القاديانية الخليجية
والفرعونية السياسية
(٦ - ٧)
بقلم: أ.د. حاكم المطيري
٥ / ٥/ ١٤٤٧هـ
٢٧ / ١٠ / ٢٠٢٥م
لم تبلغ طائفة دينية في انحرافها الديني بإيجاب العبودية للطاغوت وطاعته
باسم الله وباسم التوحيد والسنة ما بلغت "القاديانية الخليجية"!
ولا حتى النصرانية التي رفعت شعار (دع ما لله لله، وما لقيصر لقيصر)،
حيث جعلت "القاديانية الخليجية" كل شيء "لولي الأمر" فليس لأحد
معه شيء!
ولهذا حذر النبي ﷺ من فتنتهم فقال: (غير الدجال أخوفني عليكم: الأئمة المضلون)!
فلم تقتصر "القاديانية" على إيجاب مذهب الإباحية تجاه
"ولي الأمر"، حيث لم تجعل له حدا تحاسبه الأمة أو تعزله عند تجاوزه، فضلا
عن الخروج عليه، فمهما استحل من المحرمات، وفعل من الموبقات من الظلم والطغيان والفساد
في الأرض فطاعته عندهم واجبة وهي من طاعة الله ورسوله!
ومع أن الإسلام جاء أصلا لإبطال الجاهلية السياسية كلها الفرعونية، والقيصرية
الرومانية، والكسروية الفارسية، والتبّعية اليمانية العربية، فقال النبي ﷺ كما في الصحيحين: (إذا هلك كسرى، فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر
بعده، ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله)، وسمى النبي ﷺ أبا جهل فرعون هذه الأمة، وفرح بقتله يوم بدر يوم الفرقان فقال ﷺ: (هلك اليوم فرعون هذه الأمة) فكان إعلانا نبويا بأنه لا فرعونية في الإسلام،
ولا كسروية، ولا قيصرية، وقال كما في صحيح مسلم: (لا ملك إلا الله)، وقال لأهل اليمن
وأقيالهم وهم رؤساؤهم: (لا قيل ولا ملك إلا الله، يأتون عباد الله، ويأخذون من مال
الله)، وأجمع المسلمون على ذلك كله، وأنه لا ملك ولا ملكيات ولا توريث للسلطة في الإسلام،
وأنها خلافة راشدة بالشورى والرضا والعدل، بلا تنازع عليها، ولا تغالب فيها، وقال النبي
ﷺ: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وقال: (أبغض الناس إلى الله
مبتغ في الإسلام سنة الجاهلية)، وقال محذرا من الجاهلية السياسية بكل صورها: (عليكم
بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي وإياكم ومحدثات الأمور)، وقال عمر في آخر خطبة
له بحضور جميع الصحابة كما في صحيح البخاري: (الإمارة شورى بين المسلمين من بايع رجلا
دون شورى المسلمين فلا بيعة له ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا)، وقال أيضا: (فلا يحل
لكم إلا أن تقتلوه) !
وقال ابن حزم في الفصل ٤/ ١٢٩ عن إجماع الأمة على أنه لا توارث في الإمارة
والإمامة: (ولا خلاف بين أحد من أهل الإسلام في أنه لا يجوز التوارث فيها).
وقال ابن رجب الحنبلي في شرح البخاري ٥/ ٢٧٩: (والإمامة العظمى [الإمارة
والولاية العامة] لا تستحق بالنسب، ولهذا أنكر الصحابة على من بايع لولده. وقال عبدالرحمن
بن أبي بكر: جئتم بها هرقلية، تبايعون لأبنائكم!
وسمع ذلك عائشة والصحابة، ولم ينكروه عليه، فدل على ان البيعة للأبناء
سنة الروم وفارس، وأما سنة المسلمين فهي البيعة لمن هو أفضل وأصلح للأمة).
ومع وضوح ذلك كله، ومع تقييد الإسلام طاعة الإمام الشرعي نفسه -الذي اختارته
الأمة بالشورى في ظل نظام الخلافة الإسلامي- بطاعة الله ورسوله؛ لأنه نائب عن النبي
ﷺ في إقامة شرعه في أمته كما قال ﷺ في صحيح مسلم: (اسمعوا وأطيعوا وإن عبد حبشي ما أقام فيكم كتاب الله)،
وقال: (ما قادكم بكتاب الله)، وقال أيضا: (يكون خلوف أمراء يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون
ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن)..
فقد عطلت "القاديانية الخليجية" ذلك كله، وأوجبت الطاعة لكل
ذي سلطان وإن لم يكن نائبا عن النبي ﷺ أصلا، بل عدو له، ساع في تعطيل حكمه، وإبطال شرعه! فأوجبت طاعة كل طاغوت،
وقررت الفرعونية الجاهلية، وأوجبت نصرة كل فرعون على من خالفه وأنكر عليه ظلمه ومنكره،
وأفتت باستباحة دمائهم، وقتلهم، ومصادرة أموالهم، وقد نعى ابن تيمية (٤/ ٤٥١) على إباحية
الفقهاء فقال: (والمصنفون في الأحكام يذكرون قتال البغاة والخوارج جميعا، وليس عن النبي
ﷺ في قتال البغاة حديث... وأما كتب الحديث مثل صحيح البخاري والسنن فليس
فيها إلا قتال أهل الردة، والخوارج وهذا هو الأصل الثابت بكتاب الله وسنة رسوله وهو
الفرق بين القتال لمن خرج عن الشريعة والسنة، فهذا الذي أمر به النبي ﷺ. وأما القتال لمن لم يخرج إلا عن طاعة إمام معين فليس في النصوص أمر بذلك.
فارتكب الأولون [الذين جعلوا البغاة الذين خرجوا عن طاعة السلطان كالخوارج
والمرتدين] ثلاثة محاذير:
الأول: قتال من خرج عن طاعة ملك معين، وإن كان قريبا منه ومثله..
والثاني: التسوية بين هؤلاء وبين المرتدين عن بعض شرائع الإسلام.
والثالث: التسوية بين هؤلاء وبين قتال الخوارج المارقين من الإسلام؛ ولهذا
تجد تلك الطائفة [من الفقهاء الإباحية] يدخلون في كثير من أهواء الملوك وولاة الأمور،
ويأمرون بالقتال معهم لأعدائهم، بناء على أنهم أهل العدل، وأولئك البغاة..).
وهذا كله رد من ابن تيمية على من أجاز قتال البغاة مع خلفاء المسلمين،
فكيف بمن أجاز القتال مع الطغاة ضد من ثار عليهم من شعوبهم المظلومة واستحل قتلهم!