القاديانية الخليجية
وتوحيد الحاكمية
(١٧ - ٢٠)
بقلم: أ.د. حاكم المطيري
11/ 6/ 1447هـ
2/ 12/ 2025م
نعى القرآن على أهل الكتاب من اليهود والنصارى تركهم الحكم بما أنزل الله
واستبدال غيره به، وحكم الله عليهم لذلك بأنهم كافرون ظالمون فاسقون فقال تعالى: ﴿إنا
أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون
والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله... ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون
وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس… ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون
وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم.. وآتيناه الإنجيل.. وليحكم أهل الإنجيل بما
أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون﴾ [المائدة:
٤٤-٤٧]
ثم خاطب الله رسوله ﷺ فقال: ﴿وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا
عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق … وأن احكم بينهم
بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا
فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية
يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون﴾ [المائدة: ٤٨-٥٠]
وجعل الله من توحيده وعدم الإشراك به الحكم بوحيه وشرعه ﴿إن الحكم إلا
لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه﴾ [يوسف: ٤٠]، ﴿ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه
أحدا﴾ [الكهف: ٢٦].
وجعل طاعة غيره من دونه شركا به، فقال: ﴿ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله
عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون﴾
[الأنعام: ١٢١].
وعدّ طاعة اليهود والنصارى لأحبارهم ورهبانهم في غير طاعة الله من اتخاذهم
أربابا وآلهة من دون الله ﴿اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن
مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون﴾ [التوبة:
٣١].
قال عدي بن حاتم الطائي حين سمع هذه الآية وكان نصرانيا فأسلم (قلت: يا
رسول الله، إنا لسنا نعبدهم! فقال: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم
الله فتحلونه؟ قال: قلت: بلى! قال: فتلك عبادتهم).
وجعل الله الغاية من إرسال رسله وإنزال كتبه طاعته وطاعة رسله ﴿وما أرسلنا
من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر
لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما﴾ [النساء: ٦٤].
ومع وضوح قضية الحاكمية في القرآن وضوح الشمس في رائعة النهار، ووجوب
توحيد الله في حكمه، وعدم الإشراك به في طاعته، كوجوب توحيده في عبادته، إلا أن
"القاديانية الخليجية" -وقبلها المصرية والهندية- قد جعلت منها قضية فرعية!
وزادت الخليجية أن جعلت من التوحيد والسنة طاعة من وصفهم الله بنص هذه الآيات بأنهم
"مشركون" "كافرون" "ظالمون" "فاسقون" وجعلتهم
ولاة أمر تجب طاعتهم!
واتخذت من يدعو إلى طاعتهم ويوجبها أئمة في الدين كما اتخذ اليهود والنصارى
أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله!
ورمت من أنكر عليهم بالبدعة!
وقد قال ابن تيمية فيهم: (وكل من اتخذ شيخا أو عالما متبوعا في كل ما
يقوله ويفعله، يوالي على موافقته ويعادي على مخالفته غير رسول الله ﷺ فهو مبتدع ضال خارج عن الكتاب والسنة، سواء كان من أهل العلم والدين،
كالمشايخ والعلماء، أو كان من أهل الحرب والديوان كالملوك والوزراء. بل الواجب على
جميع الأمة طاعة الله ورسوله، وموالاة المؤمنين على قدر إيمانهم، ومعاداة الكافرين
على قدر كفرهم، كما قال تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا.}.. فإن أهل السنة
والجماعة يجعلون رسول الله ﷺ هو الإمام المطلق، الذي يتبعونه في كل شيء، ويوالون من والاه ويعادون
من عاداه. ويجعلون كتاب الله هو الكلام الذي يتبعونه كله ويصدقون خبره كله، ويطيعون
أمره كله. ويجعلون خير الهدي والطريق والسنن والمناهج هي سنة رسول اللهﷺ . وأما أهل البدعة فينصبون لهم إماما يتبعونه، أو طريقا يسلكونه، يوالون
عليه ويعادون عليه، وإن كان فيه ما يخالف السنة، حتى يوالوا من وافقهم مع بعده عن السنة،
ويعادون من خالفهم مع قربه من السنة).
فتأثرت القاديانية الخليجية خاصة، والعربية عامة، خطى اليهود والنصارى،
وحذت حذوهما، واتبعت سننهما، كما أخبر النبي ﷺ وحذر: (لتتبعن سنن من قبلكم - اليهود والنصارى - شبرا بشبر، وذراعا بذراع،
حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)!
فلم تترك القاديانية سنة من سنن اليهود والنصارى وأمم الجاهلية إلا وأخذت
بها، ودعت إليها، ونبذت وراءها قطعيات الكتاب ظهريا بالإيمان ببعض الكتاب، والكفر ببعضه
تارة، بالتأويل تارة، والتعطيل تارة، كما نعاه القرآن على أهل الكتاب ﴿أفتؤمنون ببعض
الكتاب وتكفرون ببعض﴾، وتأويل القرآن واتباع ما تشابه، ورد محكماته ﴿فأما الذين في
قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله﴾!