بقلم د. حاكم المطيري
(المشروع البريطاني وتحديد حدود الكويت)
اضطرت الدولة العثمانية بعد نجاح بريطانيا في فرض وجودها العسكري في مياه الخليج - وبعد عقدها معاهدات حماية مع مشيخات الموانئ الساحلية - إلى عقد اتفاق معها لتحديد حدود هذه المشيخات، وربطها بالقبائل الداخلية في الصحراء، مع اعتراف بريطانيا بالسيادة السياسية العثمانية على المنطقة، وستشهد المنطقة مباشرة وبعد سنة من توقيع المعاهدة مع الشيخ مبارك الصباح أحداثا كبرى، وستتشكل أحلافا قبلية غير مسبوقة، وستستخدم بريطانيا المدن والقبائل لتنفيذ مشروعها في مواجهة الدولة العثمانية، وترسيخ نفوذ بريطانيا الاستعماري في الخليج والجزيرة العربية، ولهذا احتاجت بريطانيا توسيع حدود محميتها الجديدة (الكويت)، لتتجاوز أسوار المدينة، نحو الصحراء غربا، حيث ستكون الرياض هدفا مباشرا للحملة العسكرية التي ستنطلق من الكويت، نحو حائل لضرب الوجود العثماني في قلب الجزيرة العربية!
لقد ظلت الكويت - كما يقول د. حسن الإبراهيم - حتى الحرب العالمية الأولى سنة 1914م جزءا من الإقليم العربي تحت سيادة الدولة العثمانية، ولم يكن الباب العالي في اسطنبول يهتم ببلدة صغيرة فقيرة محاطة بصحاري شاسعة (وقد كانت القبيلة محور النظام الاجتماعي فيها، وكانت حدود السلطة فيها لا تتجاوز أسوار المدينة، التي لا تتجاوز مساحتها الميل طولا، والميل والربع عرضا، ولا يتجاوز عدد سكانها أربعة آلاف نسمة في سنة 1830م، وقد كان سكان صحرائها في الأصل هي القبائل العربية).[1]
وكما يقول لوريمر في دليل الخليج (يبلغ طول المدينة الآن - سنة 1904م - ميلين على طول الشاطئ، وعرضها في الداخل ما بين ربع الميل وثلاثة أرباع الميل، والأراضي التي تحيط بالمدينة صحراء على مد البصر، وتضرب في هذا الجانب خيام كثيرة للبدو).[2]
وقال لوريمر أيضا(ويعتبر الأتراك الكويت قضاء تابعا لسنجق البصرة، كما يعتبرون الشيخ موظفا تركيا، وحدود إمارة الكويت في معظم أجزائها متغيرة وغير محدودة، فهذه الحدود في وقت ما هي حدود القبائل التي تدين بالولاء في ذلك الوقت لشيخ الكويت).[3]
لقد كانت الكويت تخضع لحكم ابن عريعر في الإحساء وهو الذي بناها - كما سيأتي بيانه - ثم أصبح الإقليم كله (لواء الأحساء ونجد) يتبع ولاية بغداد العثمانية، ثم ولاية البصرة العثمانية.
وجاء في نص الاتفاقية البريطانية العثمانية سنة 1913م بخصوص الكويت وحدودها (إن الحدود الواردة متغيرة وغير محددة بالضبط وتطابق وتماثل حدود ومساحة المناطق التي تسكنها القبائل التي تدين بولائها لشيخ الكويت).[4]
كما جاء في أسباب الاعتراف البريطاني بملكية الكويت لجزيرة وربة وبوبيان سنة 1908م لأنها(كانت مأهولة من قبائل العوازم فقط دون غيرهم الذين مارسوا ولأجيال متعاقبة حقوق الصيد فيها).[5]
وهذا أوضح دليل على أن حدود دويلات الطوائف الحديثة كانت حدودا عشائرية، وكان للقبائل دور رئيس في انحسارها أو اتساعها!
وقد وافقت السلطة العثمانية مبدئيا سنة 1911م على الاعتراف بالحكم الذاتي للشيخ مبارك أسوة بأي شيخ قبيلة في العراق كشيخ بني لام وشيخ المنتفق.[6]
وقد كان مبارك بعد ذلك يخاطب والي البصرة باسم حاكم الكويت ورئيس قبائلها، ليتسنى له مد نفوذه بحسب امتداد نفوذ القبائل في الصحراء، وقد تم إجراء معاملة استخراج الجنسية العثمانية له كما جاء في خطاب وكيل والي بغداد سنة 1912 وفيه:
(إلى جناب الأكرم قائمقام الكويت الشيخ مبارك باشا الصباح بناء على ما سبق منا من الإشعارات والتأكيدات فقد ورد الأمر بإجراء المعاملة لجنابكم وإعطائكم الأوراق الخاقانية على الأصول كأمثالكم من العشائر العثمانية غير المحررة - أي المسجلة - وعليه أجرينا التبليغات اللازمة لمن يقتضي من الدوائر).[7]
وقد كان مبارك الصباح عضوا في حزب (الحرية والائتلاف) فرع البصرة الذي كان يرأسه السيد طالب النقيب، وقد تأسس هذا الفرع في البصرة بعد ثورة الاتحاديين ووصولهم للسلطة في اسطنبول، الذين مارسوا سياسة تعسفية ضد العرب، وقد عقد مؤتمره في البصرة سنة 1913م وحضره مبارك الصباح والسيد طالب النقيب، لبحث موضوع منح المنطقة الحكم الذاتي من قبل الدولة العثمانية، وقد كان وراء ذلك المؤتمر يد بريطانية كما يظهر من سياق الأحداث وتتابعها في صالح الاحتلال البريطاني للعراق.[8]
حدود الكويت وسكانها في العهد العثماني:
وقد كان تعداد سكان مدينة الكويت سنة 1900م عشرة آلاف نسمة إلى اثني عشر ألف نسمة.[9]
كما كان اسم الكويت إلى سنة 1900م يطلق فقط على المدينة، ولا يكاد يطلق على ما وراء أسوارها، بل كان يطلق على مناطق صحرائها أسماء خاصة بها كالجهراء.
وقد تغيرت الأوضاع في الكويت فجأة جغرافيا وسكانيا بعد المعاهدة البريطانية فخلال خمس سنوات فقط امتدت حدود إمارة الكويت في عهد مبارك الصباح - وهو أول شيخ تتجاوز حدود إمارته المدينة - بحسب امتداد حدود أراضي القبائل الحليفة له، ووصلت حدود الإمارة - كما يقول لوريمر - حسب ادعاء الشيخ مبارك وذلك في سنة 1905م إلى الصمان شرقا حيث امتداد قبيلة مطير (حيث يدعي شيخ الكويت الحالي مبارك - كما يقول لوريمر - بأن الجزء الشمالي من الصمان جزء من إمارته، وتقع الصمان بين الدهناء في الغرب، ومناطق الدبدبة والشق في الشرق، ويضرب العرب خيامهم في الصمان، ومعظمهم من مطير).[10]
ومن القبائل الموجودة في صحراء الكويت منذ القدم - كما في دليل لوريمر الذي ألفه لصالح الحكومة البريطانية - قبيلة العوازم، والرشايدة، والعجمان، وبني خالد، والدواسر، وعنزة، والظفير.[11]
وتقطن عشائر الظفير الجزء الشمالي من صحراء الكويت، وأشهرها عشيرة الصمدة، والبطون، والمعاليب.[12]
كما يقطن في الجزء الجنوبي من الكويت العجمان، وبني هاجر، وبني خالد.
ويبلغ تعداد سكان البدو المستوطنين في الكويت من العوازم، والرشايدة، ومطير(13000) نسمة تقريبا، وهذا عدا الرحل منهم، وعدا من يسكن منهم داخل أسوار المدينة، وعدا القبائل الأخرى، على حد قول لوريمر (قبائل الكويت كلها من العرب، وتنتمي للمذهب السني، والقبيلتان اللتان تكونان غالبية السكان خارج مدينة الكويت هما العوازم والرشايدة، ويقطن جزءا من الصمان التابع للكويت قبيلة مطير فقط، ويخيم عدد كبير منهم في الجهراء كل موسم، أما عدد السكان من البدو فهم حوالي 13000 نسمة، إذا لم نحسب إلا العوازم والرشايدة وجزءا من مطير الذين توجد أماكن استيطانهم القبلية في الإمارة).[13]
كما إن معظم سكان مدينة الكويت - كما يقول لوريمر - الذين يبلغ تعدادهم في سنة 1905م 35 ألف نسمة، ينتمون إلى قبائل العتوب، والعوازم، والرشايدة، وبني خالد، والعجمان، والدواسر، وعنزة، والظفير، والقناعات، وعرب الحسا، والبحارنة، وعدد من الإيرانيين.[14]
وكذلك يقطن نحو 700 بيت من قبيلة مطير - أي ما بين 5000 – 7000 نسمة تقريبا - على الجهراء في فصل الصيف، وبعضهم بشكل دائم.[15]
وكما يقول جان جاك بيربي المؤرخ الفرنسي (الكويتيون الأصليون كلهم عرب ومسلمون سنيون)[16]، والقسم الأكبر من مساحة الكويت صحراء يقطنها فيما مضى ما بين عشرة وعشرين ألف بدوي.[17]
وهذه الأرقام لنسبة سكان القبائل في الكويت - سواء في المدينة أو في الصحراء المجاورة لها - تعادل أكثر من ثلثي عدد سكانها، وهذا في عهد الشيخ مبارك، وهي النسبة ذاتها إلى اليوم، وليس كما يشاع في الثقافة الزائفة اليوم بأن الوجود القبلي في الكويت وجود طارئ دخيل، وأنه تغير ديمغرافي في تركيبة السكان بعد استخراج النفط، كما يزعم أستاذ علم الاجتماع خلدون النقيب!
لقد فرضت بريطانيا واقعا جديدا بتحديدها للحدود بين المدن الساحلية التي كانت تمثل إقليما واحدا يتبع دولة واحدة، من أجل مصالحها الاستعمارية، إلا إن (البدو الأحرار المتنقلين لم يكترثوا - كما يقول بيربي - يوما بالحدود التي تقيمها إدارة أجنبية، طالما أنهم يستطيعون أن يقفزوا فوقها ويتخطوها).[18]
القبائل الرئيسة في الكويت وامتدادها الجغرافي:
1- قبيلة مطير :
لقد ظلت القبائل هي المؤثر الرئيسي في امتداد وانحسار نفوذ أمراء الموانئ والمدن، وقد كان شيوخ المدن الساحلية والداخلية يحاولون مد نفوذهم من خلال التحالف مع القبائل وكسب ولائها، أو محاربتها من أجل إخضاعها لنفوذهم، ففي سنة 1852م غزا فيصل بن تركي آل سعود بجيشه على قبيلة الجبلان من مطير وهم على آبار الوفرة جنوب الكويت.[19]
كما أغار عبد الله بن فيصل بن تركي على قبيلة الصهبة من مطير، وهم على ماء الوفرة جنوب الكويت سنة 1869م[20].
وقد كان مع مبارك الصباح في معركة الصريف سنة 1900م قبيلة علوى من مطير وشيخهم سلطان الدويش، والصعران من مطير، وشيخهم نايف بن بصيص، والجبلان من مطير وشيخهم صاهود بن لامي، وغيرهم من القبائل.[21]
وبعد هزيمة مبارك ومن معه، ترك مبارك أرض المعركة ومعه سلطان بن الحميدي الدويش، وكان سلطان في خيمة مبارك حين وقعت الهزيمة، ولحق بهم السعدون وتوجهوا إلى الزلفي ورفض أهلها دخولهم خوفا من ابن رشيد، فلجأوا إلى الصمان حيث قبيلة مطير، ومن هناك توجه مبارك إلى الكويت.[22]
كما أغار ابن رشيد بعد حرب الصريف على الصبيحية، ثم أغار على (واره)، فأخذ بعد قتال عنيف أموالا لقبيلة مطير.[23]
وفيها يقول شاعر ابن رشيد أبياتا من الشعر الشعبي جاء فيها :
حر شلع من حايل
يبغي حـباري واره
يبغي الدويش وربعه
غربي أبـو دواره
وجبل واره قرب منطقة الأحمدي، وأبو دواره من الآبار التاريخية القديمة وهي قرب دسمان في مدينة الكويت الحالية، وكلها كانت من منازل قبيلة مطير تنزل عليها في فترة الصيف، كما ذكر لوريمر وغيره.
كما كانت قبيلة مطير تنزل على آبار أم الهيمان جنوب الكويت خاصة في الصيف.[24]
وقد كان في صحراء الكويت نحو عشرين بئرا لقبيلة مطير على بعد ثلاثين ميلا شمال الجهراء.[25]
وتوجد على بعد 40 ميلا جنوب غربي مدينة الكويت خبرة الدويش، وقد كان بين العجمان ومطير نزاع على ملكيتها سنة 1905م، ثم آلت ملكيتها لقبيلة مطير.[26]
وقد جعل مبارك الصباح ـ كما يقول لوريمر ـ (من نفسه حليفا لقبيلة مطير، وذلك بالزواج منهم، ومطير لهم شأنهم في نجد، ويعسكرون في الصمان، أو عند رأس خليج الكويت في الصيف)[27].
كما أكد لوريمر أن الذي كان (يقطن جزءا من الصمان التابع للكويت قبيلة مطير فقط، ويخيم عدد كبير منهم في الجهراء كل موسم).[28]
وقال دكسون عن حدود القبيلة الجغرافية خاصة قبائل بريه من مطير (ويمتد هؤلاء من الكويت في الشمال إلى حزام الدهناء الرملي في الجنوب، ويلتزمون الجانب الشرقي من الباطن وكانت مراعيهم دائما في الأماكن المجاورة للكويت - أي المدينة -).[29]
وكما يقول لوريمر لا تعرف قبيلة مطير الاستقرار(ولا يخضعون لسيطرة، وهم منهمكون في حروبهم القبلية، وعلى استعداد دائم للقتال، وكان شيخ الكويت - مبارك الصباح - يقوم بترتيب مع ابن سعود وبالنيابة عنه بجمع الزكاة من القبيلة التي تعيش ضمن أراضيه، وهناك علاقة مصاهرة بين شيخ الكويت وقبيلة مطير، ورجال القبيلة مسلحون جيدا، وذلك كما يليق بحليف للكويت).[30]
فقد كانت العلاقة بين المدينة (الكويت)، والقبيلة (مطير) علاقة تحالف وندية إذ كانوا جميعا مواطنين في وطن واحد، ودولة واحدة هي الدولة العثمانية، ولم تكن القبيلة تخضع لسيطرة المدينة، وكان السبب في تحالف مبارك مع قبيلة مطير، هو أنها تسيطر على الصحراء غربا(الصمان)، التي تقع بين مدينة الكويت، ومدينة حايل، فتشكل بذلك حاجزا بينهما، بعدما شهدتا صراعا وتنافسا في عهد مبارك وابن رشيد، ضمن الصراع البريطاني العثماني، وكان قد بلغ الصراع أشده في حرب الصريف التي وقفت فيها قبيلة مطير بصف مبارك.
وقال لوريمر عن قبيلة مطير وحدود أراضيها التي تمتد من الخليج العربي شرقا إلى البحر الأحمر غربا(قبيلة عربية صرفة، في وسط الجزيرة العربية، حدودها أوسع من أي قبيلة أخرى، باستثناء عنزة، وهي القبيلة البدوية الرئيسية التي تزور القصيم، وملكية الدهناء والصمان مقصورة عليهم، وتمتد أماكن تواجدهم في الشمال الشرقي، حتى تتوغل في الكويت، فيقيمون معسكراتهم (خيامهم)الصيفية في الجهراء، وفي الجنوب الغربي يوجدون في القصيم، وفي الوشم، ووادي السر، ويصلون إلى العارض، وعلى مسافة بعيدة في المنطقة البركانية بين مكة والمدينة، وحدودهم الشمالية القصوى على الخليج، ويوجدون جنوبا في الحسا، والصمان، ويتصلون في الشمال مع عنزة، وفي الشمال الغربي مع شمر، وفي الغرب مع حرب، وعتيبة، وقحطان، والدواسر، وسبيع، وفي الجنوب مع العجمان، والمرة، وبني هاجر، والمناصير).[31]
وقد قدر المؤرخ العثماني أيوب صبري عدد أفرد قبيلة مطير في الحجاز فقط بأربعين ألف نسمة في حدود سنة 1877م - أي عشرة أضعاف سكان مدينة الكويت آنذاك - بينما تمتد حدودهم الجغرافية آلاف الأميال، إذ تمثل جزيرة العرب كلها وطنا لهم كباقي القبائل العربية يرتحلون فيها بلا حدود (ومن عاداتهم القديمة التنقل والترحال حيث الكلأ والمطر، وما أن يسمعوا بهطول الأمطار في ناحية حتى يشدوا رحالهم إلى هناك)[32].
وقد صارت القبيلة العربية هي الضحية بعد إقامة الدويلات الحديثة وتحديد حدودها السياسية بما يخدم المصالح البريطانية، حيث تم تقسيم القبيلة الواحدة ومصادرة أرضها، وضمها إلى المدن المتحالفة مع بريطانيا، وتقسيمها إلى شعوب وولاءات للأسر الحاكمة، على حساب وحدة القبيلة، ووحدة شعب الجزيرة العربية، ووحدة أرضها!
2- قبيلة العجمان :
وكذلك كان لقبيلة العجمان أثرها على الحدود السياسية، وهي من أكبر القبائل في المنطقة، وتمتد أراضي قبيلة العجمان من الإحساء جنوبا إلى الكويت شمالا، حيث استقر بعض عشائرها في مدينة الكويت، وعلاقتهم - كما يقول لوريمر - مع شيخ الكويت طيبة، ولقوة قبيلة العجمان صار التحالف معهم ذا أهمية كبرى، كما تشكل عداوتهم خطرا كبيرا، وهم في الصحراء لا يعترفون بسلطة الدولة العثمانية، مع أنهم يتلقون معونات شهرية منها.[33]
وللعجمان في صحراء كاظمة آبار منها (مشاش العجمان) وهي لقبيلة العجمان، جنوبا من الصبية.[34]
3- قبيلة الظفير :
كما كان لقبيلة الظفـير تأثير سياسي على حدود مدينة الكويت، وقد كان الظفير السبب ـ كما ذكره مؤرخ الكويت الرشيد ـ في نزوح العتوب والصباح من الصبية إلى كوت ابن عريعر، حيث كان الظفير في الصبية، وأرادوا الإغارة على العتوب حين أرادوا الاستقرار فيها، فبلغ العتوب الخبر وارتحلوا منها.
وقد كان وجود الظفير شمال الكويت قديما ففي سنة 1780م أغارت قبيلة سبيع على قبيلة الظفير وهم على آبار سفوان شمال الكويت.[35]
ومن قبائل صحراء الكويت، عشيرة الصمدة، وعشيرة السعيد من عشائر قبيلة الظفير، وكانوا في شمال الكويت، وقد أغار مبارك الصباح على الصمدة، حين استنجد به ابن سويط شيخ الظفير، بعد قتال بين ابن سويط وعشيرة الصمدة، وقد وقف مبارك بصف ابن سويط ورجح كفته في حربه مع الصمدة، كما أغار مبارك على عشيرة السعيد بعد أن اعتدوا على أطراف مدينة الكويت، وكان ذلك كله في زمن محمد الصباح، قبل أن يحكم مبارك الكويت سنة 1896م.[36]
4- قبيلة العوازم :
وقد كان العوازم من أوائل من استقر في ساحل الكويت، ومن أشهر آبارهم الصابرية شمال الكويت.[37]
وقد احتج مبارك الصباح على ملكيته لجزيرة بوبيان لكونها أماكن للصيد لقبيلة العوازم، كما جاء في أسباب الاعتراف البريطاني بملكية الكويت لجزيرة وربة وبوبيان سنة 1908م لأنها(كانت مأهولة من قبائل العوازم فقط دون غيرهم الذين مارسوا ولأجيال متعاقبة حقوق الصيد فيها).[38]
5- قبيلة بني خالد :
ومن قبائل بادية الكويت قبيلة بني خالد، وقد ظلوا فيها بعد سقوط حكم ابن عريعر، وكانت الكويت تابعة لحكمه،وقد غزا سعود بن عبد العزيز آل سعود قبيلة بني خالد قريبا من آبار الوفرة سنة 1203هــ 1788م، كما أغار عليهم سنة 1207هـ ـ 1792م، وكانوا على آبار الجهراء.[39]
كما نزل ثويني السعدون، والظفير، وبني خالد، على الجهراء سنة 1211هـ ـ 1797م، مدة ثلاثة أشهر، للاستعداد لغزو سعود بن عبد العزيز[40].
وتمتد قبيلة بني خالد من الإحساء إلى مدينة الكويت، حيث يتزودون بالمؤن، ويتنقلون في صحرائها.[41]
6- قبيلة الرشايدة :
كما تعد قبيلة الرشايدة من قبائل الكويت الرئيسية، وهم - كما يقول لوريمر - (موالون لمطير، وتساوي قوتهم الحربية قوة العوازم).[42]
7- قبيلة بني هاجر :
وهي من قبائل صحراء الكويت، وتمتد حركة تنقلها وارتحالها - كما يقول لوريمر - من قطر جنوبا، إلى داخل أراضي الكويت شمالا، وهي قبيلة مستقلة لا تخضع لأي سلطة، ويتلقون معونات مالية، وهدايا من متصرف الحسا العثماني، ومن شيخي قطر، والكويت[43].
وقد غزا رجال من قبيلة الهواجر سنة 1289هـ ـ 1872م على الكويت، وأخذوا إبلا لعبد الله بن صباح، ومبارك الصباح، في تحد واضح للسلطة العثمانية، وقد قام عبد الله الصباح بالاحتجاج لدى قائمقام القطيف، الذي اعتذر له بأنه لا سلطة له على القبائل في المنطقة.[44]
كما لجأ عبد الله بن فيصل بعد خروج أخيه سعود عليه في الرياض إلى قبيلة قحطان(الهواجر)، وكانوا على آبار الصبيحية بقرب الكويت، وذلك سنة1290هــ1873م[45].
8- قبيلة شمر :
ومن القبائل التي كانت تقطن صحراء الكويت شمالا، قبيلة شمر، فقد استدعى سالم الصباح عشائر من قبيلة شمر القاطنة على سفوان، بقيادة ابن طوالة، ونزلت على آبار الجهراء، وأغدق سالم عليهم الأموال كي يستقروا، لحماية الكويت من خطر الأخوان[46].
9- قبيلة سبيع :
ومن القبائل أيضا قبيلة سبيع التي يرتحل أفرادها - كما قال المؤرخ العثماني أيوب صبري - في المنطقة الممتدة ما بين الرياض والأحساء والكويت[47].
وقد غزا تركي بن عبد الله بن سعود سنة 1830م على سبيع ورئيسهم فهيد الصيفي ومعهم أخلاط من بني حسين وهم بين حفر الباطن والوقبا، ثم سار تركي ونزل الصبيحية الماء المعروف قرب بلد الكويت، ودخل بعض الغزو البلد لقضاء حوائجهم وأهدى إليه رئيس الكويت جابر بن عبد الله بن صباح هدايا، وأقام تركي على هذا الماء أربعين يوما ووفد عليه كثير من رؤساء العربان.[48]
10- قبيلة عتيبة :
كما يرتاد الكويت - كما يقول لوريمر - بعض قبيلة عتيبة بحثا عن الرزق.[49]
11- قبيلة المنتفق :
ومن قبائل صحراء الكويت قبيلة المنتفق فقد كانت منازلهم شمال الجهراء، وقد أغار سعود بن عبد العزيز سنة 1203هـ 1788م على قبائل المنتفق(فوجدهم في الموضع المعروف بالروضتين بين سفوان والمطلاع، فناوخهم وأخذ من محلتهم خياما وأمتعة، ثم سار سعود إلى ماء الوفرا فوردها ثم رحل منها ووافق غزوا من بني خالد فأخذهم)[50].
كما نزلت قبائل المنتفق على الجهراء بقيادة ثويني السعدون سنة 1211هـ مدة ثلاثة أشهر، مع بني خالد، استعدادا لحرب عبد العزيز بن محمد بن سعود[51].
12- السهول والدواسر وعنزة والمرة :
ومن القبائل أيضا التي ترتاد صحراء الكويت، واستقر كثير منها فيها قبيلة عنزة، والسهول، والدواسر، والمرة، وعدوان وغيرهم من القبائل العربية التي كانت تجوب الصحراء شمالا وجنوبا، وشرقا وغربا، فقد كان مع مبارك الصباح في معركة الصريف سنة 1900م -عندما خرج من الكويت بترتيب بريطاني لحرب ابن رشيد في حايل - من القبائل كل من:
1ـ من مطير : علوى وشيخهم سلطان الدويش، والصعران وشيخهم نايف بن بصيص، والجبلان وشيخهم صاهود بن لامي.
2ـ والعوازم وشيخهم مبارك بن دريع.
3ـ والعجمان وشيخهم محمد بن حثلين.
4ـ وعريب دار.
5 ـ والمنتفق وشيخهم سعدون السعدون.
6 ـ والمرة.
7 ـ والهواجر وشيخهم ابن شافي.
8ـ والظفير وشيخهم ابن سويط.
9 ـ وقحطان وشيخهم حشر بن وريك.
10ـ والرشايدة .
11ـ والسهول.
12ـ وسبيع.
13 ـ وعتيبة.
14 ـ والرولة من عنزة.[52]
وكل هذه الأدلة التاريخية تؤكد طبيعة سكان المنطقة القبلية، حيث تمثل القبائل العربية العنصر الرئيس للسكان فيها قبل قيام الدول الحديثة، وهي المؤثر الرئيس في تاريخ المنطقة وأحداثها، والمؤثر في حدودها السياسية، كما تؤكد أن القبيلة والمدينة كانتا جزءا من وطن واحد ودولة واحدة وشعب واحد، قبل التقسيم البريطاني للمنطقة، وليس كما تشيعه الثقافة الوطنية الزائفة التي تصور المدينة وسكانها كدولة وشعب ووطن، بينما تصور القبائل العربية عنصرا دخيلا على أرضها، حيث تم اختزال أرضها ووجودها وتاريخها وهويتها في المدينة وتاريخها، وتم اختزال تاريخ المدينة بتاريخ الأسر الحاكمة، لتعيش القبائل العربية في الجزيرة أزمة هوية لتبرير تهميشهم ومصادرة حقوقهم السياسية على أرضهم التي تم تقسيمها بين ست دويلات، ومن أجل ترسيخ مشروع السيطرة والتجزئة البريطانية للجزيرة العربية، وفرض التبعية لمشيخات المدن التي تحالفت مع الاستعمار البريطاني!
لقد خسرت القبيلة العربية أرضها ونفوذها ومكانتها التي كانت تتمتع بها طوال التاريخ الجاهلي والإسلامي على اختلاف عصوره، لا لصالح دولة حديثة، ووطن حديث، ولا لتصبح جزءا من شعب حديث، يتمتع أفراده بكامل حقوق المواطنة، بل خسرت كل ذلك لتعيش تبعية مطلقة لمشيخات الموانئ التي لم يكن نفوذها يتجاوز أسوار مدنها، وليتم إخضاعها بالحديد والنار - كما سيأتي بيانه - للمشروع الاستعماري البريطاني وحلفائه، ولتفقد القبيلة العربية - وهي المكون الرئيسي للمجتمع في الجزيرة والخليج العربي - حريتها وكرامتها وأرضها ونفوذها ومكانتها، وليتحول أفرادها إلى غرباء وهنود حمر ومواطنين من الدرجة الثالثة في عصر دويلات الطوائف الصليبية!
إن ما ذكره لوريمر في دليل الخليج العربي منذ سنة 1905م عن أماكن وجود القبائل وتوزيعها الجغرافي في الكويت لازال قائما إلى اليوم حيث توجد قبائل الظفير وشمر والمنتفق وعنزة ومطير شمالا في محافظة الجهراء، بينما توجد قبائل العجمان والهواجر والمرة والعوازم جنوبا في محافظة الأحمدي، وتوجد قبائل مطير والرشايدة في الوسط، ويوجد العوازم في المناطق الداخلية على الساحل، وهذا التوزيع الجغرافي المطابق لما ذكرته كل المصادر التاريخية يؤكد بطلان كل النظريات التي يروجها سدنة المشروع الوطني القطري البريطاني حول التغيير الديمغرافي لسكان الكويت وغزو البدو لها بعد استخراج النفط!
بينما الحقيقة هي تجاوز الكويت المدينة لحدود أسوارها، بعد المعاهدة البريطانية، لتضم أراضي القبائل العربية الممتدة في صحرائها منذ وجد العرب في جزيرة العرب، لتبدأ إشكالية الكويت (المدينة)، والكويت (الدولة)!
لقد استتبع هذه الأخطاء التاريخية أن قامت العلاقة بين الدولة والمواطن - في دول الخليج العربي التي أوجدها الاستعمار البريطاني - على أساس التبعية والرعوية لا على أساس المواطنة، وصار موضوع الجنسية اليوم أحد أهم أدوات السيطرة السياسية وإخضاع الشعوب كلها في دول الخليج العربي، فالأسر الحاكمة هي من تمنح الجنسية وتسحبها، كأثر من آثار ضمان بريطانيا لحلفائها توريث الحكم في ذريتهم وضمان حق منح امتياز النفط لهم، دون حاجة للرجوع إلى شعوب وسكان المنطقة، وما زال العرب في جزيرتهم يدفعون ثمن تلك المعاهدات البريطانية إلى اليوم، وما زال التاريخ يؤثر في الواقع والحاضر السياسي، فالشعوب الخليجية العربية ضيوف ثقلاء على الأسر الحاكمة التي تكرمهم في أرضهم، وتتكرم عليهم من أموالهم بمكرماتها الملكية، لتتجلى أخطر صور أزمة الهوية في الخليج والجزيرة العربية، وما زال للحديث بقية!
[1]الكويت دراسة سياسية 26-27 .
[2]دليل الخليج الجغرافي 2/1305 .
[3]المصدر السابق 4/1318 .
[4]الكويت في الوثائق البريطانية 38.
[5]المصدر السابق 74 .
[6]المصدر السابق 82 .
[7]تاريخ الكويت السياسي لخزعل 2/89 .
[8] تاريخ الكويت السياسي لخزعل 2/228 ، وتاريخ الخليج العربي لزكريا 3/13 ، ومذكرات سليمان فيضي حاشية ص 130 .
[9]الإبراهيم ص 130 .
[10]دليل الخليج الجغرافي 4/1318 و7/2407 .
[11]دليل الخليج للوريمر الجغرافي 4/1306 ، وبريطانيا والخليج لجون كيلي 1/57 .
[12]لوريمر دليل الخليج الجغرافي 2/525 .
[13]لوريمر دليل الخليج الجغرافي 4/1341 .
[14]دليل الخليج الجغرافي 4/1306 .
[15]دليل الخليج الجغرافي 4/1340 و3/ 1108 .
[16]جزيرة العرب لجان جاك بيربي 254 .
[17]جزيرة العرب لجان جاك بيربي 43 .
[18]جزيرة العرب لجان جاك بيربي 36 .
[19]تحفة المشتاق 331 .
[20]تاريخ الفاخري 230، وعقد الدرر 64 ، وتحفة المستفيد 159 .
[21]تاريخ الكويت للرشيد 161، وتاريخ الكويت السياسي لخزعل 2/48 .
[22]تاريخ الكويت السياسي 2/48 .
[23]تاريخ الكويت للرشيد 169.
[24]معجم المواضع في الكويت للفرحان 20 .
[25]دليل الخليج الجغرافي 4/1330-1332 .
[26]دليل الخليج الجغرافي 6/2271 .
[27]دليل الخليج الجغرافي 4/1343 .
[28]لوريمر دليل الخليج الجغرافي 4/1341 .
[29]الكويت وجاراتها 1/85 .
[30]دليل الخليج الجغرافي 4/1629 .
[31]لوريمر دليل الخليج الجغرافي 4/1626 .
[32] مرآة جزيرة العرب 2/279.
[33]لوريمر دليل الخليج الجغرافي 1/74 .
[34]دليل الخليج الجغرافي 4/1330-1332 .
[35]تاريخ الفاخري 147 .
[36]تاريخ الكويت للرشيد 226 ، تاريخ الكويت لخزعل 1/149 .
[37]معجم المواضع في الكويت للفرحان 151.
[38]المصدر السابق 74 .
[39]عنوان المجد في تاريخ نجد للمؤرخ ابن بشر 1/104و127 .
[40]عنوان المجد في تاريخ نجد 1/141.
[41]دليل الخليج الجغرافي 3/1252 .
[42]دليل الخليج الجغرافي 5/ 1930 .
[43]لوريمر دليل الخليج الجغرافي 2/784 .
[44]الأمن الداخلي في الأحساء أثناء الحكم العثماني 67 .
[45]عقد الدرر 75 .
[46]تاريخ الكويت للرشيد 252 .
[47]مرآة جزيرة العرب 2/319 .
[48]عنوان المجد في تاريخ نجد للمؤرخ ابن بشر 2/ 50 .
[49]دليل الخليج الجغرافي 1/225 .
[50]عنوان المجد في تاريخ نجد 1/104 .
[51]عنوان المجد في تاريخ نجد 1/141 .
[52]تاريخ الكويت للرشيد 161، وتاريخ الكويت السياسي لخزعل 2/48 .
ملحوظة : المقصود من ذكر هذه المعلومات هو إثبات طبيعة المجتمع القبلي آنذاك، وليس إثبات أو نفي صحة ما تذكره بعض المصادر من معلومات عن القبائل وشيوخها أو معاركهم التي يقع الاختلاف فيها!