القاديانية الخليجية
والدولة المدنية
(١٩ - ٢٠)
بقلم: أ.د. حاكم المطيري
22/ 6/ 1447هـ
13 / 12/ 2025م
لا ترى "القاديانية الخليجية" ضرورة لإقامة أحكام الدولة المدنية
النبوية - التي كملت فيها التشريعات القرآنية بنزول قوله تعالى ﴿اليوم أكملت لكم دينكم﴾،
وتجلى كمالها في تحقق الاستخلاف في الأرض، وظهور الإسلام وأحكامه، بقيام الدولة النبوية
في المدينة المنورة - فضلا عن وجوب إقامة الخلافة الراشدة التي أوجب النبي ﷺ لزوم سننها (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين)، ولهذا ترى "القاديانية"
ولاية شرعية لكل دولة في العالم الإسلامي اليوم، وتراها امتدادا للدولة النبوية، فتوجب
السمع والطاعة لها، احتجاجا بقوله تعالى ﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾،
وبالإطلاق الوارد في لفظ حديث (من أطاع الأمير فقد أطاعني)، دون تقييده بالرواية المحفوظة
(من أطاع أميري فقد أطاعني) التي تفيد طبيعة الولاية الشرعية التي طاعتها طاعة لله
ورسوله ﷺ وأنها حصرا ما كانت نيابة سياسية عن النبي ﷺ بإقامة أحكامه، وليست كل ولاية عرفية أو قهرية أو تعاقدية لا تلتزم بأحكامه
وشريعته ﷺ!
وهي لا ترى كل نواقض هذه الدول العلمانية مع أصول الدولة النبوية المدنية،
ولا تناقضها مع حقيقة التوحيد نفسه، فضلا عن ارتدادها عن أحكامه التشريعية كلية بتحكم
القوانين الوضعية، ونقضت "القاديانية الخليجية" تماما كل ما تقرر عند أئمة
السنة قاطبة، بل وحتى عند أئمة الدعوة النجدية، وما قرره شيوخها المعاصرون كالشيخ ابن
باز في كتابه (نقد القومية)، وكما في حاشيته (الفوائد العلمية) على كتاب (تيسير العزيز
الحميد) ٣/ ١١٠ وفيه قول المؤلف عن وجوب جهاد من لم يحكم بما أنزل الله :(فأمر بقتالهم
على فعل التوحيد، وترك الشرك، وإقامة شعائر الدين الظاهرة، فإذا فعلوها خُلِّي سبيلهم،
ومتى أبوا عن فعلها أو فعل شيء منها فالقتال باق بحاله إجماعاً).
قال ابن باز : (فلو كان هناك جهاد صالح - الآن - يجب أن تقاتَل البلاد
العربية كلها حتى تقيم توحيد الله، وحتى تحكم شريعة الله، ولكن أين الجهاد؟ فالشرك
موجود، وطاعة الحكام من دون الله موجودة. فهذه الطوائف يجب أن تقاتل في مصر، والشام،
والعراق، وكل مكان عطلت فيه الشريعة؛ فيجب أن تقاتل حتى تقيم الشريعة، فإما هذا، وإما
هذا).
وهذا بخلاف "القاديانية المصرية" والعربية عموما التي لا ترى
أصلا وجود نظام سياسي إسلامي! وترى بأن الدولة النبوية في العهد المدني - فضلا عن الخلافة
الراشدة - هي مجرد مرحلة تاريخية، لا أحكام تشريعية يجب على الأمة إقامتها!
فاتفق الفريقان على تعطيل أحكام العهد المدني كله، وهي أحكام الدولة في
الإسلام بعد الهجرة، واقتصر الفريقان على أحكام العهد المكي، واعتبار الدعوة إلى الله
هي غاية الرسالة، وليس إقامة الدولة التي تتحقق بها الرسالة على أرض الواقع!
فترى "القاديانية الخليجية" الغاية الدعوة إلى التوحيد ولو
في ظل الدولة الوطنية! وليس شرطا في ظل الدولة المدنية النبوية الراشدة، وترى القاديانية
المصرية الغاية الدعوة إلى العدل ولو في ظل الدولة الديمقراطية وليس شرطا الدولة النبوية
الراشدة!
فأصبحت أحكام الدولة النبوية وأحكام الخلافة الراشدة منسوخة نظريا وفعليا
لدى الفريقين، إلا أن "القاديانية الخليجية" نسختها بالتأويل وتفريغ كل النصوص
من حقائقها، واعتبرت كل ولاية موجودة هي ولاية شرعية أصلا، ونزلت عليها كل النصوص الشرعية،
فجعلت من الطاغوت نفسه وليا للأمر وطاعته من طاعة الله ورسوله! بينما نسختها
"القاديانية المصرية" بالتعطيل جملة، بادعاء عدم وجود نظام إسلامي أصلا،
وعدم اعتبار دولة النبوة في المدينة نموذجا يجب الالتزام بأصوله وقواعده وأحكامه، وإنما
هي تجربة تاريخية لها ظروفها، ويستطيع المسلمون اليوم في ظل النظام الدولي الطاغوتي
- الذي يحتل العالم الإسلامي ويحكمه ويتحكم به بواسطة دوله الوظيفية العلمانية وقوانينها
الوضعية - أن يحققوا غايات الإسلام وهداياته بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان! حتى
ذهب وفد علمائي منهم إلى أفغانستان سنة ١٩٩٦م لمنع الملا عمر من هدم صنم بوذا واحترام
(حقوق الأوثان)!
ورد عليهم بقولته المشهورة أن يسجل التاريخ بأني عمر كاسر الأصنام، أشرف
لي أن يسجل أني حامي الأصنام!
وأصبح العجز عن تغيير الواقع سببا شرعيا لدى الفريقين بإقراره والاعتراف
بشرعيته سواء بالتأويل أو التعطيل!
وكانت الخشية من الحكم على الواقع بأنه جاهلي دافعا للاعتراف به وإضفاء
الشرعية عليه، دون إدراك التلازم بين الحكم بالإسلام ووصف الدولة والسلطة بالشرعية،
وعدم التلازم بينه وبين الحكم على الأفراد بالإيمان والإسلام، فقد كان النجاشي مؤمنا
مسلما، مع أن دولته كانت نصرانية، ولم يصبح ولي أمر للمسلمين المهاجرين فيها، وإن كان
ملكا على الحبشة، ولم يأمره النبيﷺ بإقامة الأحكام الإسلامية، لعدم دخول قومه في الإسلام، فلما توفي صلى
عليه النبيﷺ وأصحابه صلاة الغائب.