(4) نهاية الدولة الوظيفية
في المنطقة العربية
بقلم د. حاكم المطيري
24/ 11/ 2010م
هذه الحلقة الرابعة من سلسلة (نحو وعي سياسي راشد) التي تنتظم في عقدها (العقيدة السياسية) و(الفطرة السياسية) و(الحركات الإصلاحية الخليجية بين الحالة الثورية والمحاولة السلمية) وما سيأتي من مقالات في هذا الباب للإسهام في ترشيد الوعي السياسي في العالم العربي الذي يعيش حالة من الفوضى السياسية، وهي نذر تحولات كبرى وإرهاصات تغيير جذري يترقب الجميع حدوثه هنا أو هناك، فالمنطقة تعيش مخاضا لن يطول كثيرا، وهو يشبه الحال التي كان عليها العالم العربي بعد قيام دولة إسرائيل، وقد كان سقوط بغداد تحت الاحتلال إذانا وإعلانا عن نهاية الدول الوظيفية في المنطقة العربية وهو ما يوجب على الحركات والقوى السياسية والنخب الفكرية بلورة رؤية مشتركة لمشروع عربي جديد قبل فوات الأوان!
أقسام المشاريع السياسية :
تنقسم القوى الإصلاحية ومشاريعها السياسية - على اختلاف توجهاتها - بحسب أسباب ظهورها وأهدافها إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : قوى سياسية تحمل (مشروع سلطة) فقط، فأسباب وجودها وظهورها هو فساد السلطة أو عجزها عن تحقيق أهداف الدولة وتطلعات المجتمع، فهي تطرح نفسها كبديل عن السلطة القائمة، دون تعرض للدولة ونظامها السياسي، وهو ما يجري في الدول المستقرة سياسيا كما في أوربا والولايات المتحدة حيث تتنافس القوى السياسية على برامج سياسية وتجعل من ضعف أداء الحكومة وفسادها سببا مشروعا لتغييرها.
فهذه القوى تجعل (الفاعلية السياسية) - وليس (المشروعية السياسية) - قطب الرحى في موقفها من السلطة، ولا تحتاج في دعوتها للتغيير إثبات عدم شرعية الحكومة التي ينتخبها الشعب، بل تقتصر على إثبات (عدم فاعليتها السياسية) وعجزها عن إدارة شئون الدولة، وعادة ما يكون النظام السياسي في هذه الدول هو الذي ينظم عملية التداول السلمي للسلطة وفق النظام العام، الذي عادة ما يعبر عن الإرادة العامة للشعب في تلك الدولة.
وهذا نفسه ما جرى مع الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه حين أراد منه بعض أهل العراق ومصر أن يترك الخلافة، لا لأنه لم يكن خليفة شرعيا، بل لأنهم رأوا عجزه في آخر حياته عن إدارة شئون الدولة على الوجه المطلوب، ففقدان الفاعلية السياسية كاف في الدعوة لتغيير السلطة، حتى لو كانت خلافة شرعية صحيحة، إذ المقصود من انتخاب السلطة إدارة شئون الأمة والدولة على أحسن وجه وأكمله، فإذا اختل ذلك فللأمة الحق في تغييرها، دون تغيير النظام العام للدولة، ودون الجدل في شرعيتها وعدم شرعيتها، وكفرها أو إسلامها!
القسم الثاني : قوى سياسية تحمل (مشروع دولة) بحيث تتجاوز المشكلة عندها أداء السلطة القائمة وقصور فاعليتها السياسية، إلى مشكلة وجود الدولة ذاتها وطبيعة نظامها السياسي وأهدافه الإستراتيجية، وهو ما يحدث عادة في الدول التي لم تستقر سياسيا، والتي لا يمثل النظام العام فيها إرادة الأمة التي يحكمها أو إرادة الأكثرية فيها، والتي ما زالت تبحث عن ذاتها وهويتها وأهدافها كما يجري في روسيا وتركيا وإيران وغيرها من الدول التي تعيش إرهاصات تحولات تاريخية فكرية واجتماعية واقتصادية وسياسية تتشكل معه ومن خلاله رؤى جديدة لهذه المجتمعات وما تتطلع إليه داخليا وخارجيا، مما يجعل الصراع فيما بين قواها السياسية - التي تعبر عن تلك الرؤى وعن توجهات مكونات المجتمع - يصل إلى كل مؤسسات الدولة وطبيعة نظامها السياسي وأهدافه، ولعل أبرز الأمثلة ما يحدث في تركيا بين التيار العلماني الذي ورث تركيا بعد الحرب العالمية الأولى بمفاهيمه القومية الغربية وقبضته العسكرية الاستبدادية، والتيار الإسلامي بمفاهيمه الدينية وقيمه التاريخية وشرعيته الشعبية التي عادت من جديد، لا لتقف عند استبدال حكومة بحكومة، بل لتعيد صياغة الدولة التركية على كل المستويات وفي كل الاتجاهات استجابة لتوجه الشعب التركي وتطلعاته، وبحثه عن ذاته وهويته وأهدافه، كما عبر عن ذلك مهندس السياسة الخارجية الحالية داود أوغلو في كتبه (العمق الاستراتيجي) حيث يقول ص 107(الحراك الفكري في تركيا ناتج عن بحث تركيا عن أساس جديد لهويتها الإستراتيجية والفكرية وربما تمر تركيا في أكثر المراحل جدية في تاريخها الحديث من جهة مواجهتها لذاتها وإعادة تحليل نفسها من جديد) ويتحدث عن خطورة أزمة الهوية التي عاشها الشعب التركي بعد حالة الاغتراب التي عاشتها النخب السياسية العلمانية، فيقول في ص 42 (تعتبر الهوية والمرجعية لأي بلد أهم عنصر رابط ما بين المعطيات الثابتة والمتغيرة للدولة.. إن المجتمعات التي تمتلك هوية قوية وحسا مرجعيا نابعين من فهم مشترك، وتمتلك ثقافة تستطيع من خلالها تحريك العناصر النفسية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، يمكنها أن تحقق انفتاحات إستراتيجية متجددة بخلاف المجتمعات التي تمر بحالة أزمة هوية، والتي تجعل من هذه الأزمة مشكلة ثقافية في بؤرة تموجات نفسية واجتماعية وسياسية واقتصادية تقع في حفرة من الانغلاق الاستراتيجي).
وما ذكره أوغلو هي الأزمة ذاتها وبكل أبعادها التي تعيشها الأمة العربية من خليجها إلى محيطها والتي حاولت تسليط الضوء عليها في كتابي (عبيد بلا أغلال ... الحرية وأزمة الهوية في الخليج والجزيرة العربية)!
ثالثا : قوى سياسية تحمل (مشروع أمة) بحيث تتجاوز تطلعاتها حدود الدولة التي تعيش فيها لتحقق أهدافا أممية تشترك فيها أمم عدة لروابط دينية أو قومية أو فكرية، فتتصدى دولة رئيسية لحمل مسئولية تحقيق طموحات تلك الأمم كما حدث في مصر إبان عهد جمال عبد الناصر ومشروعه القومي العربي الذي تجاوز حدود مصر ليظلل العالم العربي كله بظلاله من المحيط إلى الخليج، وكما جرى من الاتحاد السوفيتي سابقا تجاه نشر الشيوعية في العالم، وكما يجري من طرف الولايات المتحدة التي تقوم بمسئولية أممية لصالح شعوب أوربا المسيحية من خلال حلف النيتو، وكما تحاول إيران اليوم أن تجعل لها مشروعا أمميا يتجاوز حدود إيران إلى ساحة خارجية أرحب تارة مشروعا طائفيا (الأمة الشيعية) وتارة مشروعا عالميا (نصرة المستضعفين في العالم) بغض النظر عن مدى قدرتها على تحقيق ذلك أو مدى صدقيتها في طرح المشروع..الخ
فهذه هي المشاريع التي تستهدفها أي قوة سياسية طامحة للتغيير في وطنها، لا تكاد تخرج عن واحدة من هذه الثلاثة أهداف:
1- إما تغيير السلطة الحاكمة بشخوصها وأفرادها.
2- أو تغيير طبيعة الدولة ذاتها وتغيير نظامها السياسي والدستوري ورسالتها وأهدافها.
3- أو تغيير واقع أمم أخرى فيما وراء الدولة وحدودها القانونية ترتبط معها برباط قومي أو ديني أو فكري.
إن الفرق شاسع والبون واسع بين هذه المشاريع الثلاثة، ففي الحال الأولى يكون صراع الإرادات عادة بين الأحزاب والقوى السياسية المتنافسة للوصول إلى الحكم وإدارة الدولة، بينما الحال الثانية يكون الصراع وتنازع الإرادات عادة بين الشعب والسلطة، لتغيير طبيعة نظام الدولة ذاته كالتحول من الملكية إلى الجمهورية، أو التحول من الشيوعية والشمولية وحكم الحزب الواحد إلى الديمقراطية والتعددية، أو من نظام علماني إلى نظام إسلامي..الخ
بينما الحال الثالثة تمثل صراعا وتنازع إرادات بين الأمم والدول ذاتها لتحقيق أهداف كبرى ومصالح إستراتيجية لشعوبها، وهو ما يدفع القوى السياسية ذات الطابع الإيديولوجي والعقائدي إلى العمل للوصول للسلطة، لتحقيق تطلعات تتجاوز حدود الدولة الجغرافية.
ولا شك بأن القوى الساعية للتغيير في عالمنا العربي والإسلامي - على اختلاف توجهاتها - تواجه تحديات كبرى في تحديد أي هذه الأهداف تريد تحقيقها؟ وذلك بناء على تصورها لطبيعة المشكلة التي تعيشها دولها من جهة والحلول التي تطرحها لحلها من جهة أخرى.
فهل مشاكل الدول العربية قطرية فقط، ومن ثم لا تحتاج القوى الإصلاحية أكثر من تغيير الحكومات، وتطوير طريقة إدارة دولها بشكل أفضل، ومن ثم لن تواجه بعد ذلك مشكلة توظيفها من قبل القوى الاستعمارية نفسها التي أوجدت الدولة بحدودها القطرية، ولن تصطدم بها في حال سعت لتغيير الحكومات المدعومة من قبل هذه القوى الاستعمارية؟
أم إن مشاكلها تتجاوز تغيير السلطة في بلدانها، إلى تغيير طبيعة نظمها السياسية والدستورية التي تحتاج إلى إعادة صياغتها وبناء دولها من جديد على أسس جديدة، دون أن تتجاوز حدودها الجغرافية؟
أم تتجاوز ذلك كله لتصل إلى إعادة النظر في وجود دولها القطرية ذاتها، التي قد لا تعبر عن هوية شعوب المنطقة القومية والدينية، ولا تحقق طموحها ورسالتها في الحياة، ومن ثم تنتظر فرصة تاريخية سانحة تعيد فيها لا بناء الدولة وصياغتها من جديد، بل تغيير خريطة المنطقة كلها لصالح مشروع قومي أو إسلامي أو أممي؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة هو المدخل الضروري الذي يجب على القوى الإصلاحية في العالم العربي الوقوف أمامه لمعرفة إلى أين تسير؟ وهل ستحقق تضحياتها أهدافها؟ وهل مشكلتها حقا قطرية لا ارتباط لها بالمنظومة العربية كلها، ولا بالترتيبات التي تمت منذ سايكس بيكو وأكد بيرجنسكي في كتابه رقعة الشطرنج ضرورة المحافظة عليها؟
لقد أثبتت الأيام والأحداث والوقائع أن مشاكل العالم العربي واحدة ومتشابكة لا انفصام بينها، ولا يمكن حلها حلا قطريا مهما تصور الواهمون ذلك، فالنفوذ الأجنبي في أي قطر عربي يمثل تهديدا مباشرا وحقيقيا لسيادة الأقطار الأخرى المجاورة له على فرض استقلالها، فقد تم احتلال العراق من عمقه العربي الإستراتيجي، ما أدى إلى استثارة العالم العربي كله من أقصاه إلى أقصاه، وصارت القوى الإصلاحية قومية أو وطنية أكثر إدراكا للمشكلة وأبعادها، بعد أن رأت خطورة سقوط أي بلد عربي تحت الاحتلال الأجنبي، وخطورة قواعده العسكرية في أي دولة عربية، وأدركت أن مشاريعها القطرية ستكون كلها في مهب الريح أمام مثل هذه الأخطار الخارجية مما يستدعي النظر في مشروعية الدولة القطرية ذاتها في المنطقة العربية كلها، بعد أن أثبتت الأحداث عجز الدولة القطرية في العالم العربي عن حماية وجودها كما جرى في العراق، وعجزها عن القيام بمسئولياتها القومية كما جرى في مصر حيث عجزت السلطة فيها عن فتح معبر حدودي لظرف إنساني في ظل حرب عدوانية على قطاع غزة المحاصر!
وكذا ثبت أن مشكلة اختلال الأمن في بلد عربي قد يخلخل أمن العالم العربي كله كما يجرى في اليمن!
وكذلك الاستبداد السياسي في بلد مركزي يلقي بظلاله على الأقطار المجاورة له بحسب ثقل هذا القطر المحكوم بالاستبداد، مما يجعل القوى الإصلاحية في تلك الأقطار المختلفة، تدرك ضرورة إحداث التغيير في ذلك البلد المركزي، وقد صار العالم العربي يتطلع إلى حدوث الإصلاح والتغيير الإيجابي في مراكز الثقل فيه كالقاهرة ودمشق وبغداد والرياض والجزائر والرباط وصنعاء والخرطوم، وأدركت القوى السياسية أن ما قد يحدث في هذه المراكز من تحولات سياسية قد تؤثر في محيطها العربي كله!
لقد كشف احتلال العراق عن عمق المشكلات التي تعاني منها الدول العربية حيث تبين أنها كلها وبلا استثناء دول وظيفية لا مشروع للأنظمة فيها إلا مشروع السلطة والبقاء فيها مهما كان الثمن فادحا، فليس لها مشروع بناء دولة فضلا عن مشروع بناء أمة!
فالهدف الاستراتيجي لها هو المحافظة على الحكم، ولهذا السبب ولغياب مشروع الدولة وغياب مشروع الأمة تحولت الدول العربية المعاصرة إلى دول وظيفية تقوم بخدمة مشاريع الدول الأخرى!
إنه لا وجود في العالم اليوم للفراغ السياسي، بل كل فراغ سياسي يحدث في أي منطقة يستدعي تلقائيا القوى المجاورة لسده، فالدول التي لا مشروع لديها كالعامل العاطل الذي يتم استخدامه وتوظيفه واستئجاره من طرف من لديهم أعمال ومشاريع إقليمية أو دولية، بخلاف الدول التي لها مشروعها فإنها مشغولة بتحقيق أهدافها ولا وقت لديها للعمل لدى الآخرين!
كما كشفت الأحداث أيضا عن عدم وجود أي أهداف إستراتيجية للدول المركزية في العالم العربي، وأثبتت الأحداث التي عصفت بالمنطقة أنه ليس للأنظمة فيها رسالة وهدف أبعد من استمرارها في السلطة، ولا تتطلع إلى دور إقليمي فضلا عن دور عالمي لخدمة مصالح شعوبها، مما كرس دورها الوظيفي لصالح المشاريع التي تتصارع في المنطقة كالمشروع الغربي الصليبي والمشروع الإيراني الطائفي، ليتحول نحو أربعمائة مليون عربي ـ يمتدون على مساحة جغرافية تصل إلى نحو عشرة ملايين كيلو مربع، تمثل أغنى بقعة على وجه الأرض، وتقع على أهم البحار الإستراتيجية في العالم كله (الخليج العربي، البحر الأبيض، بحر العرب، والمحيط الأطلسي، والمحيط الهندي) وعلى أهم المضايق البحرية (مضيق هرمز ، باب المندب ، قناة السويس) ـ إلى أمة تعيش على هامش التاريخ، لا هم لحكوماتها إلا البقاء في السلطة وتنفيذ مشاريع القوى الاستعمارية، ولا هم لقواها السياسية إلا السعي من أجل تغيير حكوماتها فقط، وليس وراء ذلك شيء آخر!
لقد سقطت كثير من القوى السياسية في العالم العربي في الشرك الذي صنعه لها العدو الخارجي الذي شكل هذا الواقع السياسي بكل تفاصيله، فصارت تبحث عن الحل لا خارج المشكلة بل في المشكلة ذاتها! فغاية ما تصبو إليه أن تصل إلى السلطة لتقوم بالدور الوظيفي الذي كانت تقوم به الحكومات الحالية، دون مراجعات عميقة للبحث في مشروعية الدولة القطرية التي هي في حد ذاته المشكلة الرئيسة، ودون مراجعات لتحديد الهوية والمرجعية التي تعبر عن الأمة ورسالتها في الحياة، ودون بحث عن كيفية بعث الروح من جديد للإنسان العربي الذي غاب عن الشهود الحضاري منذ قرون، حتى لم يعد له رسالة في الحياة إلا العمل لتوفير لقمة العيش من أجل البقاء والتكاثر، وملأ الأسواق والمقابر! بعد أن كان العرب يخرجون من جزيرتهم يحملون رسالة الله إلى العالمين، لتحرير الإنسانية كلها من العبودية للملوك والطغاة، ولنشر العدل والرحمة والعلم والهداية كما وصفهم القرآن{كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}!
إن هذا الموت الحضاري والروحي الذي يعيشه العالم العربي اليوم، لا يعالج بالمشاريع السياسية الجزئية القطرية كدخول برلمان هنا أو هناك للمشاركة في صالون سياسي في دولة وظيفية تحت نفوذ أجنبي استعماري! بل هو في حاجة لحلول جذرية سياسية وفكرية تبدأ من البحث في الهوية والمرجعية والرسالة التي يجب أن يؤمن بها الإنسان العربي ويحملها على عاتقه ويناضل من أجلها للمشاركة في الشهود الحضاري للبشرية، وتنتهي بالدولة العربية الواحدة الجديدة وأسسها وحدودها، والسلطة ونظامها السياسي وأهدافه، والمجتمع ودوره، والإنسان ومهمته!
لقد بات جليا للقوى الإصلاحية في العالم العربي بأن دولها القطرية ليست سوى دول وظيفية تم ترتيب أوضاعها على هذا النحو لتقوم بدور محدد لها في خدمة مشروع غربي استعماري منذ سايكس بيكو إلى اليوم فمنها ما هو مجرد قواعد عسكرية للاستعمار، ومنها ما هو أطواق لحماية وجود إسرائيل، ومنها ما هو شركات لاستخراج الثروات النفطية والمعادن، ومنها ما هو أسواق لاستهلاك إنتاج مصانع الغرب ...الخ
لقد كان حصار العراق مدة عقد من الزمن، وقبله حصار ليبيا، وحصار غزة، وحصار السودان، وقيام الدول العربية نفسها بتنفيذ الحصار واحتلال العراق من العمق العربي نفسه وباستخدام الدول العربية برا وبحرا وجوا وبدعم لوجستي عربي لتحتل أمريكا وجيوش الحلفاء العراق لتجعله أثرا بعد عين - ليقيم بوش بعده احتفال نصره ليس في واشنطن بل في عواصم الخليج العربي وجزيرة العرب حيث تم إقامة حفلات الرقص بين يدي هرقل الروم وهو يبتهج برؤية حرائر العرب وهن يلفحن بشعورهن أمامه - أوضح شاهد على طبيعة الدولة العربية الوظيفية فليست إسرائيل وحدها دولة وظيفية في المنطقة للمشروع الاستعماري الغربي، بل كل دويلات المنطقة التي أقامها الاستعمار هي دول وظيفية تخدم مشروعه وتقوم بتنفيذه وتكريس حمايته!
إن إدراك هذه الحقائق يجعل القوى الإصلاحية في العالم العربي أمام تحديات تاريخية في تحديد أهدافها والعمل على أساس هذه الأهداف بشكل قومي يتجاوز الحالة القطرية، التي ارتهنت لها منذ ما قبل كامب ديفيد إلى اليوم لتتفاجأ بهذا الواقع السياسي العربي المتخلف فلا أمن ولا استقرار ولا حرية ولا قانون ولا نظام ولا سيادة ولا استقلال ولا نمو ولا نهضة، بل عصابات إجرامية تحكم هنا وهناك وتقوم بدور وظيفي في مشاريع الغير حتى انقسم العرب ودولهم إلى فريقين الأول يصطف خلف المشروع الأممي الأمريكي الغربي الاستعماري في المنطقة ويتخندق في خندق إسرائيل بما في ذلك السلطة الفلسطينية في رام الله!
والفريق الثاني يصطف خلف المشروع الإيراني الإقليمي الطائفي الذي يتمدد ويوظف قوى المقاومة العربية لتحقيق مشروعه، لتتخندق خلفه مشروعه، ولو على حساب الأمة ومصالحها الإستراتيجية وليستخدمها كورقة للمساومة والمفاوضة بما في ذلك قوى المقاومة في غزة لعقد صفقاته المشبوهة مع القوى الاستعمارية في العراق وأفغانستان!
ولهذا لم يجد أحمدي نجاد غضاضة في زيارة بغداد تحت الاحتلال الأمريكي وتحت حماية الجيش الأمريكي للإعلان من بغداد عن ضرورة خروج الاحتلال! ليقوم حلفاؤه الطائفيون وميليشياتهم الإجرامية بمواجهة كل من يقاوم الاحتلال بدعوى مكافحة الإرهاب ولتمتلئ شوارع بغداد بآلاف الجثث المغدورة والأعناق المنحورة، وسجونها بآلاف المعتقلين والمظلومين، لتخرج بعدها مسيرات الجنون والهوس الديني تحت حماية الجيش الأمريكي المحتل وهم يضربون أجسادهم بكاء على الحسين المظلوم!!
لقد بات العالم العربي يعيش اليوم أزمة هوية كبرى بعد الإعلان عن نهاية عصر الدويلات القطرية الوظيفية، وبعد التيه السياسي والفكري لقواه السياسية، والموت لقيمه الإنسانية والحضارية، ولم يعد أمام المصلحون فيه لبعث الأمة من جديد، إلا الثورة! والثورة بكل تجلياتها ومجالاتها واتجاهاتها ليصنع المخلصون لها من الموت واللحد الحياة والمجد!