(الإخوان المسلمون.. والإصلاح
المنشود)
28/
3/ 1442هـ
14/
11/ 2020مـ
"الإخوان المسلمون" جماعة إسلامية
إصلاحية كبرى وهي امتداد لحركة الدعوة والإرشاد الإصلاحية التي أسسها الإمام السيد
رشيد رضا ١٩٠٨ وجعل مجلة المنار صوتها وكان الإمام حسن البنا من أخص تلاميذه ووارث
دعوته ومحرر مجلة المنار بعده حيث رثى شيخه رشيد رضا وذكر بأن جماعته هي امتداد لدعوة
شيخه فقال في مجلة المنار (35/ 3): (بعونك اللهم وفي رعايتك وتحت لواء دعوتك المطهرة وفي ظل شريعتك القدسية
وعلى هدي نبيك الكريم العظيم سيدنا محمد ﷺ تستأنف هذه المجلة (المنار) جهادها وتظهر
في الميدان من جديد.
رحمة الله ورضوانه ومغفرته (للسيد محمد
رشيد رضا) منشئ المنار الأول ومشرق ضوئها في الوجود، فلقد كافح وجاهد في سبيل الدعوة
إلى الإسلام والدفاع عنه وجمع كلمة المسلمين وإصلاح شئونهم الروحية والمدنية والسياسية،
وهي الأغراض التي وضعها أهدافا لجهاده الطويل
حتى جاءه أمر ربه بعد أن قضت المنار أربعين عاما كانت فيها منار هداية ومنهج سداد.
ولقد ترك السيد رشيد فراغه واسعا فسيحا
وقضى وفي نفسه آمال جسام وشاهد قبل وفاته تطورا جديدا في حياة الأمة الإسلامية فاستبشر
بهذا التطور الجديد وشام منه خيرا وأمل فيه كثيرا، وعزم على أن يساير هذا التطور بالمنار
ودعوة المنار، وأن يجعل منها في عامها الجديد
(الخامس والثلاثين) لسان صدق لجماعة جديرة (بالدعوة إلى الإسلام وجمع كلمة المسلمين)
تخلف جماعة الدعوة والإرشاد وتقوم على الاستفادة بالظروف الجديدة التي تهيأ لها المسلمون
في هذا العصر، وقد كتب - رحمه الله - في هذا المعنى في فاتحة هذا المجلد ما نصه: (سيكون
المنار منذ هذا العام لسان جماعة للدعوة إلى الإسلام وجمع كلمة المسلمين، أنشئت لتخلف
جماعة الدعوة والإرشاد في أعلى مقصديها...).
قضى السيد محمد رشيد حياته وفي نفسه هذه
الآمال الجسام: أن يكون المنار بعد سنته هذه لسان حال جماعة للدعوة إلى الإسلام، وأن
تتألف هذه الجماعة من ذوي العقل والدين والمكانة في الشعوب الإسلامية، وأن يشد الأزهر
أزر هذه الجماعة وتشد أزره فيكون من تعاونهما الخير كله.
ولقد كان السيد - رحمه الله - صادق العزم
مخلص النية في آماله هذه فاستجابها الله له، وشاءت قدرته وتوفيقه أن تقوم على المنار
(جماعة الإخوان المسلمين) وأن يصدره ويحرره نخبة من أعضائها، وأن ينطق بلسانها ويحمل
للناس دعوتها.
يا سبحان الله، إن جماعة الإخوان المسلمين
هي الجماعة التي كان يتمناها السيد رشيد رحمه الله. ولقد كان يعرفها منذ نشأتها ولقد
كان يثني عليها في مجالسه الخاصة ويرجو منها خيرا كثيرا، ولقد كان يهدي إليها مؤلفاته
فيكتب عليها بخطه: من المؤلف إلى جماعة الإخوان المسلمين
النافعة؛ ولكنه ما كان يعلم أن الله قد ادخر لهذه الجماعة أن تحمل عبئه وأن تتم ما
بدأ به، وأن تتحقق فيها أمنية من أمانيه الإصلاحية وأمل من آماله الإسلامية، لقد تمنى
السيد رشيد رضا في الجماعة التي اشترطها أن تقوم بأعلى مقصدي جماعة الدعوة والإرشاد
أي ما عدا التعليم المدرسي، ثم رجا أن توفق الجماعة الجديدة لهذا أيضا، وستحقق جماعة
الإخوان المسلمين هذا الرجاء بتوفيق الله...).
وقد تحقق حلم الشيخ رشيد رضا بقيام جماعة
إصلاحية تجمع بين الدعوة والإرشاد والعمل السياسي على يد تلميذه الإمام حسن البنا الذي
أسس الجماعة الجديدة الإخوان المسلمون ١٩٢٨م بمباركة شيخه وتوجيهه ودعا بعد وفاته
١٩٣٥م تلاميذه وأتباعه عبر مجلته المنار إلى التعاون معه على هدي الكتاب والسنة حيث
قال فيها (35/ 3): (ستعود المنار -إن شاء الله- إلى الميدان
تناصر الحق في كل مكان، وتقارع الباطل بالحجة والبرهان، وشعارها الدعوة إلى الإسلام
والدفاع عنه وجمع كلمة المسلمين والعمل للإصلاح الإسلامي في كل نواحيه الروحية والفكرية
والسياسية والمدنية. ولقد كان للمنار خصوم وأصدقاء شأن كل دعوة إصلاحية، فأما أنصارها،
فنرجو أن يجدوا في مسلكها الجديد ما يعزز صداقتهم لها وصلتهم بها، وأما خصومها فإن
كانت خصومتهم للحق بالحق فإننا على استعداد تام للتفاهم معهم على أساس كتاب الله وهدي
رسوله ﷺ والعمل لخدمة هذه الحنيفية السمحة.
لم يكن الشيخ رشيد -رحمه الله- معصوما لا
يجوز عليه الخطأ فهو بشر يخطئ ويصيب، ولسنا ندعى لأنفسنا العصمة فنحن كذلك وما من أحد
إلا ويؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم ﷺ، ولا نريد أن نعرف الحق بالرجال ولكننا
نريد أن نعرف الرجال بالحق ومتى كان ذلك رأينا جميعا ومتى كان شعارنا أن نرد التنازع
إلى الله ورسوله كما أمرنا، فقد اهتدينا ووصلنا إلى الحقيقة متحابين، وانقضت الخصومة
وولى الباطل منهزما زهوقا.
على هذه القواعد ندعو الأمة والهيئات الإسلامية
جميعا إلى التعاون معنا، سائلين الله -تبارك وتعالى- أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه،
والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، والله حسبنا ونعم الوكيل).
ومضى الإمام البنا في دعوته الإصلاحية مجتهدا
في الجمع بين:
١- الدعوة إلى الله التي تقوم على العلم
الشرعي والفقه العميق
٢- والعمل السياسي - من أجل وحدة الأمة
وعودة الخلافة - الذي يقوم على فهم الواقع والوعي الدقيق حتى إذا أرسل كتائبه للجهاد
في فلسطين ١٩٤٨ حلت بريطانيا الجماعة واغتالته 1949م!
وقد كان التأسيس الثاني لجماعة الإخوان
المسلمون سنة ١٩٥١م وفق شروط النظام الملكي الوظيفي والمحتل البريطاني، وجيء بالهضيبي
رجل القضاء والقانون ليكون المرشد الثاني للجماعة، ولم يكن مع صلاحه وتقواه يتمتع بالزعامة
ولا المكانة العلمية ولا القدرة الحركية التي كان يتمتع بها الإمام حسن البنا؛ فعاشت الجماعة ومرشدها الثاني الهضيبي -رحمه الله- مدة عشرين سنة بين
محنة الحلّ لها وإعدام شيوخها والسجن والإقامة الجبرية لمرشدها خاصة في عهد عبدالناصر
حتى توفي الهضيبي ١٩٧١م، وكان الحدث الأبرز هو إعدام سيد قطب ١٩٦٦ وصدور "ظلال
القرآن" و"معالم على الطريق" ورد الهضيبي عليه "دعاة لا قضاة"!
فعبّر الكتابان "معالم على الطريق"
لسيد قطب و"دعاة لا قضاة" للهضيبي عن تباين في الرؤى الفكرية -كما وقع بين
الأفغاني وعبده حتى جمع رشيد رضا ثم البنا بينهما- فبينما يدعو سيد إلى التغيير الثوري
كان المرشد يؤمن بالإصلاح السلمي الذي أصبح الخط العام للجماعة، حيث كان الواقع السياسي
يفرض نفسه!
لقد كان حسن البنا وريث دعوة إصلاحية كبرى
(بشر بها الأفغاني وعبده ونشرها رشيد رضا) كان هدفها:
١-نهضة الأمة ووحدتها.
٢-إقامة الجامعة الإسلامية.
٣-واستعادة نظام الخلافة.
٤- وإحياء فريضة الجهاد.
ولا تستطع جماعة واحدة القيام بهذه المهام
كلها، فمضى تيار الهضيبي بخط الدعوة، وتيار سيد بخط الجهاد!
وقد كان تعدد الجماعات الإسلامية في مصر
بعد إعدام سيد قطب انعكاسا لتباين الرؤى بين خط الهضيبي الدعوي السلمي الذي عززه المرشد
الثالث عمر التلمساني وخط سيد الثوري الذي تنامى حتى واجه بعد ذلك معاهدة كامب ديفيد
بالقوة ثم وجد في ساحات الجهاد في فلسطين وسوريا وأفغانستان مساحة أوسع لنشاطه!
حتى كان عهد المرشد الثالث -عمر التلمساني
الذي أفرج عنه السادات ١٩٧١ وتولى قيادة الجماعة ١٩٧٣م إلى وفاته ١٩٨٦م- عهد مصالحة
مع النظام المصري والعربي والدولي وتعزز داخل الجماعة الخطاب الوطني والديمقراطي، وبدأ
ظهور (الإسلام السياسي) وتراجع فيها خط الإمام البنا (الخلافة) وخط سيد (الجهاد).
وبتخلي(الإسلام السياسي) عن مشروع الجماعة
الأصلي - وهو (استعادة الخلافة) - والتزامه بالمشروع الوطني (من ١٩٧٠ - ٢٠١٠) اُعتبر
جزءا من النظام العربي الرسمي المحمي دوليا وشارك في البرلمانات والحكومات في كل الدول
التي تخضع للنفوذ الغربي (الأمريكي الأوربي) وتأسس مكتب التنظيم الدولي بلندن، ومضى (الإسلام السياسي) وفق شروط النظام العربي والدولي في التماهي مع
الأنظمة القائمة في كل الدول التي سمح له فيها بالعمل - بعيدا عن خط الجماعة الأصلي
وخط الإمام البنا وخط سيد - حتى شارك في حكومة الاحتلال الأمريكي في أفغانستان
٢٠٠١ والعراق ٢٠٠٣ وحكومة أوسلو في فلسطين ٢٠٠٦م
وقد أدت ثورة الشعوب العربية ٢٠١٠ -
٢٠٢٠ إلى انهيار النظام العربي الرسمي بشقيه الحكومي والشعبي - وتزلزل النظام الدولي
الذي يرعاه منذ تأسيس الأمم المتحدة والجامعة العربية في عام واحد ١٩٤٥ - فانحاز خط
(الجماعة) إلى الأمة وثورتها والتزم (الإسلام السياسي) بتفاهمه مع النظام العربي والدولي!