القاديانية الخليجية
من التأويل إلى التبديل
 (٧ - ٨)
 
بقلم: أ.د. حاكم المطيري
٧ / ٥/ ١٤٤٧هـ
٢٩ / ١٠ / ٢٠٢٥م
 
جاءت "القاديانية الخليجية" بعد نصف قرن من ظهور "القاديانية
المصرية"، وبعد قرن من ظهور "القاديانية الهندية"، إلا أنها تعد الأشد
انحرافا وخطرا بترويجها أفكارها السياسية، لا على أنها فهم جديد للإسلام يواكب تطور
العصر -كما طرحه السير أحمد خان وتيار جامعة "عليكرة" في الهند للتعايش مع
المحتل البريطاني- ولا على أنه فقه الواقع والوسطية -كما طرحته مدرسة (الغزالي - القرضاوي)،
للتعايش مع النظام العربي الوظيفي في ظل المحتل الأمريكي الأوربي، والاعتراف بشرعيته
السياسية، ورفض أفكار سيد قطب الثورية، ووصمها بالغلو والتطرف! وانتهت برؤيتها السياسية
إلى الاعتراف بالدولة الوطنية في ظل نفوذ الحملة الصليبية وإجازة تولي الكافر الإمامة
العامة في بلد إسلامي ونظام ديمقراطي- بل طرحتها "القاديانية الخليجية" على
أنها هي السنة وفهم سلف الأمة وحقيقة التوحيد! 
وتجلى هذا الانحراف في أوضح صوره في تنزيل نصوص الكتاب والسنة وأحكام
الشريعة وأقوال الأئمة على نقيض مراد الله ورسوله ﷺ وهو أوضح صور تبديل الدين! فنزلوا نصوص السمع والطاعة للإمامة الشرعية
في دولة الإسلام وخلافته -كما في قول النبي ﷺ: (من أطاع أميري فقد أطاعني)، وقوله: (اسمعوا وأطيعوا وإن عبد حبشي ما
أقام فيكم كتاب الله)- على كل ذي سلطان وإن كان طاغوتا لا يحكم بما أنزل الله، ويعطل
شرائعه، ويحارب الإسلام وأهله، وينقض أصوله، ويوالي اليهود والنصارى، ويظاهرهم في حربهم
على المسلمين!
فأوجبوا طاعة من حرم الله طاعتهم واتباع من حرم الله اتباعهم من الجبابرة
الظالمين كما في قوله تعالى: ﴿ولا تطيعوا أمر المسرفين . الذين يفسدون في الأرض ولا
يصلحون﴾ ﴿فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد﴾ وقال عن عاد: ﴿وعصوا رسله واتبعوا
أمر كل جبار عنيد﴾! 
 وقد نفى القرآن أصلا ولاية هؤلاء مع المؤمنين ولاية إيمانية، فضلا عن
ولايتهم السياسية ﴿ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا﴾، فجعلوا لهم أعظم سبيل
بإيجاب السمع والطاعة لهم على المؤمنين!
وقال الله ﷻ: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء
بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم﴾، فجعل الله من تولاهم منهم لا من المؤمنين، فقالت
"القاديانية الخليجية" بل هم أئمة على المؤمنين طاعتهم من طاعة الله ورسوله!
ونفى الله أخوتهم للمؤمنين مع تظاهرهم بأنهم مسلمون وجعل أخوتهم للكفار
من أهل الكتاب فقال ﷻ: ﴿ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب
لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم﴾ فسماهم القرآن
إخوانهم بمجرد القول والكلام بلا فعل! فكيف بمن شارك اليهود والنصارى في حروبهم على
المسلمين، كما جرى في حصار غزة وإبادة أهلها! وحصار ليبيا، والسودان، والشام، والعراق،
وأفغانستان! وهي مظاهرة تعترف بها حكوماتهم بشكل رسمي!   
فصار المهاجرون الأولون من مكة والطائف الفارون بدينهم -في مفهوم
"القاديانية الخليجية"- خوارج على ولاة أمرهم!
وصار أبو بصير وأبو جندل ومن معهم إرهابيين خرجوا على ولاة أمرهم حين
فروا من مكة، وقطعوا الطريق على قريش، واستقلوا بحربها، لمعاهدة النبي ﷺ قريش في صلح الحديبية!
فأبطلت "القاديانية الخليجية" الغايات الثلاث المقصودة من كل
أحكام العهد المدني من الهجرة والجهاد وإقامة الدولة في المدينة النبوية والبيعة والسمع
والطاعة وهي الغايات التي تتمثل في:
١- الاستخلاف للمؤمنين في الأرض وأن تكون لهم الدولة والشوكة.
٢- وتمكين أحكام الدين بإقامة شرائعه والجهاد في سبيل ذلك.
٣- وتحقيق الأمن للمستضعفين وإقامة العدل والقسط بينهم ولهم.
كما قال تعالى: ﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم
في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من
بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا﴾ وقوله: ﴿وأمرت لأعدل بينكم﴾.
وكما قال ابن تيمية: (وذلك أن العدل نظام كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا
بعدل قامت وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، ومتى لم تقم بعدل لم تقم وإن كان
لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة).
وأوجبت "القاديانية الخليجية" الجاهلية وافتراقها وتعدد الإمامة
الشرعية مع قول الله ﷻ: ﴿واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا﴾ وقول النبي ﷺ: (الزم جماعة المسلمين وإمامهم، قال حذيفة فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟
قال اعتزل تلك الفرق كلها) ولهذا رفض ابن عمر مبايعة ابن الزبير وهو تحت سلطانه وقال:
(والله لا أبذل بيعتي في فرقة ولا أمنعها في جماعة)، وسئل أحمد عن معنى حديث (من مات
وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)؟ فقال أحمد: (ذلك الذي يقول المسلمون جميعا هذا
هو الإمام)، فإذا افتراق المسلمون كان زمان فتنة، لا زمن جماعة، فلا إمام عام للمسلمين
تجب بيعته وتلزم!