القاديانية الخليجية
ورعاية الحملة الصليبية
(٤ - ١١)
بقلم: أ.د. حاكم المطيري
٣ / ٥/ ١٤٤٧هـ
٢٥ / ١٠ / ٢٠٢٥م
لم تظهر أفكار "القاديانية الخليجية" فجأة! بل كانت نتاج أحداث
سياسية وعسكرية كبرى عصفت في المنطقة العربية منذ سنة ١٩٩٠م، ساهمت في ظهور أفكارها
وتطورها، ولم يكن لها قبل تلك الأحداث وجود البتة، ولا يكاد يوجد لها كتاب مطبوع، ولا
خطاب منشور، ولا شيخ مشهور، قبل هذا التاريخ!
فقد بدأت تتبلور أصول "القاديانية الخليجية" منذ سنة ١٩٩١م في
ظل رعاية المحتل الأمريكي لها عبر دوله الوظيفية ومؤسساتها الدينية، ومراكز الوسطية
التي أسست خصيصا لرعايتها، بدعوى مكافحة التطرف والغلو، تنفيذا لمشرع الرئيس الأمريكي
بل كلينتون "تجفيف المنابع"!
وزادت وتيرة هذه الموجة بعد أحداث سبتمبر ٢٠٠١م، وغزو أمريكا أفغانستان
ثم #العراق، وفُتح الطريق أمامها حتى وصل دعاتها إلى كل منابر المساجد ومراكز الدعوة
والتوجيه الديني في دول المنطقة، وفي المقابل طُرد من الإمامة والخطابة كل من رفض هذه
القاديانية، وكل من تصدى لها، وحذر منها، وكل من دعا إلى نصرة المسلمين المعتدى عليهم،
من العلماء، والدعاة، وأئمة المساجد (ذكرت التقارير الأمريكية حينها طرد نحو ٢٠،٠٠٠
إمام مسجد وخطيب وداعية)، وسجن كثير منهم، وأصبح خطاب "القاديانية الخليجية"
هو الخطاب الديني الرسمي، وسخرت له كل المنابر الدينية والتعليمية، وأصبح الحديث عن
"وجوب طاعة ولي الأمر" هوسا دينيا غير مسبوق، حتى لا تكاد تخلو خطبة جمعة
ولا درس من التذكير بوجوب طاعته أكثر من وجوب طاعة الله ورسوله! حتى في الدول التي
تحكم بالدستور والقانون الوضعي ولا تعترف أصلا بهذا الخطاب الديني!
وبلغ الانحراف ذروته بصدور الفتاوى القاديانية بأن القتال مع الجيش الأمريكي
لاحتلال العراق سنة ٢٠٠٣م من الجهاد في سبيل الله! بعد أن كان من نواقض الإسلام العشرة
المشهورة في العقيدة السلفية السنية!
وصدرت فتاواهم بوجوب طاعة الحاكم العسكري الأمريكي بول بريمر، لأنه صار
ولي أمر! بعد أن كان دفع العدو الكافر عن أرض الإسلام فرض عين!
وفي المقابل صدرت الفتاوى القاديانية بالمنع من نصرة المجاهدين في #أفغانستان
والعراق واعتبار جهادهم للحملة الصليبية إرهابا وفسادا في الأرض!
وصدرت الفتوى القاديانية بحرمة الجهاد إلا بإذن ولي الأمر الذي يخضع لحماية
الحملة الصليبية إلا الملا عمر أمير أفغانستان الذي دعا إلى الجهاد فلا طاعة له عندهم!
وكتبتُ حينها ردا على الفتوى الأولى في أربع مقالات في صحيفة "الرأي"،
ورددت على الفتاوى الأخرى بفتوى "الإعلام ببطلان اشترط الراية والإمام للجهاد"،
ومُنعت بعدها من السفر، ولفقت لي ثلاث قضايا أمن دولة! وحضر صحفي أمريكي لجلسة المحاكمة
وطلب تحديد لقاء معي بعد الجلسة، وتم في مكتب المحامي، وقال لي هل تعلم أنك تحاكم فقط
لأنك ترفض الاحتلال الأمريكي!
ونشرت بعدها بعض الصحف الأمريكية خبر محاكمتي وأنها تأتي في سياق التعاون
مع واشنطن لمكافحة التطرف والإرهاب!
وقد روج لهذه "العقيدة القاديانية" وتعاون على نشرها في الصحف
والقنوات الفضائية طيف واسع من ادعياء السلفية باسم السنة! ومن أدعياء الصوفية باسم
التسامح والإنسانية! ومن دعاة الحركات الإسلامية وشيوخها باسم الوسطية!
وصار الجيش الأمريكي يعد البرامج ويشرف على دورات إعداد الأئمة والخطباء
لمكافحة التطرف! وصارت مراكز الوسطية، ووزارات الأوقاف تشرف على تنفيذ هذه البرامج
الدينية، وصارت الولايات المتحدة تمنح الشهادات التقديرية لشيوخ القاديانية الذين تعاونوا
معها بعد غزوها بلدان المسلمين واحتلال أرضهم الذي قال فيه الشيخ أحمد شاكر: (أما التعاون
مع الإنجليز بأي نوع من أنواع التعاون، قلّ أو كثر، فهو الردّة الجامحة، والكفر الصّراح،
لا يقبل فيه اعتذار، ولا ينفع معه تأول، ولا ينجي من حكمه عصبية حمقاء، ولا سياسة خرقاء،
ولا مجاملة هي النفاق، سواء أكان ذلك من أفراد أو حكومات أو زعماء. كلهم في الكفر والردة
سواء، إلا من جهل وأخطأ، ثم استدرك أمره فتاب وأخذ سبيل المؤمنين، فأولئك عسى الله
أن يتوب عليهم، إن أخلصوا من قلوبهم لله لا للسياسة ولا للناس..).
وقال عنه الشيخ ابن باز: (وقد أجمع علماء الإسلام على أنَّ من ظاهر الكفار
على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم).
وأخذت "القاديانية الخليجية" تطوع أحكام الشريعة الإسلامية القطعية
وتحرف معاني نصوصها، لمصلحة الاحتلال الأمريكي الأوربي وتعاون حكوماتها الوظيفية معه،
وإضفاء الشرعية الدينية عليها، وفرغت نصوص الكتاب والسنة التي جاءت بوجوب العدل والقسط
والجهاد والحكم بما أنزل الله من مضامينها بالتأويل تارة، وبالإرجاء تارة، وبالاحتجاج
بالقدر تارة!
حتى برروا اليوم ما يجري في غزة بالقدر والأمر الكوني، وبعدم القدرة! وعطلوا
الأمر الشرعي بوجوب نصرتهم والجهاد دفاعا عنهم والبراءة ممن شارك الحملة الصليبية في
حصارهم وقتلهم مع العدو الصهيوني!