بقلم د0 حاكم المطيري
Ommah 2000@yahoo.com
(الاحتلال البريطاني للإحساء سنة 1913م)
وكما نجحت بريطانيا في تشكيل تحالف قبلي يضم عشرة آلاف مقاتل، ينطلق من الكويت لاحتلال الرياض وجنوب نجد، فقد شكلت تحالفا قبائليا يضم عشرة آلاف مقاتل، ينطلق من الكويت لاحتلال البصرة والعراق شمالا، وهو ما تنبأ به مدحت باشا والي بغداد سنة 1870م، فقد استكمل المشروع البريطاني قبيل الحرب العالمية تهيئة المشهد السياسي على الأرض، فبعد معاهدات الحماية مع مشيخات موانئ الخليج، وبعد فرض الحصار البحري لمنع دخول السلاح للمنطقة، وبعد احتلال الرياض، جاءت الخطوة التالية!
4- اختراق جبهة البصرة - حائل:
ففي شهري فبراير ومارس سنة 1910م، نجح مبارك الصباح - بتخطيط وإشراف ودعم بريطاني - في تشكيل تحالف قبائلي آخر ضم نحو عشرة آلاف مقاتل من قبائل مطير، والعجمان، والعوازم، وبني هاجر، والمرة، وبني خالد، وعتيبة، وقحطان، وسبيع، بالإضافة إلى ابن سعود ومعه أربعمائة رجل، وتحرك الجيش من الجهراء شمالا، بقيادة جابر بن مبارك، متوجها نحو سعدون المنصور شيخ المنتفق بالبصرة، ومعه شيوخ قبيلة الظفير، وقد وقعت المواجهة بين الطرفين، ونجح سعدون في هزيمة هذا التحالف القبائلي في معركة هدية، وقد أرسل سعدون بيرق ابن سعود الذي كان ضمن غنائم المعركة إلى حليفه سعود الرشيد في حائل[1].
وقد جاء وصف لهذه المعركة في مقتطفات يومية وكالة الكويت السياسية رقم 12 عن الأسبوع الثالث من مارس 1910 حيث ورد فيها (في الصباح المبكر من ذلك اليوم شنت القوات المشتركة هجوما على المنتفق الذين تراجعوا دون خسارة كبيرة، وبعد ذلك بقليل شن سعدون هجوما مضادا قويا على الجناح الأيمن المكون من عريب دار الكويت وبدو مطير، ولم يقم رجال الكويت بصورة ظاهرة للصمود، إذ لاذ الشيخ جابر وأتباعه بالفرار، تاركين بيرق ابن صباح ونصف ركائبهم بأيدي الأعداء، وفي نفس الوقت كان ابن سعود يسنده العجمان في الجناح الأيسر مشتبكين مع بعض قوة سعدون ..). [2]
ويلاحظ وصف (القوات المشتركة) وهو مصطلح جديد غير معهود آنذاك إلا لدى الجيوش الأوربية الاستعمارية!
لقد كان هدف الحملة واضحا، وهو تحطيم قوة السعدون الحليف الاستراتيجي لسعود بن رشيد أمير حائل، حيث يشكل تحالفهما (المنتفق في البصرة ـ وشمر في حائل) جبهة شمالية عثمانية، مناوئة لمبارك وابن سعود ومن ورائهما بريطانيا، التي كانت تحركهما وتدعمهما بكل ما يحتاجانه، من أجل تمهيد الطريق لمد نفوذها على العراق شمالا ونجد غربا وجنوبا، ولا توجد أي قوة يمكن لها أن تعيق مخططها سوى قبيلة المنتفق القوية بقيادة السعدون في البصرة شمالا، وقبيلة شمر القوية بقيادة ابن رشيد في حائل غربا، وكلاهما حليف استراتيجي وتابع للدولة العثمانية التي بدأت تتهاوى، خاصة بعد خلع السلطان عبد الحميد سنة 1908م، الذي نجح طوال ثلاثين سنة في إحباط المؤامرات الغربية الصليبية، لتقسيم الدولة العثمانية والعالم الإسلامي كما تقرر في مؤتمر برلين سنة 1880م.
وفي نهاية شهر مارس نجح مبارك في إعداد جيش ثان يقدر بنحو خمسة عشر ألف مقاتل، ليعيد الكرة على سعدون المنصور، غير أن بريطانيا هذه المرة أمرته بعدم المغامرة ثانية في حرب لا أحد يعلم نتائجها النهائية، وقد تجره إلى مواجهة مباشرة مع الدولة العثمانية - كما جاء في برقية الوكيل السياسي البريطاني في الكويت للمقيم في الخليج - وهو ما لا تريده بريطانيا الآن، فالتزم مبارك بالأوامر التي وجهتها بريطانيا إليه، وتفرق التحالف القبائلي الواسع الذي شكله مبارك ثانية بعد هزيمته في هدية، وهو ما يؤكد أن الجيش الأول قد تحرك بإيعاز بريطاني أيضا، وكان بإمكان بريطانيا إيقافه لو أرادت، غير أنها كانت تتوقع له النصر الذي سيضعف الطرفين الحليفين للدولة العثمانية في البصرة وحائل، فلما أدركت قوة الوضع العسكري لسعدون المنصور، أمرت مبارك بالتوقف عن الهجوم ثانية.
وبعد شهر من هزيمة مبارك في هدية، أغار ابن رشيد في شهر إبريل على بعض عشائر مطير في الصمان على مقربة من الكويت، دون أن يحرك مبارك ساكنا، كما أغار بعض قبيلة مطير على بعض القبائل التابعة لعبد العزيز بن سعود الذي ما يزال مقيما في الكويت استعدادا للحرب ثانية على سعدون، وقد أدى كل ذلك إلى تصدع التحالف القبائلي الذي حشدته بريطانيا، ووقوع الخلاف بين مبارك وابن سعود، بعد أن رفض مبارك أن يشن ابن سعود غارة على بعض قبيلة مطير الذين كانوا في صحراء الكويت.[3]
كما قام مبارك بإعداد جيش لقتال قبيلة الظفير الذين كانوا يقطنون شمالا من الجهراء، فأرسل ابنه جابرا على رأس قواته، فصادف منهم غرة فأخذ إبلهم، وبعد ثمانية أشهر حشد سعدون السعدون قبائل المنتفق، ومعه ابن سويط وقبائل الظفير، شمال غرب مدينة الكويت، في أم المدافع، وواجههم مبارك بقواته، ولم تقع بينهما حرب، بل تم الصلح بين الطرفين، بتدخل من والي البصرة، غير أن مبارك الصباح جهز في صفر سنة 1329 – 1911م خالد أبو شويربات - شيخ قبيلة البرزان من مطير - ليقوم بغارة على الظفير، شمال الكويت، فأغار عليهم، وتنصل مبارك من مسئولية تلك الغارة أمام والي البصرة.[4]
وقد نجح والي البصرة حسين جلال في إصلاح الأوضاع بين سعدون ومبارك، وانصاع مبارك الذي ما يزال قائمقاما عثمانيا لضغط والي البصرة، وقد شمل الصلح قبيلة الظفير وشيخها ابن سويط، كما تم لقاء بين والي البصرة وابن سعود في صفوان، وهدأت الجبهة الشمالية للكويت[5].
فقد ظل ابن سعود يقر ظاهريا بالتبعية للخلافة العثمانية والحكومة التركية كما ورد في رسالته للشريف حسين سنة 1912م والتي جاء فيها:
(ولنا أمل بالله أن تكونوا واسطة قوية بيننا وبين متبوعنا الحكومة الشورية، وتعرضوا خدماتنا لدولتنا الدستورية، وستروني حاضرا أنا وأهل نجد لكل ما تكلفوننا وتأمروننا به أفدي السدة العثمانية بعزيز روحي.
التوقيع : خادم الدولة والملة والدين أمير نجد ورئيس عشائرها عبد العزيز بن سعود)[6].
وقول ابن سعود (حكومتنا الشورية ودولتنا الدستورية) قصد به الحكومة الاتحادية التي تم تشكيلها بعد عزل الخليفة عبد الحميد الثاني سنة 1908م، وعودة العمل بالدستور العثماني.
وبعد حرب هدية التي تعرض فيها مبارك الصباح إلى خسارة كبيرة، زاد مبارك - بتوجيه بريطاني - من نسبة الضرائب على تجار المدينة، ومنعهم من الغوص، ليحشد أكبر قدر من الرجال للحرب، مما حداهم للاعتراض على سياسته، وكان على رأس المعارضة ثلاثة من كبار التجار، وهم هلال بن فجحان المطيري، وإبراهيم المضف الهاجري، وشملان بن علي، الذين هاجروا من الكويت إلى البحرين، وقد أرسل مبارك ابنه سالما ليسترضيهم، ليعودوا للكويت، بعد أن ضج أهلها من هجرة كبار تجارها، فرجع الجميع مع سالم، إلا هلال المطيري الذي كان أثرى رجل في الخليج آنذاك، والذي أصر على أن يأتي مبارك نفسه ليسترضيه، فذهب مبارك ومعه جماعة من كبار أهل الكويت، إلى البحرين، حيث استقر هلال، فطلب منه مبارك الرجوع مكرما معززا، فرضي وعاد للكويت[7].
5- احتلال الإحساء سنة 1913م :
وبعد ذلك بدأت حكومة الهند البريطانية بتوجيه نظر ابن سعود إلى الإحساء لاحتلالها - بعد أن تمكن له الوضع في الرياض وجنوب نجد - وإنهاء النفوذ البحري العثماني على الخليج العربي، الذي ظل يهدد النفوذ البريطاني في المنطقة ويحد من فعاليته، وقد كان لشكسبير الوكيل السياسي البريطاني في الكويت يد طولى في نجاح هذه الخطة.
فقد تم تعيين شكسبير وكيلا سياسيا بريطانيا في الكويت سنة 1910م، وسافر إلى نجد في تلك السنة، كما حضر في تلك السنة في الكويت اجتماعا ضمه ومبارك الصباح وابن سعود، ودار الحديث بين شكسبير وابن سعود عن طموحات ابن سعود في استرداد بلده من العثمانيين، وقد عززت تلك المباحثات أواصر الصداقة بينهما[8].
ثم قابل ابن سعود الوكيل السياسي البريطاني في الكويت في إبريل سنة 1911م (وعرض عليه الفكرة، وألمح له بما سيعود على بريطانيا من فوائد فيما إذا وقفت إلى جانبه عند تنفيذ خطته، ومع أنه لم يلق جوابا بريطانيا حاسما، إلا إنه لم يغب عن ذكائه موقف الرضا الذي يكمن في ثنايا الصمت البريطاني، إذ لم تكن السلطات البريطانية غافلة عن الفوائد التي ستعود عليها من عملية كهذه) على ما ورد في تقارير الوكيل السياسي البريطاني في الكويت عن هذه المقابلة[9].
بينما يؤكد مؤرخ نجد ابن بسام المتوفى سنة 1927م في تاريخه تحفة المشتاق[10]، في حوادث سنة 1329هـ 1911م حصول اتفاق بين الطرفين، حيث قال:(وفيها عقدت معاهدة بين الإمام والإنجليز على أن يحتل الإمام الأحساء والقطيف ودارين والعقير ويمنعون عنه الإنجليز أي دولة تأتيه من البحر، ولقاء ذلك يكون تابعا لهم، ولا يحدث محاربات دون علمهم، ولا يحارب بدون إذنهم، ولهم حق التفتيش على المعادن في جزيرة العرب واستخراج ذلك، وإذا أراد الإنجليز أن يسير لحرب أي جهة يسير لها وهي تمده).
كما تم اللقاء ثانية بينهما في رحلة شكسبير إلى نجد في 7 كانون الثاني سنة 1911م، حيث تعرف شكسبير على قدرات ابن سعود العسكرية، وفي هذا اللقاء تم التباحث بينهما بشأن احتلال ابن سعود للإحساء في الوقت المناسب وبسرية تامة، وطلب ابن سعود من شكسبير حث حكومته على توفير الدعم له مقابل تحالفه مع بريطانيا[11].
وقد كتب شكسبير بعد هذا اللقاء في 8 نيسان إلى كوكس يؤكد حاجة ابن سعود للدعم البريطاني العسكري لقطع الطريق على القوات العثمانية من أجل نجاح تحركه لاسترداد الإحساء[12].
لقد كان موضوع احتلال الإحساء بتخطيط ودعم بريطاني، فلم يكن قدوم ابن سعود إلى الكويت في هذه الفترة وتركه للرياض، من أجل أن يعرف فقط رأي الوكيل البريطاني، والذي عرفه قبل ذلك عن طريق مبارك، كما كان يستطيع معرفته عن طريق إرسال مبعوث خاص بدلا من حضوره شخصيا، ولا يضطر إلى ترك عاصمته في الوقت الذي ما يزال ابن رشيد يمثل خطرا قريبا؟!
وهذا يؤكد أن المبادرة بإيعاز وتخطيط من حكومة الهند البريطانية، التي كانت تخالف رأي حكومة لندن في سياستها في الخليج العربي، حيث تتسم مواقفها بالجرأة، على خلاف سياسة لندن الحذرة من التورط في أي صراع أو حرب مع الدولة العثمانية في غير الوقت المناسب، غير أن حكومة الهند والتزاما منها بالسياسة العامة البريطانية، تعمل على تحقيق أهدافها من خلال حلفائها، دون أن تتورط بشكل مباشر يحملها المسئولية أمام حكومة لندن، كما قد يحمل لندن المسئولية أمام الدولة العثمانية التي ما تزال علاقتها حتى الآن ببريطانيا علاقة تحالف وصداقة بشكل رسمي.
فكانت حكومة الهند، ومقيموها السياسيون، ووكلاؤها في الخليج العربي، ينفذون خططهم، ويحققون أهدافهم بالدعم العسكري الذي لم ينقطع عن الكويت طول فترة الحصار الذي فرضته بريطانيا على موانئ الخليج العربي، لمنع توريد الأسلحة إلى المنطقة، وقد بلغ حجم العتاد العسكري الذي زودت به بريطانيا مبارك الصباح في إحدى المرات في سنة 1912م وحدها - بناء على طلب من المعتمد البريطاني برسي كوكس - مليون طلقة لأسلحته القديمة، وستة آلاف بندقية جديدة، مع كل بندقية أربعمائة طلقة[13].
وهذا الدعم العسكري الكبير هو الذي يفسر أبعاد تحركات مبارك الكثيرة، وقيام التحالفات العشائرية الكبيرة، وحدوث الحروب الخطيرة، في هذه الفترة من تاريخ المنطقة - وفي ظل معاهدة الحماية البريطانية للكويت والتي تفرض على مبارك أن لا يتصرف بأي شأن خارجي إلا بعد الرجوع إليها - حيث لم يسبق للكويت أن تجاوزت حدود أسوار المدينة نحو الصحراء غربا، إلا في هذا الوقت الذي بدأت فيه بريطانيا مشروعها للسيطرة على شرق ووسط الجزيرة العربية، وعلى البصرة شمالا.
فقد كان مبارك المصدر الرئيسي الذي كانت بريطانيا تستقي منه معلوماتها عن الأوضاع وتطورها في نجد، إلى أن تم تعيين وكيل سياسي بريطاني في الكويت في شهر 8 سنة 1904م، كما أنه وراء كتابة عبد الرحمن بن فيصل آل سعود - والد عبد العزيز - خطابه الذي وجهه إلى المقيم السياسي البريطاني في بو شهر في إيران في شهر مايو سنة 1902م، طالبا من بريطانيا رعاية الحكم السعودي الوليد في الرياض[14].
وحين اطمأن ابن سعود بعد ذلك الاجتماع مع الوكيل السياسي في الكويت للدعم البريطاني في إبريل 1911م، الذي كان قد سبق أن طلبه مرارا منذ سنة 1906م وبعد دخوله تحت حماية حكومة الهند البريطانية - كما نص على ذلك ابن بسام -بادر بتنفيذ الخطة، فقام بإعداد العدة، وتجهيز جيشه، وتحرك نحو الإحساء بدعوى تأديب بعض القبائل، حتى إذا سنحت له الفرصة في فبراير سنة 1913م، قام باحتلال الإحساء والموانئ الرئيسية فيه، أي قبل بدأ الحرب العالمية الأولى بأشهر! في الوقت الذي كانت الدولة العثمانية تعيش في وضع حرج جدا، حيث كانت تخوض حروب طرابلس سنة 1911م، والبلقان سنة 1912م، تلك الحروب التي أظهر فيها مبارك وابن سعود وقوفهما مع الدولة العثمانية، كقائمقامين لها في الكويت ونجد، في الوقت الذي كانا ينفذان فيه المخطط البريطاني للسيطرة على الخليج والجزيرة العربية، وقد اعترف الباب العالي بابن سعود بعد احتلاله للإحساء واليا عليه سنة 1913م، وقد أصبح اتصاله ببريطانيا مباشرا، بعد أن صار يطل على الخليج العربي، وصار ميناء العقير والقطيف تحت سيطرته، وأصبح الدعم البريطاني يأتيه مباشرة منهما دون حاجة لميناء الكويت، ودون حاجة لدعم مبارك الصباح.
وقد أرسل مبارك - الذي ما زال يمثل الأب الروحي لعبد العزيز، وحلقة الوصل بينه وبين بريطانيا، والموجه الرئيسي لتحركاته بإيعاز من مندوبيها - برسالة إلى ابن سعود في هذه السنة، بعد احتلاله للإحساء يدعوه فيها للدخول تحت الحماية البريطانية سرا - في الوقت الذي وافقت الدولة العثمانية على أن يكون ابن سعود واليا على نجد والإحساء - وقد جاء في رسالة مبارك إلى ابن سعود التي يحثه على الدخول مع بريطانيا في معاهدة حماية مباشرة :
(وكل من دخل تحت نظرهم - أي حمايتهم - اعتز واستراح، مثلما تشوف - أي ترى - نحن وراعي - أي شيخ - البحرين وعمان، ورفيقهم عامر وعزيز، ويا ولدي يا عبد العزيز لو يطلبون منا واردات الإحساء والقطيف كان نعطيهم، لأجل عز الرأس والراحة، وخلنا نستريح من هالذاهبين - أي الترك الزائلين)[15].
وهذا يؤكد بأن معاهدة الحماية السرية الأولى بين حكومة الهند البريطانية وابن سعود سنة 1911م التي ذكرها ابن بسام وذكر بنودها، ظلت طي الكتمان حتى عن مبارك، حتى كشفتها بعض الصحف العثمانية آنذاك، وسيوقع ابن سعود معاهدة حماية أخرى وستكون بينه وبين حكومة لندن وستضاف لها بنود أخرى غير بنود الاتفاقية الأولى.
وبعد تسرب خبر المعاهدة بين بريطانيا ومبارك، الذي مازال آنذاك موظفا تابعا للبصرة كقائمقام عثماني، بادرت الدولة العثمانية لتأكيد سيادتها على الكويت، وحشدت قواتها في البصرة، وحركت ابن رشيد أمير حائل التابع لها للتوجه نحو الكويت، وقد أدركت الخارجية البريطانية خطورة الموقف، فاعترفت بسيادة الدولة العثمانية على الكويت، في الوقت الذي حاولت حكومة الهند البريطانية رفض هذا الاعتراف، بل وادعاء استقلال الكويت عن السيادة العثمانية، من أجل دفع لندن إلى الدخول في مواجهة مع الضغوط العثمانية، غير أن المشكلة تم حلها بين بريطانيا والدولة العثمانية باتفاقية سنة 1913م، التي تم بموجبها الاعتراف بالسيادة العثمانية على الكويت رسميا، واعتراف الدولة العثمانية في المقابل بمصالح بريطانيا فيها، ويكون الشيخ هو القائمقام فيها، ولا يكون هناك أي معارضة لتعيين مندوب عثماني في الكويت، وتمتد أراضي الكويت على دائرة نصف قطرها من مدينة الكويت حتى الرأس الشمالي لجزيرة وربة، ويدخل ضمنها بوبيان كلها، وحددت دائرة خارجية تكون فيها القبائل تابعة لمبارك، على أن لا تكون هناك أي حامية عثمانية[16].
وقد نجحت أيضا بريطانيا سنة 1913 بواسطة كوكس مقيمها السياسي في الخليج في أخذ موافقة مبارك الصباح على منح بريطانيا وحدها حق الامتياز في التنقيب عن النفط الذي تم اكتشافه بشكل أولي في منطقة برقان[17].
فقد كان النفط أحد الأسباب الرئيسة التي دفعت بريطانيا للتفريط بتحالفها مع الدولة العثمانية مقابل السيطرة على النفط في المنطقة بعد أن تم اكتشافه منذ أواخر القرن التاسع عشر، حيث بدأ التنافس المحموم بين الألمان والبريطانيين للسيطرة عليه وعلى غيره من ثروات المنطقة الطبيعية.
وما زلنا في (الحرية وأزمة الهوية في الخليج والجزيرة العربية) فللحديث بقية!
[1] العلاقات بين الكويت ونجد للسعدون 125و133 ، وتاريخ الكويت للرشيد 185، وخزعل 2/227-231 .
[2] العلاقات بين الكويت ونجد للسعدون 322 .
[3] العلاقات بين الكويت ونجد للسعدون 133-134 .
[4] تاريخ الكويت للرشيد 189 .
[5] العلاقات بين الكويت ونجد للسعدون 140-141 .
[6] المصدر السابق 3/41 .
[7] تاريخ الكويت للرشيد 190.
[8] عبد العزيز وبريطانيا للزيدي ص 39 .
[9] العلاقات بين الكويت ونجد للسعدون 142-143 . يحاول هنا الوكيل السياسي في الكويت التابع لحكومة الهند إثبات عدم تورطهم في الأحداث بشكل مباشر بسبب تحفظ حكومة لندن في هذه الفترة على تحركات حكومة الهند البريطانية في الخليج وخشيتها من استثارة الدولة العثمانية أو الدخول معها في حرب، فكان الوكلاء السياسيون لحكومة الهند ينفذون خططهم في الخليج عن طريق حلفائهم، وكأنهم لم يوعزوا لهم بشيء، مع الدعم الكامل لهم ماديا وعسكريا!
[10] تحفة المشتاق ص 410 .
[11] عبد العزيز وبريطانيا للزيدي ص 40.
[12] عبد العزيز وبريطانيا للزيدي ص 40.
[13] تاريخ الكويت لخزعل 2/146 .
[14] العلاقات بين الكويت ونجد للسعدون 165، وتاريخ الكويت لخزعل2/179 .
[15] العلاقات بين الكويت ونجد للسعدون 168 .
[16] تاريخ الكويت لخزعل 2/143، والكويت لحسن الإبراهيم 61-64 .
[17] تاريخ الكويت لخزعل 2/143 .ويلاحظ أن الامتياز لم يتم توقيعه إلا بعد المعاهدة البريطانية العثمانية التي اعترفت بريطانيا فيها بالسيادة العثمانية على الكويت، واعترفت الدولة العثمانية بمراعاة المصالح البريطانية فيها، مما يؤكد بأن النفط وراء كل هذه التطورات السياسية في المنطقة!