كتاب نهضة أمة
- الجزء الثاني -
الحركات الإصلاحية
بين الواقعية والأدوار الوظيفية
بين يدي الجزء:
اللهم إنا نسألك الثبات على الحق، والعزيمة على الرشد، والصواب في الرأي،
والعدل في القول..
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها مولاها..
فهذا الجزء الثاني من كتاب "نهضة أمة"؛ جاء إكمالا للجزء الأول
الذي خصص لدراسة تاريخ نهضة الأمة المعاصرة في طورها الأول، وروادها، ودور جمعية العروة
الوثقى والجامعة الإسلامية، في قيادة حركة المقاومة للمحتل الأوربي في العالم الإسلامي،
وظهور حركة المسالمة برعاية بريطانيا وفرنسا، وكيف استطاع المحتل الغربي عزل السلطان
عبدالحميد، واغتيال رواد النهضة، أو سجنهم، أو نفيهم، وتتويج ذلك بإلغاء الخلافة نفسها،
وتقاسم أقاليمها؛ ليبدأ الطور الثاني من أطوار نهضة الأمة وظهور قادة جدد في ظل غياب
الخلافة، وسقوط الدولة، تحت حكم الاستعمار الغربي الذي استطاع ملء الفراغ السياسي بالدول
والقوى الوظيفية، واغتيال وسجن وحصار كل من يقاومه، وظهور الحركة الإسلامية المعاصرة
-التي جعلت هدفها استعادة الخلافة، واستئناف الحياة الإسلامية من جديد- ابتداء بالشهيد
حسن البنا، وانتهاء بالشهيد سيد قطب، وكيف تعامل معها المحتل، وهي الفترة التي خصص
لها هذا الجزء الثاني، والذي سيليه بإذن الله الجزء الثالث، عن الطور الثالث الذي دمج
النظام الدولي الغربي فيه الحركة الإسلامية في النظام العربي الوظيفي، لتعزيز شرعيته
السياسية والدينية، منذ سنة ١٩٧٠م حتى اليوم، وكيف أعاد إنتاجها من جديد كما يريد!
وليس الهدف من هذه الدراسة اتهام أحد ممن ترد شهادتهم فيها وإدانته، أو
تزكيته وتبرئته، فقد أفضى الجميع إلى ما قدموا، وهم الآن بين يدي ملك حق لا يُظلم عنده
أحد، وكل نفس بما كسبت رهينة، وتلك أمة قد خلت لها ما كسبت، وقد كانوا ضحايا واقع أكبر
منهم، في ظل انهيار الأمة وسقوطها، أمام الحملة الصليبية وجيوشها، وقد حاولوا الإصلاح
بحسب المتاح لهم، وبحسب تصورهم لأزمة الأمة وشعوبها، والمخرج منها، دون إدراك عميق
لطبيعة الدول الوظيفية التي وجدوا أنفسهم فيها، وأسرى لها، وسجناء بين جدرانها!
فالمراد هو كشف حقيقة الدولة العربية
الوظيفية التي أسستها الحملة الصليبية على أنقاض الخلافة العثمانية بعد الحرب العالمية
الأولى، وكيف أدارت شئونها وما تزال تديرها، عبر إعادة بناء منظومة القوى السياسية
والاجتماعية والدينية على نحو يخدم وجود هذه الدول الوظيفية، واستمرار نفوذ الحملة
الصليبية نفسها التي أسستها، مهما رفضت هذه القوى شكل السلطة فيها، أو عارضت سياستها،
بحيث أصبحت هذه القوى التي ولدت من رحمها جزءا من هذه الدول الوظيفية تحمي وجودها وتدافع
عن تجزئتها!
ثم كيف أعادت "الحكومة العالمية" في الحرب العالمية الثانية
هندسة هذه الدول والجماعات تحت نفوذها لتواكب هذه القوى المحلية النظام العالمي الجديد،
وليصبح التنافس بينها هو في الانحياز لإحدى جناحي هذا النظام الدولي، الرأسمالي الغربي،
والشيوعي الشرقي، تحت قيادة "الحكومة العالمية" التي أدارت العالم بقطبيه
بعبقرية فذة ووحشية قذرة!
وكيف يتحول الثوار من أجل التحرير في هذه الدول الوظيفية من حيث يشعرون
أو لا يشعرون إلى بيادق على رقعة الشطرنج التي يديرها المحتل الدولي، لتصبح أقصى أمانيهم
أن يعيدوا إنتاج السلطة في دول وظيفية فاقدة أصلا للسيادة، ويعيدوا ترميم بنائها من
جديد كلما انهارت، مع كل ما يقدمونه من تضحيات، وما يقع بينهم من تصفيات للوصول إلى
السلطة أو المشاركة فيها، دون إدراك لطبيعة هذه الدول التي لم يكن للأمة وشعوبها يد
في إيجادها أصلا فضلا عن إدارتها!
وبالنظر لواقع مصر -التي عقد تشرشل فيها مؤتمره بالقاهرة سنة ١٩٢١ لتأسيس
النظام العربي الوظيفي، وجعلها مركزا لإدارة المنطقة العربية كلها- ومعرفة كيف أدارت
بريطانيا ثم أمريكا شئونها؛ يمكن فهم المشهد في كل بلد عربي، فتكاد هذه الظاهرة تتكرر،
والمشهد يعاد عرضه في كل بلد وبالقوى السياسية والجماعات الإسلامية نفسها التي وجدت
وولدت مع ولادة هذه الدول العربية الوظيفية!
وليس شأن مصر شأنا محليا يخص المصريين وحدهم، بل هو شأن العالم العربي
كله، شاءوا أم أبوا، فسقوط مصر هو سقوط للمنطقة وشعوبها، ونهضتها نهضة للمنطقة كلها،
وكل معركة تحرير للأمة لا تبدأ منها وتنتهي بها فلن تؤتي أكلها، فهذا قدر الأمة وقدرها،
فالجميع يدفع ثمن احتلالها، كما يجني ثمار تحررها واستقلالها!
... إن الهدف من هذه الدراسة هو ترشيد ثورة الشعوب العربية وهي تشهد انهيار
النظام العربي الرسمي ورديفه الشعبي بأحزابه العلمانية وجماعاته الإسلامية؛ حتى لا
يتكرر سيناريو إعادة إنتاجه مرة أخرى كما حدث بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد اتفاقية
كامب ديفيد، باسم الثورة والشعب تارة، وباسم الديمقراطية والحرية تارة أخرى!
وكتبه أ.د. حاكم المطيري
يوم الخميس 12 / 8 / 1445هـ
الموافق 22 / 2/ 2024م
تنزيل الكتاب
