"سايكس بيكو"
والجحيم الأمريكي
من إعلان مبادئ ويلسون
إلى إبراهيمية ترامب
بقلم: أ.د. حاكم المطيري
الأمين العام لمؤتمر الأمة
٢٨/ ١١/ ١٤٤٦هـ
٢٦/ ٥/ ٢٠٢٥م
كان الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون أول من رفض اتفاقية "سايكس بيكو"
السرية ١٩١٦م التي تقاسمت بموجبها بريطانيا وفرنسا وروسيا أقاليم الخلافة الإسلامية
العثمانية وقال حين اطلع عليها: (إنها معاهدة تستولد حروبا لا تنتهي في الشرق الأوسط)
ويعني حروبا بين القوى الأوربية وأمريكا!
ولم يوافق ويلسون على هذه الاتفاقية والانضمام إلى الحلفاء إلا بعد إعلان
مبادئه سنة ١٩١٨ التي بشر بها شعوب المنطقة بما فيها الشعب السوري بالحرية والسلام
-والتي لم تنعم بها حتى اليوم بعد مئة عام- وبعد أن ضمن حصة الولايات المتحدة في السيطرة
على المنطقة:
١- اقتصاديا : بالسماح للشركات الأمريكية بالحصول على التنقيب عن النفط
واستخراجه وفتح الأسواق أمامها.
٢- ودينيا: بالسماح للإرساليات الإنجيلية البرتستانتية التبشيرية بممارسة
نشاطها من خلال المستشفيات الأمريكية.
٣- وثقافيا وسياسيا: بالسماح بافتتاح الجامعات الأمريكية التي ابتدأت
أول فروعها بالقاهرة ١٩١٩ لتخريج أول أفواج الطابور الخامس العربي جنسا ولسانا الأمريكي
هوى وروحا وثقافة -بديلا عن الطابور الخامس الفرانكفوني الذي ابتدأ تخريجه منذ حملة
نابليون على مصر والطابور البريطاني الماسوني الذي ابتدأ بتخريجه باحتلال مصر ١٨٨٢م-
وما زالت أفواجه تحكم عواصم العالم العربي منذ أول انقلاب عسكري أمريكي جاء بحسني الزعيم
لحكم سوريا سنة ١٩٤٩ وتنفيذ خطط واشنطن في المنطقة بعد أن آلت إليها مستعمرات بريطانيا
وفرنسا فيها بعد الحرب العالمية الثانية!
لقد ظلت روسيا وأوربا تشارك الولايات المتحدة في احتلال الشرق الأوسط
بموجب اتفاقية "سايكس بيكو" واستحقاقات النصر الذي تحقق للحملة العسكرية
المشتركة والتحالف بين الدول الصليبية الثلاث (بريطانيا البروتستانتية وفرنسا الكاثوليكية
وروسيا الأرثوذكسية) في الحرب العالمية الأولى وهو ما حافظت عليه واشنطن إلى حد ما
حتى في فترة الحرب الباردة بينها وبين روسيا الشيوعية اللادينية!
وقد بدأت رغبة واشنطن بالاستفراد بالمنطقة تزداد منذ اتفاقية كامب ديفيد
١٩٧٨م ثم حرب الخليج الأولى سنة ١٩٩٠م وهي فترة تفكك الاتحاد السوفيتي الروسي وظهور
ما عرف بعد ذلك بفترة القطب الواحد الأمريكي الذي تولت فيه واشنطن وحدها قيادة العالم
ثم تراجع نفوذها بعد إعلان بوش الابن الحملة الصليبية الأخيرة مطلع الألفية الثالثة
بغزو أفغانستان ٢٠٠١م ثم العراق ٢٠٠٣ ثم حصار ثورة الشعب السوري ٢٠١٣ حيث احتاجت واشنطن
أوربا وروسيا لإنجاح حملتها الصليبية حتى جاء ترامب بالإعلان عن مشروعه الإبراهيمي
سنة ٢٠١٧ والذي يقوم على دمج المحتل الصهيوني في المنطقة العربية -من خلال وحدة تشاركية بين الدول العربية
وإسرائيل والتطبيع بينها وقيادة تل أبيب لها- والذي كرست اتفاقية سايكس بيكو تقسيمها
وأعاقت بذلك دمجها بما يجعل منها سوقا كبرى للمنتجات الأمريكية تنافس السوق الأوربية
والاتحاد الأوربي الذي قرر ترامب التخلي عنه والاستفراد بالمنطقة وثرواتها وحده، وصناعة
بديل شرق أوسطي أمريكي تعيد واشنطن من خلاله التحكم في النظام الدولي، وحصار الصين
شرقا وروسيا شمالا وأوربا غربا؛ ليعود الجميع إلى بيت الطاعة الأمريكي ولا يمكن تحقيق
ذلك كله في ظل اتفاقية "سايكس بيكو" الذي حذر ويلسون من تداعياتها المستقبلية
على مصالح أمريكا ونفوذها وهو ما قرر ترامب حسمه!
لتبقى الولايات المتحدة التي تحاصر غزة اليوم وتقتل وتهجر شعبها -كما
فعلت بالأمس في العراق وسوريا- هي العدو الأول لشعوب المنطقة مهما بشرت بالسلام الأمريكي
الذي قتل وهجر خلال ثلاثين سنة عشرين مليون عربي في العراق وسوريا وفلسطين وعشرين مليون
مسلم في أفغانستان!
خرج الثعلب يوما
بثياب الواعظينا
مخطئ من ظن يوما
أن للثعلب دينا!