السبئية والماسونية
وتفجير المجتمعات الإسلامية
أ.د. حاكم المطيري
الأمين العام لمؤتمر الأمة
١٤ / ٤ / ١٤٤٧ هـ
٦ / ١٠ / ٢٠٢٥م
السبئية حركة باطنية سرية استفادت من الخلاف بين الصحابة في أواخر عهد
عثمان فسعت إلى تفجير المجتمع الإسلامي من الداخل، وكان هدفها ألا تتحقق أي وحدة بين
مكونات الأمة بتأجيج الصراع فيما بينها، كما جرى حين كاد علي وطلحة رضي الله عنهما
أن يصطلحا قبل معركة الجمل، فأجج السبئية الحرب بينهما.
وقد ظلت هذه الحركة -كفكرة وهدف وأسلوب- تظهر في كل عصر حتى ألف ابن تيمية
لوأد فتنتها (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) لمنع تفريق صف الأمة وهي تواجه الحملات
المغولية والفرنجية!
إلا أنها باتت في هذا العصر برعاية
الحملة الصليبية ودولها الوظيفية، فهي التي تصنعها على عينها، وتنفخ في نارها كلما
خبت وكادت تنطفئ!
ولعل أوضح تجلياتها ما جرى بعد الاحتلال الأمريكي للعراق ٢٠٠٣ ثم أثناء
ثورات الربيع العربي في موجته الأولى ٢٠١١ - ٢٠٢٤ من توظيف الحركات السبئية لمواجهة
قوى المقاومة والثورة، وكان للنظام الإيراني والنظام العربي دور خطير في صناعتها ورعايتها!
وكانت من أخطر أدوات المحتل الأمريكي في حصار الشعوب العربية، وتفجير الصراع
الطائفي ثم المذهبي، وضربها ببعضها لتنشغل بنفسها عن مقاومته؛ لفرض خرائط الشرق الأوسط
الأمريكي، وتقسيم المنطقة على أساس ديني طائفي ومذهبي -بدلا من التقسيم البريطاني لها
على أساس قومي ومناطقي- حيث زادت فجأة بعد
الغزو الأمريكي لاحتلال العراق حدة الصراع الطائفي بين السنة والشيعة بتفجير جامع سامراء!
في مناطق لم تكن تعرف الطائفية من قبل، لمجرد أنها قاومت المحتل الأمريكي في العراق!
أو أرادت العدل والحرية في سوريا واليمن ومصر!
ثم زادت فجأة الفتنة -بعد الربيع العربي- بين الطائفة الواحدة والمذهب
الواحد في كل بلد كما بين الشافعية في الشام من السلفية والأشعرية! وفي الخليج بين
الحنابلة والحنابلة الجدد! وفي مصر بين الصوفية وأهل الحديث! وفي العراق بين النواصب
الجدد وجميع المذاهب!
وبلغت صولة هذه الفئة -المفتونة المشبوهة- على الأمة ودينها وتاريخها أن
اجترأت على الصحابة حتى لم يسلم أحد منهم! ثم صالت على الأئمة، وكفرتهم، وطعنت بهم،
ابتداء من سعيد بن جبير، وأبي حنيفة، وأحمد، حتى النووي، وابن تيمية، وابن حجر، والسيوطي!
فلم يبق إمام لم يجرحه هؤلاء السبئية
ولم يطعنوا به!
ثم صالوا على الصحيحين ورجالهما طعنا وتشكيكا!
وقد رفعت هذه الحركات السبئية كل الشعارات بحسب كل معركة وأهدافها وأدواتها
فتارة باسم نصرة آل البيت! وتارة باسم نصرة السلف! وتارة باسم نصرة السنة!
بينما المستفيد الوحيد من كل نشاطها المشبوه هو المحتل الأمريكي!
وهناك جامع مشترك بين هذه المجموعات الدينية المشبوهة وهو:
١- الطابع السري الخفي لمن يقف وراءها حتى لا يكاد يعرف تاريخ رؤوسها!
ولا عمّن أخذوا العلم أو مَن أجازهم وأذِن لهم بالتعليم؟ ولا مَن هي الجهات التي ترعاهم
وتحول دون منع نشاطاتهم مع أنهم في دول تنص قوانينها على حماية الوحدة الوطنيةـ وتجرم
الطعن بالرموز الدينيةـ ومع ذلك ينشط هؤلاء فيها نشاطا مشبوها لا يتصور بلا رعاية وإذن
منها!
٢- يكاد يكون نشاطها منحصرا فقط في القضايا التي تثير الخلاف والفتن وتفجر
المجتمعات من الداخل، وهو يؤكد طبيعة المهمة التي تقوم بها وأوكلت إليها! فالحركات
الإسلامية والجماعات الدينية التقليدية تقوم عادة بمهمة دعوية تخدم المجتمع، وتعزز
الأخوة فيما بين فئاته وقيم التراحم والتكافل فيه، ونشر الفضيلة، وقد يكون من أنشطتها
الرد على مخالفيها أحيانا، أما هذه الفئات السبئية؛ فليس لها نشاط منذ ظهورها إلا إثارة
الفتن التي تخدم الدول الوظيفية والمحتل الخارجي بشكل مباشر!
٣- أن كل كتاباتها وأنشطتها الإعلامية
تدور حول قضيتين خطيرتين تخدم أهداف الحملة الصليبية وتكرس وجودها هما:
- "التفجير" لقضايا "التكفير" بدعوى حماية العقيدة!
-والتحذير من "التغيير" بدعوى اتباع السنة والطاعة للأئمة!
وفي الوقت الذي يتظاهر شيوخ السبئية بالغيرة والحمية على الدين والعقيدة
والسنة حتى كفروا أبا حنيفة والنووي وابن تيمية إذا هم يرون الطاغوت الكافر ولي أمر
تجب طاعته، والمحتل واقعا لا قدرة على مقاومته!
٤- استهداف العلماء والمصلحين المعاصرين بالتشهير والإسقاط والتحذير من
كتبهم بحيث لا تبقى للأمة ثقة بهم فيسهل ترويج باطلهم لدى أتباعهم.
وهذا لا ينفي وجود خلاف طائفي ومذهبي في الأمة منذ القرن الأول وأن في
كل طائفة ومذهب متنطعين أو مهووسين دينيا أو دجالين يستفيدون من تأجيج الخلاف كسبا
للأتباع والمال والشهرة!
كما لا ينفي دور وسائل الإعلام والتواصل في تنامي هذه الظاهرة، فصارت الإثارة
الإعلامية والبحث عن الشهرة فتنة في حد ذاتها، استجرت وجرأت (حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام)
على اتخاذ الأئمة الأعلام وعلماء الإسلام غرضا مباحا وعرضا مستباحا!