بقلم د. حاكم المطيري
الحمد لله وحده وصل اللهم على من لا نبي بعده وبعد..
فهذه
ورشة عصف ذهني مع الأخوة في موقعي على التويتر عن مصادر المعرفة الإنسانية
ابتداء من يوم الجمعة 15 يوليو وما بعده من الساعة 9 مساء إلى 11 تقريبا،
وقد كانت ارتجالا ثم طلب مني بعض المهتمين جمعها ورفعها في الموقع مجموعة
لتعم الفائدة، ثم احتج علي الأخوة في الفيس بوك وطالبوا بنشرها في الصفحة
وقد وجدت مشقة في استعادتها من التويتر وإعادة ترتيب الجمل والفقرات من
جديد، من الأسفل إلى الأعلى، على عكس
نزولها في التويتر، حتى يسرها الله وهذه هي الورشة وجلساتها:
الجلسة الأولى الجمعة:
· ما
هي مصادر المعرفة الإنسانية؟ وأيها أهم ؟وهل يقع بينها تعارض؟ وما يقدم
منها؟ وكيف يتسع الإدراك؟ من أجل قياس الوعي المعرفي شاركوا بالنقاش.
· مرحبا
بالجميع وأشكر لهم مشاركاتهم ويبدو أن سؤالي لم يكن واضحا لكثير من الأخوة
والمشكلة في السؤال نفسه وسأحاول المشاركة في الإجابة معكم.
· مصادر
المعرفة الإنسانية هي : الحسيات والعقليات والوجدانيات والنقليات
والتجريبيات وما وراء الحسيات هل هناك غيرها؟ انتظر الإجابة للاستفادة.
· هل اتفقنا على أن هذه هي مصادر المعرفة؟ أم هناك غيرها؟ وهل بالإمكان التفصيل في كل مصدر وذكر أنواعه؟
· الأجوبة
حتى الآن أكثر من رائعة وهي تدل على أن حدوث الثورة العربية كان أمرا
طبيعيا في ظل مثل هذا الوعي المعرفي لدى الشباب من مستخدمي التويتر.
· الحسيات مثلا تشمل مدركات البصر والسمع والشم واللمس والذوق هل هناك غيرها؟ أرجو التفصيل في باقي أنواع المصادر.
· العقليات تشمل المدركات البديهية والفطرية والرياضية والمنطقية هل هناك غيرها؟
· ولا
مشاحة في التقسيم فبالإمكان جعل الفطرة قسما خاصا غير العقليات إلا أن
المشكلة هي في كون الفطريات تعد أساس العقليات فهي مركوزة في الإنسان.
· الوجدانيات
وتشمل الشعور الحسي والشعور النفسي هل هناك غيرها؟ الشعور الحسي كالشعور
بالجوع والظمأ، والشعور النفسي كالحب والخوف والبغض ونحوها.
· النقليات
وتشمل الخبريات والأساطير هل هناك غيرها؟ والخبريات تشمل الخبر القطعي
كأخبار الانبياء عن الله والأخبار المتواترة وأخبار الآحاد.
· التجريبيات
وتشمل الطبيعيات العلمية والنظرية هل هناك غيرها؟ والمقصود بالعلمية هنا
ما ثبتت بالتجربة والعلم الطبيعي ثبوتا يقينيا كحقيقة علمية بخلاف النظريات
الطبيعية
والتجريبية.
· وما
وراء الحسيات وتشمل الحدس (القدرة على استشراف المستقبل وتوقع الأشياء قبل
وقوعها بشعور باطني) والفراسة (القدرة على معرفة الأشخاص والتنبؤ بسلوكيات
الآخرين بالاستدلال
بالظواهر والمظاهر الخارجية) والرؤى والإلهام والكهانة والعرافة والسحر هل
هناك غيرها؟ نحن ما زلنا في المقدمات الضرورية للمعرفة الإنسانية ولم ندخل
في المقصود.
· السحر
والعرافة والكهانة كلها علوم محرمة إلا إنها من مصادر المعرفة الإنسانية
عند من يستخدمونها وقد تفيدهم معارف صحيحة إلا أن أكثرها أكاذيب وأوهام
وأضاليل.
· إذا
اتفقنا إجمالا على هذه المصادر وأنها هي الطرق التي من خلالها تصل
المعلومات والمعارف لذهن الإنسان فهل هذه الطرق والمصادر يقينية أم ظنية؟
· حتى
يكون السؤال أكثر وضوحا هل الحواس تقع في الخطأ أم لا ؟ ألا ترى الشيء من
بعيد فتظنه على خلاف ما هو عليه؟ كأن تظنه أزرق ويظهر أنه أسود مثلا.
· إذا
كانت حواسنا قد تقع في الخطأ فهل يعني ذلك أن الحس ليس مصدرا معرفيا
يقينيا أقصد كمصدر وليس كمدركات يستفيدها الذهن من هذا المصدر؟
· وهل
يعني وقوع الخطأ في المدركات أن المصدر نفسه ليس صالحا للمعرفة اليقينية؟
أم أن وقوع الخطأ في المدركات والمخرجات لا ينفي يقينية المصدر نفسه؟
· أعيد صياغة السؤال بشكل أفضل أي المصادر السابقة غير يقيني ولا يصلح أن يفيد العلم والمعرفة الصحيحة للإنسان حتى نخرجه من القائمة؟
· السحر والعرافة والكهانة نخرجها لكونها محرمة في الإسلام لأن ضررها أشد من نفعها.
· ما
وراء الحسيات كالرؤى مثلا مصدر يفيد العلم بحد ذاته ولهذا جاء في الصحيح
(لم يبق من النبوة إلا المبشرات الرؤيا يراها المؤمن أو ترى له)هـ
· ولهذا
قال الله ليوسف {ويعلمك من تأويل الأحاديث} ففسر رؤيا الملك واستطاع أن
يضع خطة إستراتيجية من أجل إنقاذ مصر من المجاعة بناء على رؤيا الملك.
· وكذلك
الحدسيات كم من إنسان يتوقع حدوث الشيء ويجزم على ذلك فيقع كما توقع فهذا
المصدر بالنسبة له أفاده العلم وهذا كثير ما يقع وإن لم يفطن له كثير من
الناس.
· وكما
قال المتنبي في سيف الدولة (ذكي تظنيه طليعة عينه.. يرى قلبه في يومه ما
ترى غدا) أي قلبه يظن الشيء اليوم وأنه سيقع فتراه عينه غدا كما ظنه
بالأمس.
· ومثل
الفراسة وقد تكون القيافة من هذا الباب وإن كان لها ارتباط بالحس، ولهذا
فالقبائل المشهورة بالقيافة ومعرفة الأثر تفيدهم القيافة علما لا يعرفه
غيرهم.
· وكذلك
الإلهام مصدر للمعرفة صحيح كما في الحديث الصحيح (لقد كان فيمن كان قبلكم
محدثون فإن يكن فيكم فعمر) والمحدث الملهم بالحق بالشيء قبل وقوعه.
· والصحيح
أن كل هذه المصادر هي في حد ذاتها مصادر صحيحة ويقينية في إفادتها للعلم
والمعرفة الإنسانية وليس كل مدركاتها ومخرجاتها صحيحة فقد تخطأ.
· وليس
كل الناس على درجة واحدة في قدراتهم في الاستفادة منها ولا الإنسان الواحد
على حالة واحدة في قدراته فالشاب غير الشيخ والصحيح غير السقيم.
· وليس
العالم في مصدر من تلك المصادر كالجاهل فيها، وليس الموهوب في شيء منها
كغير الموهوب، ونكمل الحديث غد بإذن الله حول تعارض المصادر وكيف يحل.
· سأحاول الإجابة عن بعض الأسئلة التي وردت اليوم بحسب ما يسعفنا الوقت.
· الرؤى
ليست من الخبريات التي يقصد بها النقليات وهي التي تنتقل بها المعرفة عن
طريق الإخبار من إنسان لغيره فالرؤى تدخل فيما وراء الحسيات.
· والمعلومة
قد تنتقل من مصدر إلى مصدر فما تسمعه بإذنك هو حسي بالنسبة لك، وعندما
تخبر به آخر بأنك سمعت بنفسك كذا وكذا فهذا بالنسبة له خبري.
· والعالم
الذي يجري تجربة يستفيد العلم والمعرفة عن طريق تلك التجربة نفسها، ثم
تنتقل المعلومة والمعرفة بعد ذلك بالخبر والنقل للملايين.
· وكذلك
الرؤيا يراها صاحبها فتفيده العلم والمعرفة بالماوراء حسيات، فإذا أخبر
بها من يأولها ويفسرها وعرف تأويلها صارت بالنسبة للمفسر خبرية نقلية.
الجلسة الثانية السبت 16 يوليو 2011م
· صباح
النور والسرور وأريج الزهور : الأخوة الأفاضل ما الوقت المناسب لاستكمال
حديث الأمس عن مصادر المعرفة الإنسانية وكيف يمكن الاستفادة منها؟
س : الحدس ليس مصدرا صحيحا للمعرفة فقد تكون أوهاما، ولهذا فالقاضي لا يقضي بحدسه؟
· أخي
العزيز القاضي لا يقضي بعلمه حتى لو كان مصدر علمه الحس والمشاهده
المباشرة فضلا عن حدسه وهذا لا ينفي كون الحس والحدس مصدرين للمعرفة.
· والسبب
في عدم حكم القاضي بعلمه، لا لأن مشاهدته لا تفيده العلم، بل قد تفيده
العلم اليقيني، وإنما لأنه يقضي بالبينات التي عند الخصمين وهو ليس أحدهما.
· ولأن
القاضي حين يقضي بعلمه الخاص يكون بهذا مع أحد الخصمين، والواجب أن يكون
حكما بينهما كما أنه أبعد عن الشبهة إذ لا يمكن إثبات علمه الخاص.
· فالقاضي
حين يشاهد الجاني يقوم بالجريمة لا يحكم على الجاني بمجرد رؤيته له، بل
عليه أن يكون شاهدا في القضية لا قاضيا فيها والشهادة هي البينة.
· كذلك
الحدس وإن كان يقع فيه الخطأ فهو كالحس وكالنقل، فكما أن من الناس من لا
يكاد يصدق في النقل والخبر، فمنهم من لا يكاد يصيب بالحدس كذلك.
· وفي
المقابل من الناس من لا يكاد يقع منه كذب أو خطأ في النقل والخبر، وكذلك
منهم من لا يكاد يخيب حدسه وفراسته، وقدرات الناس تتفاوت في هذه القدرات.
· وكذلك
الرؤى فمن الناس من لا يكاد يرى رؤيا في عالم الأرواح، كالأعمى الذي لا
يبصر في عالم المادة والأشباح، وهذا لا ينفي عن الرؤى كونها مصدرا صحيحا
للعلم والمعرفة عند من
رآها إذا عرف تأويلها، أو كانت واضحة له لا تحتاج إلى تأويل.
· وأعرف
من الصالحين من يرى دائما الرؤى ويحدث بها فتقع كما رأى كفلق الصبح، وهي
بالنسبة له مصدر للمعرفة يقيني أو ظني بحسب ما يقع في نفسه.
· ولهذا
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر ألتفت على أصحابه وسألهم هل
رأى أحد منكم رؤيا؟ لكونها مصدرا للمعرفة وإن كان بعضها أوضح دلالة كالرؤية
البصرية.
س : لو عرفنا العلم حتى نعرف المراد؟
· العلم
هو إدراك الشيء على ما هو عليه تحقيقا أو تقريبا هذا هو أصح تعريف للعلم
في نظري إذ إدراك الأشياء على ما هي عليه تحقيقا يقينيا يكاد يتعذر.
· والظن في لغة العرب ولغة القرآن يأتي أيضا بمعنى العلم واليقين كقوله تعالى في شأن المؤمنين {الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم} بمعنى يعلمون يقينا.
· سيكون
الحديث الليلة عن كل مصادر المعرفة التي تحدثنا عنها بالأمس من حيث أهم
تلك المصادر والموقف منها عند تعارضها فجلسة الأمس كانت عن أقسامها.
· حياكم
الله في الجلسة الثانية عن مصادر المعرفة وقد اتفقنا بالأمس على أقسامها
وعلى إفادتها للعلم والمعرفة وعلى أنه قد يقع الخطأ في مدركاتها.
· والسؤال
أي هذه المصادر (الحسيات والعقليات والتجريبيات والنقليات والوجدانيات
وماوراء الحسيات) هو الأهم والأشد أثرا في حياة الفرد والمجتمع؟
· أرجو
من الأخوة المهتمين المشاركة في الإجابة وتأجيل الأسئلة إلى آخر الجلسة مع
العلم بأن المقصود الرئيسي ليس الترف المعرفي بل أمر آخر سنعرفه لاحقا.
· الأخوة
الأفاضل ليس المقصود بالعقليات هنا هو العقل ذاته وهو الملكة التي يكون
الإنسان بها إنسانا مكلفا بخلاف المجنون بل المقصود مدركات العقل.
· مدركات
العقل بصيغة الاسم المفعول ما يدركه الإنسان من معلومات عن طريق العقل
والفكر كاستحالة وجود النقيضين والجزء أصغر من الكل والرياضيات الخ.
· من
المصادر ما هو وهبي لا يد للإنسان فيه كالفطرة مثلا والرؤى والحدس أي ما
وراء الحسيات ومنها ما هو كسبي للإنسان يد في اكتسابها كباقي المصادر.
· وأول
مصادر المعرفة الإنسانية هي الفطرة {فطرة الله الذي فطر الناس عليها} وآخر
مصادرها ما وراء الحسيات فالطفل حين يولد إنما يتصرف بفطرة مركوزة فيه
تجاه نفسه وتجاه من حوله
فإدراكه وهبي.
· ولهذا
جاء في الحديث (كل مولود يولد على الفطرة) فالفطرة هي أول مصادر المعرفة
والإدراك للإنسان إلا أنها ليست أشدها خطرا ولا أكبرها أثرا.
· فحين
يولد الطفل كيف يبدأ يدرك الأشياء من حوله؟ وكيف ينمو إدراكه؟ وما المصادر
الرئيسية في نمو هذا الإدراك؟ وأيها أشد خطرا وأكبر أثرا فيه؟
· حان الآن أذان المغرب حسب التوقيت في أسطنبول حرسها الله وسأكمل معكم بعد الصلاة بإذن الله حاولوا تحديد أهم مصدرين أو ثلاثة فقط.
· إذا
بعد إخراج الفطريات وما وراء الحسيات يمكن حصر المصادر الأشد أثرا بباقي
العقليات والحسيات والوجدانيات والتجريبيات والنقليات فكيف يمكن ترتيبها
حسب الأهمية في
حياتنا؟
· نكمل
الجلسة وأشكر للجميع مشاركاتهم وقد أجاب الأستاذ فيصل (ماجستير قانون في
جامعة غوان بفرنسا) بترتيبها كالتالي النقل ثم الحس ثم العقل ثم التجربة ثم
ما وراء الحس.
· ما
رأيكم بإجابة الأستاذ فيصل وهل هناك ترتيب آخر لها من حيث الأهمية؟ وإذا
كنتم توافقونه فما السبب في صحة هذا الترتيب؟ المشاركة للجميع.
· سأحاول
صياغة السؤال بشكل أفضل ما هي المصادر المعرفية التي لا يتصور وجود
المجتمع الإنساني دونها؟ والتي تؤثر في حياة كل إنسان ووعيه وإدراكه؟
· طيب لنخطو خطوة إلى الأمام نحو معرفة الإجابة ما هي أهم المعارف الإنسانية التي لا يتصور وجود مجتمع بدونها؟
· لقد جدت مجتمعات إنسانية بلا علوم ولا معارف عقلية ولا علوم تجريبية فهل يوجد مجتمع بلا لغة؟
· فإذا
كان الطفل يولد على الفطرة ويدرك بها الأشياء أولا فإنه يبدأ يرضع اللغة
مع حليب أمه فاللغة والبيان أهم وأخطر المعارف {خلق الإنسان. علمه البيان} .
· فأعظم نعمة على الإنسان بعد الخلق هي نعمة البيان وهو أن يفهم الإنسان ما يقال له وأن يعبر عما يفهمه ويريد إفهامه للآخرين {علمه البيان}.
· والسؤال الآن هل اللغة والبيان من العلوم والمعارف الحسية أم النقلية؟
· يبدو أن السؤال مشكل فأين الأخوة من أهل اللغة عن إسعافنا بالإجابة هل اللغة من المعارف النقلية أم الحسية؟
· أعتذر عن الانقطاع ونواصل الحديث وأقول اللغة بلا خلاف هي من العلوم النقلية لا العلوم الحسية.