اللهَ اللهَ في أصحابي!
أ.د. حاكم المطيري
الأمين العام لمؤتمر الأمة
١٩ / ٤ / ١٤٤٧هـ
١٠ / ١٠ / ٢٠٢٥م
هكذا أوصى النبي ﷺ أمته بأصحابه رضي الله عنهم، فحبهم وتوقيرهم من حبه وتعظيمه ﷺ وتوقيره، وقد نفى الله عنهم كل وصف مذموم شرعا وعرفا، فوصفهم بكمال الرشد
فقال: ﴿حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك
هم الراشدون . فضلا من الله ونعمة﴾ ومدحهم بأبرز صفاتهم وأن أمرهم شورى بينهم فقال
عنهم: ﴿استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم﴾.
قال ابن عطية في تفسيره: (مدح لكل من آمن بالله وقبل شرعه، ومدح تعالى
القوم الذين أمرهم شورى بينهم، لأن في ذلك اجتماع الكلمة، والتحاب، واتصال الأيدي،
والتعاضد على الخير، وفي الحديث: "ما تشاور قوم إلا هدوا").
وأكمل الصحابة رشدا، وأقومهم هدىً: الخلفاء الراشدون، كما قال عنهم النبي
ﷺ: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي).
وأفضلهم على الإطلاق الصديق وهو أشبههم برسول الله ﷺ هدى وتقوى حتى قال ﷺ: (لو
كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا) فلولا أنه ﷺ خليل الله لكان أبو بكر خليله.
فلا يوصف أحد منهم بغير ما وصفه الله ورسوله ﷺ، وقد تولى أبو بكر الخلافة بالشورى والرضا بلا إكراه ولا إجبار ولا استبداد،
وساسهم بالشورى كما ساسهم رسول الله ﷺ، ولم يكن أحد أكثر منه ﷺ مشاورة لأصحابه، وقد أجمع الصحابة على بيعة أبي بكر في السقيفة، ثم بايعوه
البيعة العامة في المسجد، عملا بما أوجب الله عليهم من الشورى، وهي حق الأمة في اختيار
الإمام بالشورى، والتزام رأي الأكثر عند الخلاف، وقد اعتذر علي عن تأخره عن بيعة أبي
بكر رضي الله عنهما بما توهمه من الاستبداد بقوله كما في الصحيح: (قد عرفنا يا أبا
بكر فضيلتك وما أعطاك الله، ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله إليك، ولكنك استبددت علينا
بالأمر، وكنا نحن نرى لنا حقا لقرابتنا من رسول الله ﷺ فلم يزل يكلم أبا بكر حتى فاضت عينا أبي بكر، فلما تكلم أبو بكر قال:
والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله ﷺ أحب إلي أن أصل من قرابتي، وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال
فإني لم آلُ فيها عن الحق، ولم أترك أمرا رأيت رسول الله ﷺ يصنعه فيها إلا صنعته، [إني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ] فقال
علي لأبي بكر: موعدك العشية للبيعة، فلما صلى
أبو بكر صلاة الظهر رقي على المنبر، فتشهد
وذكر شأن علي وتخلفه عن البيعة، وعذره بالذي اعتذر إليه، ثم استغفر، وتشهد علي بن أبي
طالب فعظم حق أبي بكر، وأنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبي بكر، ولا إنكارا للذي
فضله الله به، ولكنا كنا نرى لنا في الأمر نصيبا، فاستُبد علينا به، فوجدنا في أنفسنا،
فسر بذلك المسلمون، وقالوا أصبت، فكان المسلمون إلى علي قريبا حين راجع الأمر المعروف..).
فقد توهم علي رضي الله عنه -وكان شابا حينها- بأنه كان ينبغي التريث حتى
يحضر الشورى، ولم ير ذلك كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار الذين اجتمعوا في السقيفة،
ولا عامة المسلمين الذين بايعوا في المسجد، إذ ليس من شرط الشورى حضور كل أهل الحل
والعقد -كما توهم علي وظنه اُستبد بالأمر دونه- بل رأوا بأنه إذا حضر الأكثر، فليس
لمن تخلف عنهم الاعتراض عليهم، ولهذا اعتذر علي، وقبل الصحابة عذره، وبهذا احتج علي
نفسه رضي الله عنه وهو خليفة، وخطب فقال: (إنما بايعني الذين بايعوا أبا بكر وعمر،
فما كان للغائب أن يرد، ولا للشاهد أن يختار)!
وكذا لم يستبد أبو بكر في قتال أهل الردة بل ما زال يحاجج عمر بمحضر الصحابة
حتى أجمعوا على القتال، فكان إجماعا بعد محاورة وجدل وحجاج، فلم يلزمهم أبو بكر برأيه
منفردا، ولم يقاتلوا معه مكرهين على طاعته، بل قاتلوا حين استبان لهم أنه الحق.
والاستبداد بالرأي والمستبد مذمومان شرعا وعقلا، ومن يوصف به ظالم جائر،
سواء استبد بالأمر وتولى الإمارة بلا شورى ورضا الأمة، أو تولاها بالشورى ثم استبد
بالرأي دونهم وحملهم على ما لا يرون، ولهذا قال عمر: (من بايع رجلا دون شورى المسلمين
فلا بيعة له ولا الذي بايعه، تغرة أن يقتلا) فجعل حكمهما القتل لا الطاعة لهما!
وقال ابن عطية: (الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، ومن لا يستشير
أهل العلم والدين فعزله واجب، لا اختلاف فيه).
وقال ابن خويز: (واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون، وفيما
أشكل عليهم من أمور الدين، وفيما يتعلق بمصالح العباد والبلاد).
والمستبد وصف على وزن اسم فاعل وهو الذي اتصف بالاستبداد بالرأي وتركِ
الشورى، حتى صار موصوفا به وهو في العرف المعاصر أيضا وصف ذم لا وصف مدح، فليس المستبد
هو الحازم، بل هو الذي لا يشاور أحدا، أما الحازم فهو الذي يشاور ثم يعزم على ما انتهت
به الشورى كما أمر الله نبيه ﷺ: ﴿وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله﴾.
وكما أوصى النبي ﷺ بأصحابه، أوصى بإخوانه الذين يأتون بعده يؤمنون به ولم يروه يعرفهم بآثار
الوضوء غرا محجلين، فالله الله بهم حبا ورحمة ونصحا!