"القول المبين"
في معرفة الإمامة
والأئمة في الدين
بقلم أ. د. حاكم المطيري
الحمد الله وكفى، وصل اللهم على
نبيك الهادي المصطفى، وبعد ..
فقد وصل سؤالك -وفقك الله لما يحبه ويرضاه- عن حكم من يطعن في بعض الأئمة
كأبي حنيفة، والنووي، وابن تيمية، وابن حجر، وغيرهم من الأئمة، وربما فسّقهم، أو كفرهم،
ونفى عنهم صفة الإمامة في الدين، وربما نسب ذلك إلى أهل السنة! واحتج بكلام بعض معاصريهم
فيهم، أو ببعض ما وقع منهم من خطأ في مسائل علمية، بدعوى أن بيان حالهم واجب شرعا لحماية
الدين من الابتداع؟ فما القواعد الضابطة لمعرفة الأئمة في الدين، وحقيقة الإمامة فيه،
وإثباتها أو نفيها عن أحد؟ وحقوقهم الواجبة لهم شرعا على الأمة؟
فأقول وبالله التوفيق:
الإمام أبو حنيفة، والنووي، وابن تيمية، وابن حجر من أئمة الدين، ومن خيار
علماء المسلمين، بل استقر الإجماع على اعتبار خلاف أبي حنيفة في الدين، وأنه لا إجماع
بدونه، وهذا إجماع علمي وعملي مقطوع به، ولا يتصور ذلك لغير إمام يستحق الإمامة في
الدين حقا شرعا وقدرا، فالإجماع من حجج الشرع، وأدلته القطعية، فمن لا ينعقد دليل الشرع
إلا بموافقته، لا يكون إلا إماما فيه، ولا يضره كلام معاصريه، ولا يحتج به عليه، كما
لم يضر كلام الصحابة بعضهم في بعض في زمن الفتنة، بعد تعديل الله لهم، ويحرم على من
جاء بعدهم الاحتجاج به عليهم، وقد وقع بينهم ما هو أشد من الكلام والخلاف في الرأي،
ومع ذلك قرر الصحابة، وبعدهم أئمة التابعين عامة، وأئمة السنة كافة - عملا بالكتاب
والسنة وبما أمر به كل من جاء بعدهم - كف الألسن عنهم، وحفظ مكانتهم، وقدرهم، والثناء
عليهم، والدعاء لهم، كما قال تعالى ﴿والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا
الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم﴾ [الحشر:
١٠].
وهذا الأمر عام يشمل كل عصر وأهله،
فالمؤمنون مأمورون بالدعاء لمن سبقهم، والاستغفار لهم جميعا، ولا يمنع من ذلك وقوع
الفتن والقتال بينهم ﴿وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما
على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل
وأقسطوا إن الله يحب المقسطين .. إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم..﴾ [الحجرات:
٩- ١٠].
فأمر الله بالإصلاح بينهم في الحياة، والاستغفار لهم بعد الوفاة، وهذا
حق للمؤمنين في كل عصر على من جاء من المؤمنين بعدهم إلى يوم القيامة، وهو مقتضى الأخوة
الإيمانية، كما قال الله عنهم جميعا ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾.
وقد تقررت قواعد شرعية، وأصول علمية، لمعرفة من هم الأئمة، وما حقوقهم
التي تجب لهم على غيرهم من عموم الأمة...