بقلم د. حاكم المطيري
· السلام عليكم ومساء الخير جميعا/ وحياكم الله في الجلسة
الثامنة الخميس 28/7/2011م – بالتويتر والفيس بوك - حول (مصادر المعرفة الإنسانية)
ونستكمل الحديث عن الفطرة الإنسانية وسبب فسادها ووسائل صلاحها
· والهدف من إثارة هذا الموضوع ليس ترفا معرفيا بل محاولة
لفهم كيف وقع الخلل في عقل الإنسان العربي وضميره حتى غاب عن الشهود الحضاري
ومعرفة أسباب غيبة هذا العقل والضمير
· فالثورة العربية ما زالت تطرح أسئلة خطيرة وكبيرة كيف
وصل الحال بأربعمائة مليون عربي إلى هذا الواقع المتخلف حتى صاروا عبيدا بلا أغلال
وأحرارا بأغلال
· وعسى أن تسهم بآرائك معنا أخي الكريم في فهم هذه الأزمة
من جذورها وكيف أن الأزمة تجاوزت العقل إلى الضمير حتى استبيحت الجريمة بالتأويل
· فحين يبلغ الحال بالإنسان أن يستمرء الظلم والطغيان
ويؤيد انتهاك حقوق الإنسان بما في ذلك العدوان على حياته وحريته وأمنه فنحن أمام
أزمة ضمير إنساني
· وحين يرتع السياسيون والكتاب والمفكرون والعلماء
والخطباء والدعاة إلى الله إلا من رحم الله بأموال الأمة بعطايا السلطة وهداياه
فهناك أزمة ضمير
· إن الثورة العربية اليوم ما لم تصحبها ثورة أخلاقية
ومعرفية يستيقظ بها الضمير العربي من جديد لن تحقق أهدافها وسيتكرر المشهد ذاته
بعد الثورة
· وهذا الفساد لم يحدث من فراغ بل بعضه يستحل باسم الدين
نفسه وهنا تكمن الخطورة إذ يعني ذلك أن آخر الحصون التي تحمي الفضيلة قد انهار
أمام موج الفساد
· إن ما كشفته الثورة المصرية من مشهد وما زال يتكشف
للفساد السياسي الذي عم وطم من رئيس الدولة إلى أعضاء مجلس الشعب ليس مقصورا على
مصر بل هو يستشري في كل بلد عربي
· إن أخطر ما يكون الانحراف حين يكون باسم العقل أو باسم
الدين أو باسم العلم فهنا نكون أمام أم المعارك كي يستعيد العقل نوره والدين
طهوريته ودوره
· وأبدأ بالإجابة باختصار عن سؤال الأستاذ أحمد عن مصادر
المعرفة عند علماء المسلمين والخلاف العقائدي فيها
· عندما تحدثت في البداية عن مصادر المعرفة كنت بصدد بين
الاتجاهات الرئيسية بين المدارس فأشرت إليها إشارة سريعة ويظل المنظور الإسلامي
فريدا في توجهه
· فالمنظور الإسلامي للمعرفة وعليه عامة المسلمين هو أوسع
المدارس على الإطلاق في مصادر المعرفة لوضوحها مصدريتها في القرآن كالحسيات
والعقليات والنقليات الخ
· وقد أفاض الأصوليون والمتكلمون في بحث هذه المصادر في
مبحث حد العلم وبيان الضروري منه والنظري والفرق بين العلم والظن والشك الخ
· ويكاد المتكلمون والأصوليون على اختلاف مذاهبهم يتفقون
على المحسوسات والمعقولات والمنقولات ويفرعون منها التجريبيات والفطريات وما وراء
الحسيات
· فهذه المصادر هي المصادر المعرفية عند المسلمين من حيث
العموم ولم يعرفوا إشكالية الفرق بين العلمي والديني ولا بين العقلي والغيبي فاسم
العلم يشملها كلها
· أما سؤال الأخ أحمد عن الشيطان وهل هو من مصادر المعرفة
فقد ذكرنا في البداية أن المقصود مصادر المعرفة الصحيحة وأخرجنا السحر ونحوه فهو
علم إلا إنه ضار ومحرم
· فالشيطان مصدر الشر ومن علومه ومعارفه ما يتعلمه السحرة
والكهان والعرافون وأكثر ما عندهم كذب وتضليل وخداع ولهذا لا يصلح مصدرا للمعرفة
الصحيحة
· والشيطان لا يقتصر على شيطان الجن بل شياطين الأنس أشد
ضررا على النفس {يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا} فهم دهاقنة الشر وأساتذته
وكم أضلوا وأزلوا {وأضل فرعون قومه وما هدى}
· وبلا شك أخي أحمد فالعلم والخير كله من الله {وما بكم من
نعمة فمن الله} {وقل ربي زدني علما} {وما أوتيتم من العلم إلا قليلا} وقد جعل الله
للعلم طرقا وهي هذه المصادر التي نتحدث عنها
· ونعود للحديث عن الفطرة والوازع الإنساني والضمير
الوجداني ما سبب انحرافه في نظركم؟ ولم يصبح الإنسان في كثير من الأحيان مع علمه
وعقله شيطانا في صورة إنسان؟
· هل اتفقنا على أن الفطرة وهي الميل الطبيعي للخير
والضمير الحي في الإنسان مصدر للمعرفة الصحيحة؟
· بمعنى هل الإنسان بفطرته قد يعرف الخير من الشر ومن ثم
يمكن له من خلالها أن يحكم على الأشياء ويعرف الحق من الباطل ويفعل الخير ويتجنب
الشر؟
· يقول ابن تيمية (فالله - سبحانه وتعالى - فطر عباده
على الحنيفية وهو حب المعروف وبغض المنكر فإذا لم تستحل الفطرة فالقلوب مفطورة على
الحق)
· وفي الصحيح (ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد
وإذا فسدت فسد سائر الجسد ألا وهي القلب) فالضمير ومحله القلب هو قطب الرحى
للإنسان وسلوكه
· طيب إذا نظرنا في واقعنا ورأينا كثيرا من القضاة في
عالمنا العربي صاروا جزءا من الفساد فما تفسير ذلك هل هو نقص في عقولهم أم علومهم
أم ماذا؟
· إذا بلغ الفساد في المجتمع أن يصبح القضاة مرتشين وظلمة
ويسرقون المال العام ويصادرون الأراضي فهل الأزمة في الوعي أم في الضمير أم في
كليهما؟
· أترككم مع هذا السؤال عن موت الضمير وكيف يمكن بعثه من
جديد فقد حان وقت العشاء
· ما سبب ضعف الضمير أخي عبد الله وهل ترى للضمير حقيقة
بحيث يمكن البحث حولها والبحث في كيف يبعث الضمير؟
· ونحن بدأنا بالفطرة وبالضمير والوجدان الباطني للإنسان
لأنه أول مصادر المعرفة عنده منذ ولادته - كما سبق ذكره في الجلسات السابقة وهي
منشورة في موقعي - فهو يتصرف بفطرته دون علم سابق أو عقل وإدراك
· وقد جاء في الحديث (استفت قلبك) وجاء (البر ما اطمأنت
إليه النفس والإثم ما حاك في صدرك وخشيت أن يطلع عليه الناس) فهذا شعور نفسي وقلبي
ووجداني
· وقد ضربت مثلا بالقضاة لأن القاضي لا رقيب عليه بعد الله
ولا سلطان عليه إلا ضميره وإليه يفزع المظلوم والضعيف فإذا فسد ضميره كيف يكون
إصلاحه؟
· فإذا كان من يقضي يعرف القانون ومداخله ومخارجه والحكم
بالنهاية إليه وهو أمر تقديري لا يلومه أحد عليه وهو يحكم باسم العدالة فلا عاصم
إلا ضميره
· فهب أننا اختلفنا في الدين وأحكامه والعقل وتصوراته
وتصديقاته فهل هناك فطرة سوية وروح حية يمكن لها الحيلولة دون انحراف أهل العلم
والدين والعقل
· ولهذا قال عمرو كما في صحيح مسلم عن الروم وخصالهم
الحسنة (أرحمهم بضعيف ويتيم) وهي نزعة فطرية إنسانية كما ذكرنا سابقا ولهذا
يستحسنها الخلق طرا
· لقد تحدث القرآن عن القلب ووصفه فهو قد يصاب بالقسوة {ثم
قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة} ويختم عليه {ختم الله على قلوبهم}
· ويصاب بالرين {بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} فهذا
القلب الذي يخفق بين جنبي صاحبه وهو مستودع ضميره وسره قد يكون أقسى من الحجر فكيف
يعالج؟
· إذا اتفقنا أن موت الضمير وقسوة القلب لا تعود بالضرورة
إلى عدم علم بل أكثر ما يقع ذلك ممن يعلمون الحق فالحجج والبينات لا تفيدهم أصلا
· تأملوا الآية {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم
قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به} فعلماء اليهود قلوبهم قاسية
مع علمهم
· فعلماء اليهود الذين لعنهم الله يحرفون الكلم عن مواضعه
ويأكلون السحت وأموال الناس بالباطل عن علم وقصد ومثلهم من فسد من علماء المسلمين
سواء بسواء كما في الحديث (لتتبعن سنن من كان قبلكم)
· تعالوا معي نتدبر كيف يعالج القرآن أزمة الضمير {اذهبا
إلى فرعون إنه طغى. فقولا له قولا لينا. لعله يتذكر أو يخشى} ماذا نفهم من الآية؟
· ففرعون لا تخفى عليه الحجج بل حاله كما وصفه
القرآن{وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} فهو مستكبر عن الحق مع علمه بصدق
موسى وأنه نبي مرسل
· فليس للضمير علاج إلا بـ {لعله يتذكر أو يخشى } فالموعظة
والتذكير بما فات من نعم الله على الإنسان والخشية مهما هو آت بعد الموت قد يوقظ
الضمير
· وقال تعالى {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم
وشفاء لما في الصدور} فالقرآن موعظة وشفاء للقلوب فلها أمراض وعلل لا يجدي معها
إلا الوعظ
· وتأمل الربط بين قسوة القلوب ونسيان الذكر وتأويله
{وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به} وانظر
للواقع تراه جليا
· فإذا فسد ضمير من يضع القانون ومن يقضي به ومن يحكم به
فما هو الحل؟
· وتأمل حال كثير من البسطاء وما فيهم من الصدق وصفاء
السريرة ويقظة الضمير مع قلة علمهم لتدرك أن الأمر لا يرجع إلى ذكاء وفطنة بل إلى
ضمير حي
· وتدبر هذه الآية {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع
هواه} فإذا غفل القلب عن ذكر الله ولقائه وحسابه وعقابه اتبع هواه وانطلق من عقاله
وعقله
· فالإيمان بالله حياة للقلب كما قال تعالى {ومن يؤمن
بالله يهد قلبه} فمن يؤمن بالله يهد قلبه للحق والخير فيطمئن للبر والإحسان إلى
الخلق
· فأمراض القلوب ليست كأمراض العقول تعالج بالحجج والأدلة
فالحسد والغل والنفاق والكبر أمراض لا تعالج إلا بعلاج روحي يخاطب القلوب ويستثير
الضمير
· ولهذا قيل لو لم يكن هناك إله لوجب اعتقاد البعث والحساب
ليتحقق العدل على الأرض فإنه لا سبيل إلى ردع الطغاة والقضاة العتاة إلا بتخويفهم
بذلك
· فبذكر الله جل جلاله وبالإيمان باليوم الآخر والحساب
والقضاء الأخروي تستيقظ ضمائر هؤلاء وتحيا قلوبهم وتتغير أحوالهم كما هو مشاهد
وواقع
· وكما قال تعالى {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله}
{الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم}
· فإذا لم يخش مثل هؤلاء الموت والبعث والنشور ولم يخشوا
القضاء الأخروي والحساب والعقاب فلا سبيل إلى يقظة ضمائرهم وحياة أرواحهم وقلوبهم
· فالتخويف والتذكير للذين ماتت ضمائرهم وفسدت فطرهم وصارت
الجريمة في نظرهم شيئا طبيعيا بل وضروريا بل قد يصل الانحراف بهم إلى حد اعتقاده
دينا
· وانظر إلى هذه الآية وحسن التقسيم فيها {ادع إلى سبيل
ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} فمن الناس من يوعظ ومنهم من
يجادل ومنهم من لا يحتاج إلا إلى البيان والحكمة
· عندما نرى قاضيا يزوّر إرادة شعب من أجل إرضاء الطاغية
ما السبيل لعلاجه؟ وإذا جاء فقهاء السوء وزينوا للطغاة جرائمهم كيف السبيل لعلاجهم
مع علمهم؟
· نحن أخي أحمد نتحدث عن أصحاب الضمائر المريضة كيف
نعالجها أما من كان ضميره حيا وإنسانيته يقظة من الماديين وغير المؤمنين فللقرآن
أسلوب آخر معهم فدعنا الآن مع موتى الضمائر وعلاجهم
· أستودعكم الله جميعا وإلى لقاء قريب بإذن الله مع مصادر
المعرفة وكيف الاستفادة منها في إصلاح النفوس والعقول والقلوب
· جمعة مباركة – 29/7/2011م - وتقبل الله من الجميع صالح
أعمالهم ونستأنف الحديث عن مصادر المعرفة وسيكون عن (الفطرة الإنسانية وطريق
استنارتها)
· الضمير الإنساني كما سبق بيانه هو أهم عناصر الفطرة
ومستودعه القلب حيث الإحساس بمشاعر الحب والرحمة والرغبة والنية والإرادة والسلوك
الفطري الطبيعي
· والفطرة معيار يستطيع الإنسان السوي ذو الضمير الحي أن
يعرف بها الخير من الشر (البر ما اطمأنت إليه النفس والإثم ما حاك في صدرك) (استفت
قلبك)
· وقد تتعرض الفطرة للعوادي التي تحرف الإنسان من فطرته
بحكم التنشئة والتربية الاجتماعية فالإنسان ابن أسرته أكثر من كونه ابن عقله
وإرادته (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)
· ولكون الفطرة شيئا مركوزا في النفس البشرية وأمرا جبليا
طبيعيا فلا يتصور لها أن تزيد بالعلم أو ينفعها التعلم بل هي تحتاج إلى استعادة
تذكرها
· فلا يحتاج الإنسان إلى استعادة دور الفطرة فيه واستثارة
ضميره الحي إلا إلى التذكر أكثر من حاجته إلى التفكر
· فأكثر البشر الذين يظلمون ويجرمون بحق أنفسهم وحق
مجتمعهم يهتدون وتتغير أحوالهم بالموعظة والتذكير أكثر من تأثرهم بالحجج والأدلة
العقلية ويتوبون بسبب تأنيب الضمير واستيقاظ الفطرة أكثر من تأثرهم بعقولهم
· فالموعظة والتذكير لا يحتاج الإنسان معها إلى جهد عقلي
وذهني بقدر ما يحتاج إلى صدق مع النفس واعتراف بفطرتها التي تطمئن إليها وتجد
راحتها بها
· فتأنيب الضمير للإنسان دليل على أنه يجد في نفسه منازعة
وصراعا مع طبيعته المفطورة على الخير والحق أكثر من صراعه مع عقله وفكره
· فالموعظة هي الموقظة للضمير إذ التذكير هو لمعلوم لديه
ولا يحتاج إلا موعظة تذكره بما نسي بسبب إعراضه أو غفلته ولهذا كان القرآن موعظة
وذكرى
· فالفطرة لا تحتاج إلى زيادة علم فهي أمر جبلي مركوز في
النفس بل تحتاج إلى موعظة وتذكرة بما هي مفطورة عليه أصلا {إن هو إلا ذكر وقرآن
مبين}
· وآفة الفطرة هو النسيان بسبب الغفلة {ولقد عهدنا إلى آدم
من قبل فنسي} أو النسيان بسبب الإعراض {ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها
ونسي ما قدمت يداه}
· فالإنسان ينسى أصل نشأته وضعفه {وضرب لنا مثلا ونسي خلقه
قال من يحيي العظام وهي رميم} ولهذا يحتاج إلى تذكر كيف جاء لهذا الوجود وتذكر أصل
نشأته
· وينسى الإنسان ربه وخالقه فينسيه الله نفسه {نسوا الله
فأنساهم أنفسهم} ولهذا يحتاج إلى تذكر نفسه بذكر ربه على الدوام فلا ينقطع عن ذكره
· وينسى ما جاءه من الكتب والرسل والعلم {فنسوا حظا مما
ذكروا به} ولهذا كانت آفة أهل العلم نسيان العلم بالإعراض عما حملهم الله من
أمانته والعمل والصدع به
· وينسى الإنسان الآيات والحجج والبينات نسيان إعراض وكبر
{كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} فكم لله آية في النفس والوجود تحتاج
فقط للتذكر
· وينسى الإنسان أفعاله وذنوبه وجرائمه {ومن أظلم ممن ذكر
بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه} {أحصاه الله ونسوه} فهو في حاجة لمحاسبة
نفسه وتذكر ذنوبه فقط
· وينسى الإنسان حاجته وافتقاره إلى ربه حال صحته وقوته
{وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو
إليه من قبل}
· وينسى الإنسان يوم الحساب والجزاء {لهم عذاب شديد بما
نسوا يوم الحساب} فإذا هو بين يدي الله جل جلاله ولم يكن بينه وبين النجاة إلا
تذكر الذكرى {يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى}
· وينسى الإنسان نفسه بانشغاله بمتع الدنيا وشهواتها
ولهوها وغرورها {متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر} حتى يتفاجأ بحقيقتها عند حضور
أجله بعد نسيانه
· وينسى الإنسان نفسه باستحواذ شياطين الإنس والجن
وغوايتهم له {استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله} فهو في حاجة للذكر
والاستعاذة بالله
· والنسيان والإعراض هو سبب تأله الطغاة وغرور الجبابرة
وظلم القضاة وفساد من فسد من العلماء والدعاة الذين ماتت ضمائرهم فاستحسنوا الظلم
والطغيان بل وأحبوا أهله
· فلا يحتاج الإنسان إلى استعادة دور الفطرة فيه إلا إلى
التذكر من خلال الاستضاءة بنور الفطرة السوية وسيجد الإنسان صفاء روحيا وسموا
أخلاقيا يعينه على معرفة الحق وفعل الخير
· وكلما غفل الإنسان عن هذه الحقائق التي لا تحتاج إلى علم
بقدر ما تحتاج إلى تذكر وكلما أعرض عنها كان أشد بعدا عن إحساسه بإنسانيته وحقيقة
بشريته
· ولهذا فكلما كان الإنسان أكثر ذكرا وتذكرا لحقيقة نشأته
وأصل وجوده وحقيقة هذه الحياة وكيف ذهب من قبله وكيف سيذهب كان أكثرا إحساسا
بإنسانيته
· وهذا القدر من السمو الروحي والتسامي يوجد عند أهل
الأديان التي تجعل من التأمل الدائم سبيلا لتهذيب النفس وترويضها والشعور
بإنسانيتها
· ولهذا كانت الموعظة أهم وسيلة وأكثرها شيوعا عند كل أهل
الأديان بسبب القدر المشترك بينهم في هذه الحقيقية وللأثر المشاهد لها في الإنسان
وتغيره
· ومن رحمة الله على عباده أن جعل الفطرة أقرب وسيلة للنفس
البشرية ومع ذلك لم يجعلها حجة عليها إلا بعد التذكير والنذير وإرسال الرسل {وما
كنا معذبين حتى نبعث رسولا}
· فالإنسان في حاجة ضرورية للمصادر المعرفية الأخرى ليتحقق
بذلك كماله البشري وسعادته في الدنيا والآخرة وهو ما سنحاول استقصاءها بإذن الله
في الجلسات القادمة
· ولهذا جاء الإسلام لا ليعارض الفطرة التي فطر الله الناس
عليها بل لتعزيزها وتهذيبها وحين وقع التعارض مع هدايات الفطرة بسبب الجهل
بالإسلام وقع الخلل والتخلف
· وقد نهى النبي ص من أرادوا الرهبانية فقال أحدهم لا
أتزوج النساء وقال الآخر لا آكل اللحم وقال الثالث لا أنام الليل فرد عليهم ص
بقوله (أما أنا فأصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)
وهي كلها أمور من الفطرة البشرية
· فجعل من السنة النبوية ومن هدى الإسلام موافقة الفطرة لا
مخالفتها بل قال (وفي بضع أحدكم صدقة) قالوا أيأتي أحدنا أهله وله أجر؟ قال نعم
أرأيتم إن جعلها في حرام أعليه وزر؟ فكذلك إن جعلها في حلال فله أجر
· ولهذا قال ص (حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء) فمع أنه
نبي معصوم إلا أن الله حبب إليه أمور الفطرة ليقتدى به وإلا فهمه ص كله الآخرة لا
الدنيا
· ومن الفطرة بغض النفوس للظلم والقسوة وحبها للعدل
والرحمة فهذا مما تشترك فيه كل فطرة إنسانية سوية فجاء الإسلام بالعدل والرحمة
للعالمين جميعا {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} وقال {قل أمر ربي بالقسط}
· فإذا جاء من يقول للناس بأن الظلم الذي يقع عليهم ليس
ظلما بل عدل أو هو ظلم والله يأمركم بالصبر عليه والدعاء لمن ظلمكم بل وحبه
واحترامه! فقد صادم الفطرة
· فإذا كانت دعوى تعارض العقل مع النقل فتنة كبرى قديما
فاليوم وصل الأمر بهذه الفتنة وأهلها حد زعم تعارض الدين مع الفطرة مع أن المشكلة
إنما هي في الفهم السقيم للدين
· عندما تجد من يقف مع حسني والقذافي والأسد ومن هو على
شاكلتهم ويبرر وقوفه معهم باسم الله الملك الحق العدل فالخلل هنا أصاب الفطرة
والدين معا
· ونستكمل الإجابة عن أسئلة الأخوة
· س / هناك من يقسم المصادر إلى الوحي والعقل والمنطق
والحس؟
· ج / الوحي يدخل في النقليات أو ما يسميه المتكلمون
السمعيات والمنطق يدخل في العقليات وقد سبق أن فصلت فيها القول في الجلسة الأولى
· ولا مشاحة في الاصطلاح أو الاختلاف في تقسيم المصادر أو
تفريعها ولا نقصد بمصادر المعرفة هنا مصادر التشريع قطعا بل مصدر التشريع الوحي
قرآنا وسنة فقط
· كما ذكرت لك النقليات أعم من الوحي فكل معلومة تصل لنا
عن طريق الخبر فمصدرها نقلي وكذلك العقليات أعم من المنطقيات والرياضيات والبدهيات
· وما وراء الحس ويدخل فيها الحدس والفراسة والإلهام
والرؤى وكل ما يفيد علما ومعرفة لا عن طريق الحس المباشر
· فهذا هو الصواب في أقسام المصادر وقد سبق ذكر الأدلة على
كل هذه المصادر المعرفية من منظور إسلامي وأما الاقتصار على الأربعة المذكورة ففيه
قصور كبير
· س / ما هو الضمير؟
· ج / الضمير والوجدان هو الشعور الباطني الذي يجده كل
إنسان من سعادة عند فعل خير أو ضيق وحزن وهم عند فعل شر وهو شعور فطري قهري
· س/ ما الغاية لدى الإنسان أهي السعادة كما يقول أفلاطون
أم القوة أم المتعة واللذة؟
· ج/ الغاية هي التي خرج بسببها أبونا آدم من الجنة {هل
أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى} هو الخلود الأبدي والسعادة الدائمة
· وهذا أيضا أمر فطري فقد كان الميل الفطري للإنسان هو
الخلود والملك الدائم ولهذا وعد الله عبادة بالجنة وخلودها فهي غاية كل نفس بشرية
· س/ ألا ترى بأن الخلل في الفطرة أشد خطرا من الخلل في
العقل؟
· ج/ صدقت وأن يصاب الإنسان في عقله فيخطئ الصواب أهون ألف
مرة أن يصاب بفطرته فينسلخ من إنسانيته وبشريته فيصبح شيطانا في صورة إنسان
· س/ الشورى عندنا هي للأسف نخبوية؟
· لا أدري عن أي شورى تتحدث فالشورى في الإسلام تعني أولا
حق الأمة في اختيار الإمام فلا شورى مع الغلبة والقوة
· س / ألا ترى بأن للعقل دور في اهتداء الإنسان ولو لم
يستيقظ ضميره؟
· ج/ إذا انتكست فطرة الإنسان فلا سبيل إلى هدايته إلا
بيقظتها أولا واستنارتها ثم يزداد الإنسان هداية بالعلم ونورا وأما قبل صحوة
الضمير فلا سبيل
· ولهذا كان المدخل للتفس البشرية هو تذكيرها بما تجده من
حقائق في ذاتها ولهذا كانت مهمة الرسول {فذكر إنما أنت مذكر} فمن تذكر فقد بدأ
طريق الهدى
· س/ قوله تعالى {فألهمها فجورها وتقواها} ألا يدل على أن
الفطرة ليست فقط على حب الخير بل والشر؟
· ج/ فألهمها فجورها وتقواها أي علمها وهداها إلى معرفة
طريق الخير والشر ويسر لها أي الطريقين تختار {هديناه النجدين} وقيل قدره له بخلاف
الفطرة التي فطر الإنسان عليها في الأصل حين مولده
· على قول من يقول بأن الإلهام في الآية البيان للخير
والشر أي معرفة النفس وتمييزها بينهما لا فعلها لهما وقيل المراد هنا إثبات القضاء
والقدر
· يحتمل أن يكون المقصود هو الإلهام الفطري للتفريق بين
الخير والشر وقد يكون الإلهام بالعلم الذي جاءت به الرسل وهو البيان
· س / حديث (خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين) ألا
يتعارض مع (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه؟
· ج/ نعم الشياطين في هذا الحديث تعم شياطين الإنس والجن
واجتالتهم أي حرفتهم واستحوذت عليهم فالبيئة هي المؤثر الأول في الطفل والبيئة
والمجتمع قد يضله رجل واحد كفرعون {وأضل فرعون قومه وما هدى) فلا تعارض.
· س / ما هي الفطرة وما الفرق بينها وبين الغريزة؟
· ج/ سبق تعريف الفطرة وهي كل معرفة فطرية بدهية أو غريزة
طبيعة أو أخلاق جبلية مركوزة في كل نفس بشرية ومنها حاجة الطفل لأمه وميل الرجل
للمرأة
· س/ الثورة العربية للأسف تريد كما في مصر وتونس دولة
مدنية ولا تريد الإسلام؟
· ج/ أخي الكريم الدولة في الإسلام مدنية بمعنى أن من
يحكمها ليس رجال الدين ولا بتفويض إلهي كما في الدولة الثيوقراطية بل الأمة التي
تختار السلطة
· فالسلطة في الإسلام بالشورى والرضا والاختيار والذي
يختارها هم الشعب وهي وكيل عنهم لا وصي عليهم وهم من يحاسبها ويخلعها ويعزلها
وعليه فالسلطة في الإسلام مدنية لا دينية يتم اختيارها من الله بالتفويض الإلهي
· كثير من الاختلافات بين المتنازعين تعود إلى خلاف في فهم
العبارة والمصطلح وحين يعرف الطرفان حقيقة ما يتناقشان فيه يرتفع بينهما الخلاف
والنزاع