب، وللعلماء التابعين لها سلطانهم
الروحي بالفتوى، وقد حرص المحتل البريطاني والفرنسي، ثم الأمريكي، على تجريد العلماء
المستقلين من كل أسباب القوة، فأمم الأوقاف، وأصبح العلماء المسلمون تحت سلطة وزارات
الأوقاف والشئون الدينية، وكانت البداية في مصر، ثم في باقي دول العالم العربي، وما
زالت "علمنة" المؤسسات الدينية، و"قدينة" الخطاب الديني تخضع لبرامج
المحتل الأوربي الأمريكي، الذي صار يتحكم في المساجد ودورها، والفتوى وحدودها، حتى
صدرت القرارات من وزارات الأوقاف في الخليج بعد احتلال أفغانستان ٢٠٠١م، ثم العراق
٢٠٠٣م بمنع الدعاء في المساجد على اليهود والنصارى المعتدين!
ولما
وجد المحتل الأمريكي بأن المجاهدين الذين يقاومونه لا يأخذون الفتوى من المؤسسات الرسمية،
وإنما من العلماء المستقلين، صدرت القرارات في العالم العربي بمنع أي عالم من الفتوى
إلا بإذن رسمي!
وصرح
بريمر الحاكم الأمريكي للعراق بأن مشكلة السنة أنه لا يوجد لهم مرجع واحد يمكن التفاهم
معه كما هو الحال مع الشيعة فوجب صناعة مراجع للسنة!
وبدأت
تقارير مركز راند تقدم الدراسات وتضع البرامج لإعادة صياغة العقل الإسلامي وفق مواصفات
المحتل الأمريكي، فتأسست مراكز الوسطية، والهيئات العلمائية في كل دول الخليج لتحقيق
توصيات مركز راند، وأصبح للقاديانية الخليجية مرجع و"بابا" يمثل السنة والسلفية،
فهو الذي يصدر صكوك الغفران أو الطرد من دائرة السنة للخارجين عن طاعة ولي الأمر، وأصبحت
أقواله وفتاواه واجتهاداته هي السلفية التي يجب اتباعها، وليس الكتاب والسنة والإجماع!
ولم تعد
السلفية اتباع الدليل، كما هو المشهور عند أئمة السنة والحديث وقولهم (لا تقلد دينك
الرجال)، و (لا تقلد أبا حنيفة، ولا مالكا، ولا الثوري، وخذ من حيث أخذوا)، بل صارت
حصرا اتباع البابا والمفتي الذي يعينه الملك أو الرئيس!
لقد كانت
القاديانية تعبيرا عن ظهور فتنة الدجال، وقرن الشيطان، وعصر اغتراب الإسلام، كما أخبر
النبيﷺ في قوله (بدأ الإسلام
غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ)، وقوله (بين يدي الساعة ثلاثون دجالا)، الذي تجلى في
سقوط الخلافة، ودخول الأمة ودينها مرحلة الاغتراب الثاني، وظهرت أمة المسيح الدجال
على أمة الإسلام، وكان أوضح مظاهر ذلك إقامة بابا روما الكاثوليكي فرانسيس قداسه في
جزيرة العرب سنة ٢٠١٩، لأول مرة في التاريخ للإعلان عن دخولها تحت رعيته وسلطان كنيسته!
ثم إغلاق
المساجد سنة ٢٠٢٠م وتعطيل الصلوات والجمعة والجماعات في الحرمين وجزيرة العرب والعالم
الإسلامي كله بقرار من الأمم المتحدة! وعقاب كل من يصلي جماعة ولو في بيته!
وبادرت
القاديانية العربية والخليجية بإصدار الفتاوى بوجوب الالتزام بإغلاق المساجد!
ثم جاء
مونديال قطر ٢٠٢٢م الرياضي حيث اجتمع مئات الآلاف رجالا ونساء معا شبه عراة يغنون ويرقصون،
فاحتفى به القاديانيون العرب وعدوه فتحا دعويا عظيما!
ثم جاءت
حرب غزة وحصارها وإبادة شعبها سنة ٢٠٢٣م، وفضحت الجماعات القاديانية! فبينما كان القاديانيون
العرب مشغولين بالتظاهرات السلمية وبحشد الممثلين والمثليين لنصرة غزة!
كان القاديانيون
الخليجيون مشغولين عن الله وتوحيده وطاعته وحكمه، وإقامة دينه، والجهاد في سبيله بالجدل
في صفاته!
ومشغولين
في القرآن وحدوثه، عن الاهتداء به وإقامة أحكامه وحدوده!
ومشغولين
في الصحابة وآل البيت وتفاضلهم، عن الاقتداء بهم في هجرتهم، وإقامة خلافتهم، وجهادهم،
وفتوحاتهم، وعدلهم!
ومشغولين
بالبدع والتحذير منها -في ظل واقع جاهلي- عن بعث الإسلام نفسه الذي لا ظهور له إلا
بالخلافة والدولة!
ومشغولين
عن دماء أطفال غزة في الجدل في إمامة أبي حنيفة، والنووي، وابن حجر، وابن تيمية!
وانتهت
القاديانية بأتباعها وجماعاتها إلى القرمطية الباطنية حيث يتعانق دعاة العقيدة السنية
وحماة الوطنية والإباحية والعلمانية برعاية صليبية صهيونية!