القاديانية الخليجية
بين العقائد السنية..
والأنظمة العلمانية
(١٨ - ٢٠)
بقلم: أ.د. حاكم المطيري
16/ 6/ 1447هـ
7 / 12/ 2025م
انتهت "القاديانية الخليجية" باسم السنة والسلفية، إلى ما انتهت
إليه قبلها "القاديانية المصرية" باسم التجديد والوسطية! وأصبحت الأنظمة
العلمانية الإباحية لدى الفريقين ذات مشروعية سياسية دينية! يجب السمع والطاعة للسلطة
فيها، ويحرم الخروج عليها، إذ لم يعد تحكيم الإسلام واتخاذه مرجعية تشريعية شرطا لشرعية
الدولة لدى الفريقين!
وقد تصدى شيوخ كلا المدرستين لما دعا إليه سيد قطب في كتابه "معالم
على الطريق"، وفي تفسيره "في ظلال القرآن" من تقرير توحيد الحاكمية
لله في التشريع، ووصفه الأنظمة التي لا تحكم بالإسلام بالجاهلية، كما وصفها القرآن ﴿أفحكم الجاهلية يبغون﴾، فكانت "القاديانية
المصرية" أسبق في الرد عليه منذ سنة ١٩٦٧م، ورميه بالتطرف، والخروج عن الاعتدال
والوسطية، وانتهى الحال بمن تصدوا له إلى الاعتراف بشرعية الواقع السياسي، والمصالحة
معه، وتحريم الخروج عليه، ورفض تغييره بالقوة أو الثورة!
وكان ثمن ذلك فتح الأبواب للقاديانية ولشيوخها منذ سنة ١٩٧٠م عبر وسائل
إعلام الدول العربية الوظيفية، وإذاعاتها، وتلفزيوناتها، وأخيرا قنواتها الفضائية،
واستقبالهم في صالات التشريف في المطارات كالملوك والرؤساء، ومن خلال توليهم الإشراف
على هيئات الدعوة والفتوى، فقد ضمهم النظام العربي إلى صفه في معركته ضد التطرف والغلو
الذي تمثل في كتاب "معالم على الطريق"!
وجاءت "القاديانية الخليجية" بعد سنة ١٩٩٠م، لتجعل معركتها
الرئيسة مع سيد قطب ودعوته إلى توحيد الله في حكمه، بدلا من الجاهلية والعلمانية التي
فرضتها الحملة الصليبية!
وتحت ذريعة التصدي لظاهرة الغلو والتكفير أبطلت القاديانية - بشقيها المصري
والخليجي - مفهوم الدولة النبوية الإسلامية، ولم يعد الحكم بما أنزل الله شرطا لوصف
الدول والأنظمة بالإسلامية! فقررت - من حيث تشعر أو لا تشعر - مشروعية الدولة العلمانية،
إذ لا تتنافى مع وصف الدولة بالإسلام! فمهما عطلت الدولة من أحكام الإسلام وغيرت وبدلت،
فإنها تظل دولة إسلامية، ما دام رئيسها لا يصرح باستحلال هذا التعطيل!
وإنما اشترطت "القاديانية المصرية" الديمقراطية لهذه الأنظمة
العلمانية بدعوى أنه لا يوجد أصلا نظام سياسي إسلامي، وإنما مبادئ عامة في العدل والشورى
تتوافق مع النظم الديمقراطية الأوربية التي تراها أقرب لروح الإسلام من غيرها! كما
لا ترى مشكلة في دول سايكس بيكو الوطنية والقومية فهي عندها لا تتعارض مع مفهوم الدولة
النبوية الإسلامية!
بينما ترى "القاديانية الخليجية" شرعية كل دولة وسلطة سواء
كانت ملكية، أو دكتاتورية عسكرية، فالسلطة في حد ذاتها موجبة للسمع والطاعة بقطع النظر
عن طبيعة النظام السياسي والتشريعي الذي تحكم به! إلا الديمقراطية التي تراها تتنافي
مع أصل السمع والطاعة!
فاتفق الفريقان على إقرار العلمانية واقعيا وسياسيا، في الوقت الذي يرفع
الفريق الأول شعار (التوحيد على كلمة التوحيد)! ويرفع الفريق الثاني (الإسلام هو الحل)!
واستبدل الفريقان "مشروع العلمانية" كما دعا إليه علي عبدالرازق،
ومشروع الوطنية كما دعا إليها لطفي السيد، بدعوة الشيخين ابن عبد الوهاب وحسن البنا!
وقد رأت الحملة الصليبية بأن الحركات الإسلامية والجماعات السلفية باعترافها
بشرعية الواقع السياسي الذي فرضته والتطبيع معه، ونبذها لفكرة "الخلافة الإسلامية"،
و "الأمة الواحدة" و"حاكمية الشريعة"، و "الجهاد"، قد
بلغت درجة من النضج والوعي يرشحها لتكون جزءا من نظامها الوظيفي الذي تحكم به دولها،
وشريكا له في السلطة والثروة، ففتح الباب على مصراعيه لها في كل بلد يخضع للنفوذ الأمريكي
الأوربي من أندونيسيا شرقا إلى موريتانيا غربا لتشارك في البرلمانات، وتتولى الحكومات،
وانتهى بها الأمر إلى القتال مع الحملة الصليبية لكل من يجاهدها، وإلى التطبيع مع المحتل
الصهيوني!
وقد أدى هذا الفصام بين الشعارات السنية، والاعتراف بالعلمانية إلى غياب
(العقيدة السياسية) عند القاديانية العربية بفرعيها غيابا تاما، حتى لم يعد هناك أثر
للعقيدة الإسلامية على الممارسة السياسية لكلا الفريقين!
لقد أصبحت العقيدة الإسلامية لدى القاديانية كالعقيدة النصرانية تنحصر
في الإيمان بالغيب فقط، وأداء العبادات، ولا أثر لها على الواقع السياسي!
وقد اشتغل كلا الفريقين بتأويل قطعيات الكتاب والسنة لتتوافق مع رؤى القاديانية
التي انشغلت بصد فتنة التكفير والغلو، عن الجاهلية المعاصرة وانسلاخها من الإسلام،
وعن الحملة الصليبية التي تحتل أرضها وتفرض كفرها وتقاتل دون طاغوتها! وصدر خلال نصف
قرن فقط من الفتاوى المؤولة ما فاق تأويل أهل الكتاب من اليهود والنصارى مدة ألفي عام!
وصار غاية الدعوة أن يعيش المسلمون في العالم الإسلامي في ظل دولة الحبشة
وعدل النجاشي، لا دولة المدينة وخلافة النبي القرشي ﷺ!