القاديانية الخليجية
والجذور التاريخية
(٣ - ١١)
بقلم: أ.د. حاكم المطيري
٢٩ / ٤/ ١٤٤٧هـ
٢١ / ١٠ / ٢٠٢٥م
تحولت القاديانية الهندية -برعاية بريطانية- من طائفة منبوذة عقائديا
من المسلمين إلى ثقافة دينية سياسية عامة لمسلمي الهند، تؤمن بمشروعية مسالمة
الاحتلال البريطاني وخدمته ورفض مقاومته، وذلك بعد هزيمة المسلمين والقضاء على
ثورتهم ضد بريطانيا سنة ١٨٥٧م!
فانحاز العلماء والمجاهدون منهم إلى أفغانستان وانعكس على كل أرض ما
ساد فيها من عقيدة، فاستعصت أفغانستان بعقيدة الجهاد والولاء والبراء على المحتل
البريطاني ١٩١٩م، ثم الروسي ١٩٧٩م، ثم الأمريكي الأوربي ٢٠٠١م، وتحررت أربع مرات
من الغزو الخارجي، بينما ظل المسلمون في الهند -وكانوا عشرة أضعاف عدد الأفغان-
يخضعون منذ ١٧٠ سنة وإلى اليوم لعدوهم البريطاني ثم الهندوسي، بعد أن غاب تماما عن
ثقافتهم الدينية والسياسية مفهوم الجهاد والولاء والبراء حتى بات الهندوس اليوم
يهددونهم بالتهجير من أرضهم -وهم نصف مليار مسلم- تماما كما طرد الأسبان مسلمي
الأندلس منها!
وبعد نجاحها في الهند أعادت بريطانيا استنساخ تجربتها في مصر بعد
احتلالها سنة ١٨٨٢م والقضاء فيها على ثورة عرابي، فلم يمض وقت حتى غدت الثقافة
القاديانية المسالمة للمحتل البريطاني هي التي تصوغ الوعي الإسلامي في مصر ونخبها
الدينية والسياسية على حد سواء، خاصة بعد ترجمة مقالات السير أحمد خان ونشرها في
مصر كأحد المجددين ورواد النهضة في الهند بدعوته للتسامح والمسالمة، وراجت رواجا
واسعا برعاية بريطانية؛ للتصدي لكل من يدعو إلى الثورة والجهاد في مصر بعد القضاء
على ثورة عرابي فيها، ومحاكمة كل من شارك في الثورة وقتله أو حبسه أو نفيه!
وبسبب شيوع هذه الثقافة القاديانية في مصر بقيت تحت الاحتلال البريطاني
أكثر من سبعين سنة حتى شارك ١٠٠،٠٠٠ مصري في التجريدة المصرية تحت قيادة الجنرال
البريطاني أدموند اللنبي في احتلال القدس والشام ١٩١٧م كما شارك نحو مليون مصري في
الحرب العالمية الثانية في خدمة الجيش البريطاني ١٩٣٩ - ١٩٤٥م!
وقد راجت -برعاية بريطانيا ثم أمريكا ودولها الوظيفية خاصة بعد معاهدة
كامب ديفيد ١٩٧٨م- هذه القاديانية كفكرة ثقافية دينية سياسية، لا ترى في الخضوع
للحملة الصليبية والاحتلال البريطاني ثم الأمريكي ما يصطدم بعقيدة التوحيد والولاء
والبراء، ولا ما يوجب مقاومته ورفضه، ولا ما ينافي السيادة والاستقلال أصلا!
حتى صار نحو نصف مليار عربي مسلم اليوم كإخوانهم في الهند يؤمنون
بالقاديانية السياسية، ولا يرون في قواعد الحملة الصليبية الممتدة على كل خريطة
العالم العربي من عمان شرقا حتى موريتانيا غربا ما ينافي سيادتهم واستقلالهم، ولا
ما يتعارض مع قطعيات دينهم؛ بينما هي تحاصر غزة وتبيد شعبها!
وبدأ تبلور العقيدة القاديانية الخليجية بعد التدخل العسكري الأمريكي
المباشر سنة ١٩٩٠م -بعد سقوط الاتحاد السوفيتي الروسي- وحاجة هذا الوجود العسكري
لخطاب ديني يسوّغ استمراره ويمنع من مقاومته -بعد انتهاء مهمته في الكويت التي صدرت
حينها الفتاوى بالاستعانة به اضطرارا- حيث بدأ المصلحون يحذرون من خطورة استمرار
هذا الوجود العسكري الأمريكي الذي يصطدم بعقيدة الولاء والبراء، فبدأ يتشكل خطاب
ديني مضاد غير مسبوق باسم السنة والسلفية يؤكد شرعية استمرار هذا الوجود؛ لأن ولي
الأمر يرى المصلحة في ذلك! ليتحول وجوده من حال ضرورة تقدر بقدرها إلى وضع طبيعي
دائم لا يتنافى مع عقيدة التوحيد والولاء والبراء!
فبدأ الجدل يدور حول "ولي الأمر" وحدود "السمع
والطاعة"، ووجدت القاديانية بغيتها في هذا الأصل ليتحول فجأة "ولاة
الأمر" من عباد لله يجب عليهم طاعته واتباع شرعه والحكم بما أنزل إلى
"آلهة" تجب طاعتهم والتقرب إلى الله بذلك مهما عصوا الله ورسوله! وعدم
الاعتراض عليهم مهما أحلوا وحرموا فلا يُسألون عما يفعلون! وتعبيد الناس لهم،
واستباحة سجن وقتل من عارضهم ولو بالكلمة بدعوى أن أول الخروج الكلمة! وبدأ دعاة
القاديانية ينبشون في التراث عن كل نص يؤيدهم حتى انتهوا إلى وجوب طاعة بول بريمر
في العراق! وعبادة الطاغوت نفسه! وجعلوا طاعته أصل الدين والتوحيد وكل فساد في
الأرض هو بسبب عصيانه والخروج عليه! وطاعة الله ورسوله تبعا لطاعته فمن أطاعه فقد
أطاع الله ورسوله!
وعطلت القاديانية كل نصوص توحيد الله في حكمه وشرعه وطاعته، وصار
الطاغوت الذي أوجب الله الكفر به ﴿فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك
بالعروة الوثقى﴾، وحرم التحاكم إليه ﴿يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن
يكفروا به﴾؛ هو ذاته المستحق للولاية والطاعة والاتباع ﴿والذين كفروا أولياؤهم
الطاغوت﴾، وصار جهاده في سبيل الله مروقا من الدين، بل أوجبوا القتال تحت رايته
وفي سبيله ﴿والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت﴾، وصارت طاعة أولياء اليهود
والنصارى فرضا بعد أن كانت كفرا ﴿ومن يتولهم منكم فإنه منهم﴾!