القاديانية الخليجية
بين الإرجائية والخارجية
(١٦ - ١٨)
بقلم: أ.د. حاكم
المطيري
٥ / ٦/ ١٤٤٧هـ
٢٦ / ١١ / ٢٠٢٥م
في الوقت الذي اتخذت القاديانية الخليجية العقيدة الإرجائية -وهو أنه
لا يضر مع اسم الإسلام معصية- مذهبا لها تجاه الملوك والرؤساء والولاة حد التقديس لهم
فمهما صدر عنهم من نواقض للإسلام ولو عطلوا أحكام الشرع كلية، ووالوا الكفار وظاهروهم
في حربهم على المسلمين، واستحلوا المحرمات القطعية، لا يخرجهم شيء من ذلك كله عن الإسلام
ووجوب طاعتهم، وحبهم، والدعاء لهم!
اتخذت في المقابل من العقيدة الحرورية الخارجية -التي كفرت المسلمين
واستحلت دماءهم- مذهبا في الحكم على كل من عارض الحكومات أو خالف مذهبها هي! فاتخذت
من تبديع المخالف لها أو الحكم عليه بالكفر والشرك واستباحة سجنه وقتله دينا تغرر الناس
به على أنه السنة ومذهب سلف الأمة!
وجعلت "القاديانية الخليجية" كل قول تختاره من المسائل العلمية
- مهما كان شاذا مرجوحا - هو الدين والحق والسنة، فلا دائرة عندهم للاجتهاد، ولا احتمال
للخطأ والصواب، ولا فرق عندهم بين قطعيات الإسلام التي أجمع عليها المسلمون كافة، كأركان
الإيمان، وفرائض الإسلام، والقضايا الخلافية التي تنازع فيها أهل القبلة، وخصها الأئمة
باسم "السنة" للتفريق بينها وبين قطعيات الإسلام التي لا خلاف أصلا فيها
بين المسلمين، فرتب هؤلاء القاديانيون على مسائل "السنة" البراءة من المسلمين
ومن أهل القبلة، بدعوى البدعة، ووالوا الطغاة والمجرمين وانحازوا إلى اليهود والنصارى
في حروبهم بدعوى السنة!
وقد أجمع سلف الأمة من الصحابة ومن بعدهم على وجوب الولاء للمسلمين عامة
من أهل القبلة، وأنه يصلى على كل ميت منهم، ويدعى له، وقد خرج الحرورية على علي رضي
الله عنه فقال لهم علينا ثلاث (ألا نبدأهم بقتال، ولا نمنعهم مساجد الله أن يذكروا
فيها اسمه، وألا نحرمهم من الفيء ما أدامت أيديهم مع أيدينا)، هذا مع أن الحرورية كانوا
يرون كفره رضي الله عنه، وكفر الصحابة، ويستحلون قتالهم!
وأجمع الصحابة على سنته فيهم، وأنهم مسلمون موحدون من أهل القبلة، لا
يخرجهم تأويلهم الباطل عن اسم الإسلام وأخوته وولايته، وكانوا بعده مع الخليفة الراشد
عبد الله بن الزبير بمكة، يحجون، ويصلون، ولا يتعرض لهم.
كما جعلت القاديانية الأقوال الشاذة أو الضعيفة المرجوحة، في المسائل
الفرعية الخلافية، أقوالا راجحة، ثم جعلت منها مسائل أصولية، ثم ادعت بأنها هي الكتاب
والسنة، ومذهب سلف الأمة، ثم رمت كل من خالفها فيها بالبدعة والخارجية، ثم استباحت
الوشاية به إلى السلطة وسجنه أو قتله!
كالخلاف في الخروج على أئمة الجور الذي أجازه أبو حنيفة ومالك، والخلاف
في الاقتحام على العدو في الجهاد مع تيقن الموت، حيث جعلوه انتحارا محرما، لأنه إلقاء
بالنفس إلى التهلكة، وقد عد ابن تيمية هذا الاستدلال تحريفا للقرآن فقال في جامع المسائل
(٥/ ٣٢٥) :(وقد أنكر أبو أيوب على من جعل المنغمس في العدو مُلقيًا بيده إلى التهلكة،
ضد ما يتوهمه هؤلاء الذين يحرفون كلام الله عن مواضعِه؛ فإنهم يتأوَّلون الآية على
ما فيه ترك الجهاد في سبيل الله. والآية إنما هي أمر بالجهاد في سبيل الله، ونهي عما
يَصُدّ عنه. والأمر في هذه الآية ظاهر كما قال عمر وأبو أيوب وغيرهما من سلف الأمة،
وذلك أن الله قال قبل هذه الآية: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم..} إلى قوله
{وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة..} إلى قوله {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى
التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين}. فهذه الآيات كلها في الأمر بالجهاد في سبيل
الله، وإنفاق المال في سبيل الله، فلا تناسب ما يضاد ذلك من النهي عما يكمل به الجهاد،
وإن كان فيه تعريض النفس للشهادة، إذ الموت لا بد منه، وأفضل الموت موت الشهداء. فإن
الأمر بالشيء لا يناسب النهي عن إكماله).
وكادعاء أن النصيحة سرا للسلطان - لمن رأى منكرا عاما يجب تغييره أو ظلما
يجب رفعه - هي السنة وقول سلف الأمة ومن خالف فيها فهو خارجي يستحق السجن أو القتل!
مع أن النصيحة غير إنكار المنكر وتغييره، وهي لا تكون نصيحة أصلا إلا
بالإسرار بها إلى المنصوح سلطانا كان أو غيره، وإلا كانت فضيحة، بخلاف (من رأى منكم
منكرا فليغيره)!
وهي مسألة فرعية خلافية، والجمهور على عدم وجوب الإنكار سرا أصلا، عملا
بعموم النصوص القرآنية العامة المطلقة بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ﴿كنتم
خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر﴾، وما جاء في نص حديث البيعة
المتواتر (وأن نقول بالحق أو نقوم بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم)، وقولهﷺ (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه)، وما تواتر عن
الصحابة من إنكار المنكر على الأمراء علانية، حتى خرجوا بالسيف على يزيد، من أجل الشورى
والعدل، كما فعل الحسين بن علي، وعبدالله بن الزبير، وأهل المدينة، بل قبلهم عائشة،
وطلحة، والزبير!