معركة الأمة
بين ١١ سبتمبر و٧ أكتوبر
بقلم: أ.د. حاكم المطيري
٢٨/ ٤/ ١٤٤٥هـ
١٢/ ١١/ ٢٠٢٣م
عبّر الإعلامي والكاتب القدير أسعد طه -في مقاله "معركتي الخفية"- عن حال الشك التي كشف زيفها
الواقع المرير منذ بدء معركة غزة لتبدأ معها المعركة الخفية في نفس كل مسلم وهو
يشاهد آلاف الأطفال والنساء يقتلون ويهجّرون من ديارهم على مرأى ومسمع من ٥٠٠
مليون عربي وألفي مليون مسلم لا يستطيعون الدفع عنهم أو إغاثتهم أو تزويدهم بالماء
والدواء!
وهي أحداث كبرى تجعل كل مسلم بعد معركة غزة
يعيد النظر في
حاله وواقعه وأفكاره ويسأل نفسه هل نحن مؤمنون حقا؟
كيف عجز مليارا مسلم عن نصرة إخوانهم في غزة وفك الحصار عنها وهم
أكثر الأمم عددا وعدة ودولا؟
ومن أين أوتيت الأمة وشعوبها؟
وما سبب هذا العجز الفاضح بعد سبعين سنة من الاستقلال الموهوم!
وكأنما الزمن قد توقف عند مذبحة دير ياسين سنة ١٩٤٨م فلم يطرأ على
حال الأمة شيء منذ تلك اللحظة إلى اليوم!
لمَ تخلت الأمة وشعوبها عن فريضة الجهاد حتى صار عدوها يغزوها في عقر
دارها ويحتل أرضها ويهجر شعوبها؛ فلا يرى في ذلك عدوانا ولا خرقا للنظام الدولي
بينما لا ترى هي الدفع عن نفسها ولا جهاده إلا وفق شروطه وحدوده وقراراته وإلا
وصمها بالإرهاب حتى صارت بلدانها نهبا لحملاته الصليبية باسم الشرعية الدولية!
فالكفار يغزونها كافة ويدا واحدة وهي تقاتلهم فرادى والله يقول:
﴿وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة﴾.
لم تخلت الأمة عن الجهاد وقد كتبه الله عليها كما كتب عليها الصوم
والحج والصلوات الخمس وتولت عنه حين أوجبه الله عليها فرض عين كما تولى عنه
الظالمون من قبل ﴿قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا
نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا
إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين﴾؟
كيف انحازت الأمة بدولها وجماعاتها بعد ١١ سبتمبر للعدو التاريخي لها
وشاركته حملته الصليبية لاحتلال أفغانستان وتدميرها وحصارها وقتل شعبها وتهجيره
تحت شعار مكافحة الإرهاب ثم تدمير العراق تحت شعار منع أسلحة الدمار الشامل!
وكيف صدقته جماعات إسلامية كبرى وتعاونت معه لإقامة الديمقراطية
فيهما بعد احتلالهما وروجت لمشروعه في المنطقة باسم الاعتدال والوسطية! حتى إذا
جاء يوم ٧ اكتوبر وأعاد الاعتبار ليوم ١١ سبتمبر واستحسنت منه ما استقبحته من قبل؛
فإذا هي قد أُكلت يوم تخلت عن أفغانستان وعن طالبان وأولياء الرحمن واتبعت سبيل
الشيطان باسم الحرية وحقوق الإنسان!
﴿الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل
الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان﴾!
فإن لم يكن سبيل أمريكا وحملتها الصليبية الإلحادية الإباحية على
العالم الإسلامي هو سبيل الطاغوت، والانحياز إليها هو انحياز إلى خندق أولياء
الشيطان الذي يجب التوبة والبراءة منه؛ فما سبيله الذي حذرنا منه القرآن؟
لمَ استرخص العرب المسلمون دماء إخوانهم في أفغانستان عشرين سنة منذ
سنة ٢٠٠١ حتى لا يكاد يبكي لهم وعليهم أحد، وكانت مشاهد قتل الأطفال والنساء في
أفغانستان كمشاهد غزة اليوم لا فرق بين المشهدين إلا في الزمن فغزة اليوم
وأفغانستان بالأمس، وهو فرق لا قيمة له في ميزان الله!
كيف شارك المسلمون عامة والعرب خاصة في الفساد الكبير الذي حذرنا منه
القرآن ليكون الضحية المستضعفين من إخوانهم في غزة وفي إدلب كما قال الله: ﴿والذين
كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه﴾ أيها المؤمنون بأن تتعاملوا على أساس أنكم أمة
واحدة ولايتكم لله ورسوله والمؤمنين كما أن الكفار كلهم ملة واحدة يوالي بعضهم
بعضا ﴿تكن فتنة﴾ للمؤمنين المستضعفين واضطهاد في كل بلد بتوليكم أعداءكم من الكفار
﴿وفساد كبير﴾ في الأرض كما نراه اليوم حيث انقسم المسلمون بين أولياء أمريكا
وأولياء روسيا!
ولم يقبل الله جهاد أحد حتى لا يكون له وليجة وفئة من قبيلة أو حزب
أو جماعة أو دولة يجعل لهم ولاية دون ولاية الله ورسوله والمؤمنين جميعا ﴿أم حسبتم
أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا
المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون﴾ [التوبة: ١٦].
فما أحوج الأمة كافة والعرب خاصة إلى توبة جماعية من هذه الغثائية
وهذا الوهن الذي عرفه النبي ﷺ بقوله: (حب الحياة وكراهية القتال) ﴿وتوبوا إلى الله جميعا أيه
المؤمنون لعلكم تفلحون﴾ [النور: ٣١].