إبادة غزة
بين ضرورة "الخلافة"
و"اتحاد" الضرار!
بقلم: أ.د. حاكم المطيري
الأمين العام لمؤتمر الأمة
٦ / ٤/ ١٤٤٧هـ
٢٨ / ٩/ ٢٠٢٥م
أثبت الحصار الصهيوني الأمريكي على غزة وعجز ٥٧ دولة عربية وإسلامية وشعوبها
وجماعاتها كلها عن فك الحصار عنها ووقف إبادة شعبها وإنقاذ نسائها وأطفالها -حتى هرع
الجميع إلى قيصر الروم يستجدونه وقف المذبحة- ضرورة وحدة الأمة وضرورة استعادة مشروع
الخلافة الواحدة التي سقط بسقوطها العالم الإسلامي كله تحت احتلال الحملة الصليبية
وما يزال! ولن يتحرر إلا بمشروع الأمة الواحدة والخلافة الراشدة.
وفي الوقت الذي كانت فيه غزة أحوج ما تكون إلى وحدة صف الأمة وشعوبها
والوقوف معها -ولو بالحد الأدنى إعلاميا وشعوريا- فاجأها شيوخ "الاتحاد العالمي
لعلماء المسلمين" بما زاد من فرقتها وشق صفها بإثارة الجدل بين علمائها ودعاتها
حول شرعية الخلافة وإثارة الشك فيها ونفي وجوبها!
وقد تكررت هذه الإثارة للفتنة من شيوخ الاتحاد فأثارها سابقا د.الريسوني
رئيس الاتحاد السابق فادعى بأن الخلافة ليست من الدين ولا في القرآن والسنة ما يفيد
وجوبها! وما أثاره هذه الأيام فضيلة الشيخ الددو حولها!
وكان ينتظر من الشيخ الددو وشيوخ الاتحاد ما يزيل اللبس، ويطفئ نار الفتنة
وما يفيد أنه أسيء فهم كلامه، وأنه لا ينفي كون نظام الخلافة الراشدة وأحكامها هو ما
شرعه الإسلام للأمة ونظامها السياسي بعد النبوة، وأن الأمة في حكم الإسلام واحدة، والدولة
واحدة، والرئاسة العامة واحدة، كما قال الإمام الشافعي في الرسالة ص ٤١٨: (وما أجمع
المسلمون عليه: من أن يكون الخليفة واحدا، والقاضي واحد، والأمير واحد، فاستخلفوا أبا
بكر، ثم استخلف أبو بكر عمر، ثم عمر أهل الشورى ليختاروا واحدا..).
ولوضوح هذا الأصل وهو الفرق بين الخليفة والإمام العام للمسلمين ومن هو
دونه من الولاة كالسلطان والأمير قال الإمام أحمد حين سئل عن حديث: (من مات وليس في
عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)، فقال: (أتدري من ذاك؟ ذاك الإمام الذي يقول المسلمون كلهم
هذا هو الإمام)..
وتختاره الأمة بالشورى والبيعة والرضا بلا تنازع ولا تغالب، كما في بيعة
العقبة الثانية وهي الأساس الذي قامت عليه الدولة الإسلامية وفي الصحيح من حديث عبادة:
(بايعنا رسول الله على السمع والطاعة، وألا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم أو نقول بالحق
حيث كنا، لا نخاف في الله لومة لائم، إلا أن تروا كفرا بواحا)، فتأسست الدولة في الإسلام
على عقد البيعة، وبالرضا والاختيار، بلا إكراه ولا إجبار، وساس النبي ﷺ أمور الأمة بالشورى كما فرضها القرآن في قوله تعالى: ﴿وشاورهم في الأمر﴾،
وقال: ﴿وأمرهم شورى بينهم﴾، وهذا الأمر القرآني بالشورى بيّنه النبي ﷺ لهم أوضح بيان في كل ما سنّه لهم من أحكام في باب الإمارة وسياسة شئون
الأمة، حتى خطب عمر في الصحابة كما في صحيح البخاري فقال: (الإمارة شورى بين المسلمين
من بايع رجلا دون شورى المسلمين فلا بيعة له ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا)، وأجمع
الصحابة على قوله هذا لما عرفوه من حقيقة الشورى كما بينها لهم النبي ﷺ، وأنها اختيار الأمة للإمام العام بالاتفاق أو بالأكثرية، وأنه لا توارث
ولا تنازع فيها، وأنها خلافة راشدة، لا ملك
فيها ولا ملوك، كما قال ابن حزم: (وأجمعوا أنه لا يدخلها التوارث)، لقول النبي ﷺ في الصحيحين: (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء وإنه لا نبي بعدي وسيكون
خلفاء فأوفوا بيعة الأول فالأول)، وقال في صحيح مسلم: (إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الثاني
منهما)، وقال كما في الصحيحين: (لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا إلى اثني عشر خليفة)،
وقال كما في السنن بإسناد صحيح: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي).
وقد جعل النبي ﷺ وحدة الأمة وتوحيدها السياسي قرين توحيدها الديني الإيماني فقال كما في
الصحيح: (إن الله يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا
ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم).
فهل للاتحاد رأي في قضية الخلافة ووجوبها يخالف ما أجمع عليه الصحابة
في شأنها وأنها فرض وواجب بل قال القرطبي في تفسيره ١/ ٢٦٤: (ركن من أركان الدين الذين
به قوام المسلمين) وأنه (لا خلاف في وجوبها بين الأمة ولا بين الأئمة)؟
وهل يرى الاتحاد بأن افتراق الأمة إلى دويلات ضعيفة تخضع للحملة الصليبية
وقواعدها العسكرية أمر جائز؟
وهل عجز الأمة اليوم يسقط وجوب اتحادها في المستقبل حال القدرة والاستطاعة؟
وإذا كان الاتحاد يرى وجوب وحدة الأمة ودولها واعتصامها بحبل الله كما
قال تعالى: ﴿واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا﴾، وقال: ﴿ولا تكونوا كالذين تفرقوا
واختلفوا﴾ وهو الافتراق الذي أدى إلى سقوط دويلات الأندلس دويلة دويلة حتى ذهبت ريحهم
وزال الإسلام منها بالكلية؛ فلمَ يصر الاتحاد على إضفاء الشرعية على الواقع الجاهلي
الذي فرضته الحملة الصليبية بمشروع سايكس بيكو ودويلاته الوظيفية! ويصر في المقابل
على رفض الخلافة الإسلامية؟