التهديد الغربي
لتركيا وباكستان
والسهم الأخير
أ.د. حاكم المطيري
الأمين العام لمؤتمر الأمة
١٩ / ١٢ / ١٤٤٦هـ
١٥ / ٦ / ٢٠٢٥م
تصريح نتنياهو بالأمس ضد تركيا وباكستان هو في حقيقته تهديد أمريكي
أوربي صريح لدول لعالم الإسلامي كله، أرسله عبر المحتل الصهيوني لمنع أي تدخل لوقف
العدوان على غزة، أو الوقوف مع إيران التي تتعرض لهجوم عسكري تشارك فيه الآن وبشكل
مباشر الحملة الصليبية بجناحيها الأمريكي الأوربي، ولن تكون طهران الهدف الأخير
لهذه الحرب -بحسب هذا التهديد- بل سيكون التالي إسطنبول وإسلام أباد والقاهرة ودمشق
والرياض وكل عواصم العالم العربي والإسلامي التي تدعو لإنهاء الاحتلال الصهيوني
لفلسطين، ووقف ما يقوم به نتنياهو من عدوان وحرب إبادة لم تتوقف منذ سنتين،
وبتفويض أمريكي أوربي، ابتدأت بغزة ولبنان ثم إيران ووصلت شرارتها باكستان عبر
الهجوم الجوي الهندي في إبريل ٢٠٢٥ الذي كان بتنسيق صهيوني أمريكي!
كما كشف العدوان الصهيوني على إيران وتصريحات نتنياهو بخصوص باكستان
وتركيا عن أهدافه الاستراتيجية البعيدة، وهي نزع قدرات باكستان النووية، ومنع
تركيا من أي تفوق عسكري في المنطقة بما يفقدهما سيادتهما العسكرية والسياسية
ويعيدهما مجددا للنفوذ الأمريكي الأوربي، ويمنع من صعود المحور الإسلامي (تركيا
وباكستان وأندونيسيا وماليزيا وبنغلاديش في مجموعة الدول الإسلامية الثمانية +
منظمة الدول التركية الست = مليار نسمة ومساحة ٩ مليون كم وناتج إجمالي ٧ ترليون
دولار) الذي بدأ يتشكل ويتعزز بالاتفاقيات العسكرية والاقتصادية منذ حرب أوكرانيا
في ظل الصراع بين الصين وروسيا من جهة وأمريكا وأوربا من جهة، والتنافس للسيطرة
على العالم الإسلامي؛ لضمان التفوق والتحكم في النظام الدولي القادم، وهو ما يجعل
من حصول تركيا على القوة النووية بالتعاون مع باكستان وفي أسرع وقت ضرورة سياسية
وجودية وفريضة شرعية، فهذا المحور الإسلامي بدوله العشر الأكثر تجانسا وتعاونا
وتفاهما بقيادة تركيا، هو الأقدر اليوم على حماية العالم الإسلامي من تداعيات صراع
القوى الدولية التي جعلت من دوله ساحة لحروبها، ومنع العدو الصهيوني من تحقيق
أهداف المحتل الأمريكي الأوربي في إعادة إخضاع المنطقة للاستعمار الغربي من جديد،
وهو ما لن يحدث بإذن الله كما تؤكده كل المؤشرات، فقد تغيرت موازين القوى لصالح
هذا المحور الإسلامي الصاعد إلى أن تتحرر مصر ويستعيد العالم العربي دوره المفقود
منذ معاهدة كامب ديفيد للسلام الذي لم تنعم به المنطقة منذ توقيعها سنة ١٩٧٨م حتى
حرب غزة وحصارها وقتل شعبها وعجز مصر وجيشها والدول العربية كلها عن فك الحصار
عنها وإغاثة شعبها، ليتحول السلام المزعوم إلى استسلام عربي كامل للمحتل الصهيوني،
وحروب وتدمير لدولها، وإبادة وتهجير لشعوبها!
وقد سبق أن هدد نتنياهو باكستان -والعالم الإسلامي كله من ورائها-
بالحرب بتفويض أمريكي أوربي لنزع قدراتها النووية بذريعة مكافحة التطرف الإسلامي!
ومنع أي دولة إسلامية من الخروج عن السيطرة الغربية على المنطقة منذ احتلالها! وهو
الشعار نفسه الذي رفعه بوش الثاني لشن حربه الصليبية على العالم الإسلامي سنة
٢٠٠١م واحتلال أفغانستان ثم العراق ٢٠٠٣م!
ولم يشفع لإيران وميليشياتها ولا لباكستان وجيشها تعاونهما معها
آنذاك وتورطهما في خدمته، فها هو نتنياهو يقود الحملة بنفسه بعد عشرين سنة من
إطلاقها مؤكدا بأن الاحتلال الصهيوني ربيب الاحتلال الغربي الأمريكي الأوربي، وأنه
امتداد له، وأن مواجهة المحتل الصهيوني مواجهة حتمية للحملة الصليبية، مهما حاول
الجميع إخفاء حقيقة الصراع وطبيعته الدينية!
لقد نجح الغرب في إشعال الحرب في الشرق الأوسط جنوبا، كما أشعلها في
أوكرانيا شمالا لحصار روسيا والصين، ولمنع خروج الشرق بل العالم كله من قبضة نظامه
الدولي الذي فرضه منذ الحرب العالمية الأولى بعصبة الأمم ثم بالحرب العالمية
الثانية عبر هيئة الأمم ومجلس الأمن ذراعه العسكري الذي يتحكم به في العالم كله!
وها هو اليوم يشعل الحرب العالمية الثالثة؛ ليحافظ على نفوذه الدولي
عبر السيطرة على العالم الإسلامي، ومنع تحرره من قبضته؛ فهو يمثل قلب العالم
جغرافيا، وأهم ممراته البحرية والجوية، وأغنى دوله بالنفط والغاز، وقد بات قاب
قوسين أو أدنى من الخروج عن الوصاية والهيمنة الغربية، وما هذا التهديد لتركيا
وباكستان إلا السهم الأخير الذي كان في جعبة الغرب الاستعماري، وقد رمى به ولن
يعود إليه!