حركات التحرير
والاستحقاق التاريخي
بقلم أ.د. حاكم المطيري
٢٨/ ٦/ ١٤٤٦هـ
٢٩/ ١٢/ ٢٠٢٤م
أثبتت الديمقراطية
في العالم العربي والإسلامي -خلال مئة عام منذ سقوط الخلافة- فشلها الذريع في التعبير
عن هوية مجتمعاتها وخصوصيتها والمحافظة على حريتها وسيادة دولها، وتحقيق استقرارها،
وأنها كالعلمانية تماما مشكلة تنتهي بشعوبها إلى الصراع الدائم حول هوية الدولة ذاتها
ورسالتها لا حل مشكلاتها السياسية!
فالديمقراطية اليوم
في سوريا يراد لها أن تصادر على الأكثرية أن تضع الدستور الذي تريده وفق دينها وهويتها
لاعتراض الأقلية عليها -التي تستقوي بالخارج والمحتل الدولي- التي تشترط أن تكون الدولة
علمانية وتشترط عدم تحكيم الإسلام بدعوى التوافق الوطني! وإلا فالحل في نظرها هو الاضطراب
والصراع والتقسيم أو استدعاء التدخل الخارجي! فصارت الشعوب الإسلامية محرومة من الحكم
بالشريعة التي تؤمن بها في ظل نظام حكم إسلامي راشد في الوقت الذي يحق للأقليات المحافظة
على خصوصيتها وممارسة الوصاية على الأكثرية أيضا بالضغط الدولي!
وقد باتت الأقليات
الدينية تعزز موقفها بالأقليات الحزبية والجماعات الإسلامية الوظيفية التي ترفض النظام
السياسي الإسلامي بدعوى أنه لا يوجد أصلا في الإسلام نظام سياسي للدولة، وإنما مبادئ
عامة تضمنها الديمقراطية! فالدولة كما يزعمون شركة حيادية لا هوية لها دينية ولا سياسية!
فنسخوا بذلك كل أحكام الخطاب المدني والدولة النبوية والخلافة الراشدة والخلافة العامة
مدة ألف وثلاثمئة عام تماما كما تريده الحملة الصليبية!
وهو ما يوجب على
علماء الأمة وقادة الفكر والرأي فيها بلورة رؤية مشتركة للدولة الراشدة ونظام الحكم
الإسلامي الراشد الذي يحقق للشعوب الإسلامية حريتها ويحافظ على هويتها ويعبر عن إرادتها،
ويحقق للدولة سيادتها ورسالتها، ويضمن للأقليات حقوقها، كما جاء به الإسلام وكما قال
النبي ﷺ: (عليكم بسنتي
وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي).
وسوريا الجديدة
اليوم -إنسانا ومجتمعا- في أشد الحاجة الآن إلى الاستقرار السياسي، والهدوء المجتمعي،
وإعادة بناء مؤسسات الدولة، وإعمار المدن المنكوبة، وعودة المهجرين في الداخل والخارج،
وهم أكثر من ٥٠٪ من الشعب السوري إلى مناطقهم -وهو ما لا يمكن قبله إجراء انتخابات
حرة نزيهة- كل ذلك يحتاج إلى توافق شعبي عام من خلال مؤتمر يمثل مكونات المجتمع بعيدا
عن التجاذبات السياسية والصراعات الحزبية والانتخابية والتدخلات الخارجية عبر القوى
الوظيفية.
وكل حركات التحرير
الوطني خاصة المسلحة تتمتع بالاستحقاق السياسي الاستثنائي بإدارة الدولة لمن قادوا
حركة تحريرها إلى حين تثبيت أركانها وتحقيق الأمن فيها.
ولعله لا يعرف التاريخ الإنساني استثناءً من هذه
القاعدة المطردة بخلاف الثورات السلمية.
والتفويض الشعبي
في سوريا اليوم للقيادة الحالية (القيادة العامة والإدارة العسكرية والسياسية)، والنصر
الذي حققته في معركة التحرير، والرضا العام باستحقاقها لقيادة الدولة، كما عبر عنه
الشعب السوري في مشاركته لها في المعركة ومواجهة الثورة المضادة، كل ذلك كاف في ضرورة
استمرار القيادة في هذه المرحلة حتى تعبر سوريا إلى بر الأمان والاستقرار.