القاديانية الخليجية
والوطنية الجاهلية
(١١ - ١٢)
بقلم: أ.د. حاكم
المطيري
١٩ / ٥/ ١٤٤٧هـ
١٠ / ١١ / ٢٠٢٥م
تؤمن "القاديانية الخليجية" -كما "القاديانية المصرية"،
وقبلهما "القاديانية الهندية"- بالوطنية الجاهلية الوثنية، كما فرضها المحتل
البريطاني الأوربي على العالم الإسلامي، فالوطن القومي أو الجغرافي هو الدين الجديد
الذي يبنى عليه الانتماء والولاء والبراء! فلا تعترف "القاديانية" بدار الإسلام
الواحدة وأحكامها، ووجوب الدفع عن كل أرض للمسلمين مهما اختلفت بلدانهم، ولا تعترف
بالأمة الواحدة وأحكامها، ولا ترى حقوقها الواحدة، كما قال النبي ﷺ: (ذمة المؤمنين واحدة، يسعى بها أدناهم)، وقال: (المسلمون تتكافأ دماؤهم،
وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم).
فقد نسخت القاديانية -بفرعيها الهندي والعربي- تقسيم الأرض إلى (دار الإسلام،
ودار السلم، ودار الحرب)، ولم يعد هذا التقسيم في نظرها قائما، بل هو مرحلة تاريخية
انتهت! فالعالم اليوم عندها دول وشعوب وأمم متحدة وقرية واحدة لا فرق فيها بين أرض
إسلام وأرض كفر!
وهو أحد المفاهيم الإسلامية الرئيسة التي استهدفها المحتل الأوربي ثم الأمريكي،
وأعاد تشكيل الوعي الإسلامي تجاهها وفق ثقافته الغالبة، بعد أن وجد بأن اعتقاد المسلمين
بأنهم أمة واحدة، وأن دار الإسلام واحدة مهما تعددت دولها -يجب عليهم جميعا القتال
دفاعا عنها- لا يقل خطورة عنده عن إيمانهم بالخلافة كنظام سياسي جامع للأمة، وأن إسقاط
الخلافة والقضاء عليها، لم يمنع المسلمين من الجهاد في سبيل تحرير كل بلد إسلامي بسبب
هذا المفهوم، فبدأ الغرب عبر منظوماته الوظيفية في العالم الإسلامي بشرعنة الوطنية
والقومية بخطاب ديني! حتى أفتى علماء "القاديانية العربية" في مؤتمراتهم
بأن تقسيم الأرض إلى دار إسلام، ودار سلم، ودار حرب، تقسيم تاريخي لم يعد مناسبا لروح
العصر الذي تحكمه الصليبية العالمية! مع أنه أول مفهوم قرآني نبوي سياسي ترسخ في وعي
المجتمع الإسلامي في العهد المكي، تجاه:
١- مكة التي شرعت الهجرة منها أولا ثم وجبت؛ لأنها دار كفر وحرب يُضطهد
فيها المؤمنون.
٢- والحبشة التي جازت الهجرة إليها لمن خشي على نفسه؛ لأنها دار سلم يأمن
فيها المسلمون.
٣- والمدينة التي وجبت الهجرة إليها؛ لأنها دار إسلام.
فكان ظهور الدور الثلاث وأحكامها أسبق وجودا من قيام الدولة الإسلامية
نفسها!
فهدمت القاديانية أهم أسس الاستخلاف في الأرض، وهو تميز دار الإسلام التي
تقام فيها الأحكام، ويتحقق فيها وعد الله للمؤمنين بظهور دينهم ﴿هو الذي أرسل رسوله
بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله﴾، وظهور شعائره وشرائعه فيها ﴿وليمكنن لهم دينهم
الذي ارتضى لهم﴾، ويتحقق لهم فيها الأمن والسيادة والاستخلاف ﴿ليستخلفنهم في الأرض..
وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا﴾!
فاعتبرت القاديانية الخلافة وهي النظام السياسي الإسلامي الوحيد مرحلة
تاريخية انقضت، ولا يجب على الأمة أصلا استعادتها! وكذا دار الإسلام لا وجود لها اليوم
عندهم، وقد بطلت أحكامها؛ ولهذا لا يجب على المسلمين في كل بلدانهم أن ينفروا لنصرة
#غزة وفك حصارها وإنقاذ أهلها! كما صرح أحد دعاة "القاديانية الخليجية"،
فهناك دول يجب طاعتها واتفاقيات يجب الالتزام بها!
ويحرم عندهم على من استطاع من المسلمين النفير لهم إلا بإذن دولهم التي
تمنع منه وتعاقب من قام به!
لتتحول الوطنية إلى دين العصر
الجديد بكل ما تحمله كلمة الدين من معنى التعظيم والتذلل والانقياد والولاء والبراء
والقتال في سبيله! ولتتحول الدولة والملك والوطن إلى وثن يطاع من دون الله، ويموت الناس
في سبيله، ويفدونه بأرواحهم، يعادون من عادى، ويسالمون من سالم، ويستحل بعضهم قتل بعض
لأجله!
ولم تعد دار الإسلام بمنزلة الدار الواحدة مهما تعددت بلدانها، كما قال
ابن تيمية: (وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب،
إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة، وأنه يجب النفير إليه بلا إذن والد ولا
غريم).
وقد أجمع الفقهاء على أن جهاد الدفع عن دار الإسلام إذا دهمها العدو الكافر
فرض عين على كل مسلم قادر على القتال، يكون بينه وبينها أقل من مسافة القصر، وفرض كفاية
على من وراءهم، بينما يحرم المشاركة في القتال في الفتن التي تقع بين المسلمين!
فأوجبت القاديانية القتال في هذه الفتن بين الدول الإسلامية نفسها على
كل "مواطن صالح" دفاعا عن حدود "الوطن المقدس"! حتى وإن كان بين
المواطن وبين أرض المعركة ألف ميل!
وحتى صرح أحدهم بأنه لو دعا ملك بلده إلى الجهاد ضد الجزائر لوجبت طاعته
ولذهب هو للقتال هناك!
بينما لا يجب عندهم النفير إلى أهل غزة الذين بينهم وبين إخوانهم في حدود
مصر أقل من مسافة القصر!
فاستحلوا ما حرم الله من قتل بعضهم بعضا واستباحة بعضهم دماء بعض لأجل
حدود سايكس بيكو، وعطلوا ما فرض الله عليهم من الدفع عن أرض الإسلام وأهلها إذا غزاها
العدو الكافر!