القاديانية الخليجية
والتوظيف السياسي للسنة
(١٥ - ١٨)
بقلم: أ.د. حاكم
المطيري
٣ / ٦/ ١٤٤٧هـ
٢٤ / ١١ / ٢٠٢٥م
لم تكن الأنظمة العربية الوظيفية إلى سنة ١٩٧٠م تحتاج إلى الإسلام لإثبات
شرعيتها دينيا، وكان الصراع محصورا بينها وبين الفكر القومي اليساري الذي تسلح بالاشتراكية
تحت نفوذ روسيا الشيوعية (الجناح الشرقي للحملة الصليبية)، وتسلحت هي بالوطنية المحافظة،
تحت رعاية أمريكا وبريطانيا وفرنسا (الجناح الغربي للحملة الصليبية)، حتى وصل الحزب
الشيوعي الأفغاني بدعم روسي إلى الحكم في أفغانستان بالانقلاب على داود شاه سنة
١٩٧٨م والتدخل الروسي العسكري في أفغانستان سنة ١٩٧٩م، وأصبحت روسيا والاتحاد السوفيتي
قاب قوسين من مياه الخليج العربي، ولم يبق أمامها لتحقيق حلم روسيا القيصرية التاريخي
بالوصول إلى المياه الدافئة إلا وصول الحزب الشيوعي الإيراني في طهران إلى السلطة،
وأصبح الشرق الأوسط كله كما أدركت واشنطن مبكرا في حاجة لتوظيف الإسلام في الصراع لمواجهة
المد الروسي الشيوعي الذي اجتاح العالم آنذاك، وصار يهدد الخليج العربي (درة التاج
الأمريكي)، وبدأ الدعم الأمريكي الأوربي المباشر للمجاهدين الأفغان ١٩٧٩ لوقف هذا المد
الشيوعي، والدعم لثورة الملالي في طهران لمنع حزب توده الشيوعي من الوصول للسلطة بعد
إسقاط نظام الشاه رضا بهلوي ١٩٧٩م، وكذا بدأت الأنظمة العربية بتوظف الخطاب السني لإثبات
شرعيتها، وفتحت الباب على مصراعيه للحركة الإسلامية للقيام بهذه المهمة، والتي تحالفت
مع السادات (الرئيس المؤمن) ففتح لها الطريق لاكتساح الجامعات والنقابات والقضاء على
المد الشيوعي واليساري في مصر، مقابل إضفاء الشرعية الدينية على النظام المصري، وفي
السودان قام الرئيس جعفر نميري بالتحالف مع الحركة الإسلامية بالإعلان عن تطبيق الشريعة
سنة ١٩٨٥م، وعمت هذه الظاهرة الدينية العالم الإسلامي، فإذا الخطاب الإسلامي الذي كان
إلى سنة ١٩٧٠م لا يرى شرعية دينية لأي نظام لا يحكم بالإسلام وبالشريعة - وإن وقع الخلاف
بين مدارسه وعلمائه في الحكم على هذه الأنظمة بالكفر وعدمه - ينقض هذا الأصل عروة عروة،
فلم يمض على هذا التوظيف عقد من الزمن إلى سنة ١٩٨٠م فإذا أكثر الجماعات الإسلامية
تعترف في كل بلد بشرعية السلطة فيه شرعية دينية، وتشارك في الحكومات والبرلمانات، وبدأ
تداول مصطلح "ولي الأمر"، ووجوب "السمع والطاعة" له، وتحريم
"الخروج" عليه، حتى لم يبق أحد يجرؤ على نفي هذه الشرعية الدينية عن أنظمة
حكم لا تحكم أصلا بالشريعة بل بالقانون الوضعي! وتحول الخلاف من خلاف في الحكم على
هذه الأنظمة بالكفر وعدمه، إلى خلاف في الحكم على من لا يعترف بشرعيتها الدينية ووصفه
بالخروج والغلو والتطرف مهما أقر بشرعيتها الواقعية، ومهما اعتزلها، ورأى عدم الخروج
عليها!
وهو تحول فكري يعرفه كل من أدرك تلك الفترة وعاش أحدثها، ولم تأت سنة
١٩٩٠م حتى ازداد هذا الخطاب تطرفا وانحرافا بلغ أوجه في خطاب القاديانية الخليجية،
فلم تعد قضية "ولي الأمر" و "البيعة" و "السمع والطاعة"،
لأنظمة لا تحكم أصلا بالشريعة، قضية فقهية خلافية - حيث كان محمد بن إبراهيم آل الشيخ
يفتي كما عامة علماء السنة في عصره كالشيخ أحمد شاكر ومحمد الأمين الشنقيطي بأن استبدال
القانون الوضعي بالشريعة كفر أكبر مخرج من الملة يناقض توحيد الله في الحكم - بل صارت
القضية فجأة أصلا من أصول السنة والجماعة، ومن يقول بقول محمد بن إبراهيم وأحمد شاكر
والشنقيطي خارجي مبتدع!
وصارت النصوص وأقوال أئمة السنة في إمامة الخلفاء المسلمين وولايتهم،
ووجوب السمع والطاعة لهم، وتحريم الخروج عليهم، في ظل الخلافة الإسلامية تنزل على واقع
جاهلي فرضته الحملة الصليبية على العالم الإسلامي، لا علاقة له بالخلافة والإمامة الشرعية
وأحكام البيعة والسمع والطاعة لعدم وجود الشريعة أصلا التي هذه الأحكام فرع عنها، حيث
لم ينزل الصحابة وسلف الأمة والأئمة هذه الأحكام على النجاشي في الحبشة، مع ثبوت إسلامه،
لأنه لم يحكم في أرضه بالإسلام وشريعته!
ولم تفرق القاديانية الخليجية والعربية بين الإمامة الشرعية الإسلامية،
والولايات الأخرى التي لا تخضع لأحكام الشريعة، كالولاية الواقعية: العرفية، أو التعاقدية،
أو الجبرية، كولاية مشركي مكة عليها قبل الفتح، وولاية النجاشي على الحبشة!
وكما اكتفت النصرانية من قياصرة الروم وملوك أوربا وطغاتها بالاعتراف
بالمسيحية اسميا دون الحكم بها، وأوجبت لهم الطاعة التي لا يستحقونها باسم الله!
تأثرت القاديانية الخليجية والعربية خطى اليهود والنصارى، وحذت حذوهما،
واتبعت سنتهما، كما أخبر النبيﷺ وحذر (لتتبعن سنن
من قبلكم -اليهود والنصارى- شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)!
فاتخذوا ملوكهم وطغاتهم أربابا من دون الله يحلون لهم الحرام، ويحرمون
عليهم الحلال، فيطيعونهم! ويوجبون على الأمة طاعتهم! ويستحلون قتل من لا يرى الطاعة
لهم!