الانتخابات التركية
وقفات على الطريق!
بقلم أ.د. حاكم المطيري
٢٧ / ١٠/ ١٤٤٤هـ
١٧/ ٥/ ٢٠٢٣م
أبرز أحداث الانتخابات التركية ودلالاتها هو:
١- كشفت وزن تركيا إقليميا وأهميتها على الساحة الدولية، فقد انشغل
بها العالم كله بدوله وإعلامه وتحليلاته واستطلاعاته على نحو لا يكاد يحدث في
انتخابات أي دولة أخرى بما فيها الانتخابات الأمريكية نفسها! وذلك أن تغير الإدارة
الأمريكية لا يؤثر كثيرا على سياسات الولايات المتحدة الخارجية الإستراتيجية بقدر
تأثيره على الداخل الأمريكي لتوافق كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي على طبيعة
النظام الليبرالي الرأسمالي الأمريكي بخلاف تركيا التي لا تزال تعيش صراعا مجتمعيا
عميقا حول الهوية والإسلام لم يحسم منذ سقوط الخلافة العثمانية حتى اليوم وهو صراع
يؤثر في السياسة الخارجية لتركيا أشد من تأثيره في الداخل التركي.
ولم تكن الانتخابات التركية بهذه الأهمية العالمية قبل وصول حزب
العدالة الذي يسعى لشق طريق تركيا الجديدة بعيدا عن النفوذ الغربي الذي خضعت له
منذ الحرب العالمية الأولى.
٢- تجاوز الصراع السياسي والإعلامي في هذه الانتخابات واستقطاباته
حدود تركيا ليمتد على طول خريطة العالم الإسلامي من أقصاه إلى أدناه! وانقسم الرأي
العام في العالم الإسلامي تجاهها في كل بلد إلى فريقين عقائديين لا تخطئهما العين:
إسلامي شرقي أو علماني غربي!
وقد حاول كلا الفريقين المتنافسين في تركيا عدم كشف طبيعة الصراع
العقائدية، واكتفى الطرفان برفع شعار الديمقراطية للوصول لأهدافهما! بينما كانت
الاصطفافات خارج تركيا تعبيرا صريحا عن حقيقة هذا الصراع وطبيعته سياسيا وفكريا
على مستوى الأمة كلها!
٣- لم تعد الانتخابات في تركيا شأنا وطنيا محليا بل شأن أممي مما
اضطر كل طرف فيها للاستعانة بعمقه العقائدي خارج حدود تركيا، وقد صرح كليتشدار
بأنه سيتجه نحو الغرب والاتحاد الأوربي التي انحازت دوله له بشكل سافر سياسيا
وإعلاميا، وكان التدخل الأمريكي الأوربي قبل الانتخابات وأثناءها واضحا، وكان
انحياز دولها صريحا للفريق العلماني الذي يتوافق معها عقائديا ويعد نفسه امتدادا
للمنظومة الغربية.
بينما توجه الرئيس أردوغان بخطابه إلى شعبه ثم الأمة التي انحازت
إليه حتى تداعى علماؤها من خارج تركيا على اختلاف توجهاتهم إلى الوقوف معه؛ لأن
سياسات تركيا الخارجية اليوم تؤثر في دول المنطقة وشعوب الأمة كلها ولا تقتصر على
الشعب التركي وحده، وغدا برلمانها أشبه بالمبعوثان العثماني الذي يعبر عن كل
توجهات الأمة وشعوبها بكل تناقضاتها!
٤- انحازت الحركة الإسلامية التقليدية بشقيها السياسي (حزب السعادة)
و الدعوي (جماعة قولن) إلى العلمانية الأتاتوركية وصرح داود أوغلو بأن انحيازهم هو
لمنع تحول التنافس إلى صراع بين المسلمين والكفار! وهو تعبير خطير عن طبيعة الصراع
العقائدي الخفي وإعلان جريء غير مسبوق قد يفسر حقيقة دور الحركة الإسلامية
التاريخي في ظل الدول الوطنية العلمانية التي قامت على أنقاض الخلافة الإسلامية
والرعاية الغربية لهذه الحركات لشرعنة واقع هذه الدول!
كما كشفت الحركة الإسلامية التقليدية في تركيا باصطفافها مع حزب
الشعب العلماني ضد أكثرية شعبها بأنها ككل أحزاب الحركة الإسلامية في العالم
العربي والإسلامي لا تخرج بالنهاية عن الترتيب الأمريكي الأوربي لدولها؛ وهو موقف
مطرد متكرر من أفغانستان وباكستان شرقا إلى المغرب والجزائر غربا!
وسواء كان الصراع مع أمريكا والغرب عسكريا كما حدث في احتلال
أفغانستان والعراق أو صراعا سياسيا كما يجري في باكستان وتركيا، وكما جرى في
المغرب وقبل ذلك في الجزائر ودول الربيع العربي بل ومنذ أول انقلاب عسكري رعته
أمريكا في العالم العربي بعد الحرب العالمية الثانية ودخولها المنطقة -وهو انقلاب
حسني الزعيم في سوريا سنة ١٩٤٩ ثم انقلاب عبدالناصر سنة ١٩٥٢ ثم ما تلاه من
انقلابات عسكرية إلى انقلاب علي صالح في اليمن ١٩٧٨م ثم البشير ١٩٨٩ في السودان
وانقلاب موريتانيا ٢٠٠٨ إلى التفاهم بين العسكر والحركة الإسلامية في مصر سنة ٢٠١١
الذي بموجبه وصل السيسي لقيادة الجيش- كانت أحزاب الحركة الإسلامية لا تخرج قط عن
الترتيبات الأمريكية الأوربية لدولها بما في ذلك استلام حماس للسلطة في غزة بإشراف
الرئيس الأمريكي كارتر ٢٠٠٦!
ولم يحدث طوال ٨٠ سنة من وجود أحزاب الحركة الإسلامية المعاصرة أن
خاضت صراعا ولو مرة واحدة مع المحتل الغربي مباشرة أو حررت بلدا إسلاميا من
احتلاله له أو خاضت معركة تحرير ضده! حتى ولو خاضته شعوب الأمة! ولا يمكن تفسير
ذلك بالأخطاء المتكررة إلا إذا كانت قرارات الجامعة العربية ضد شعوبها وخضوعها
المتكرر للغرب مجرد أخطاء وليس تنفيذا لشروط الحملة الصليبية وسياسة نظامها الدولي
الذي يقوم برعايتها والمحافظة على وجودها ليحكم المنطقة وشعوبها بها كجزء من
النظام العربي الوظيفي بشقيه الرسمي العلماني والشعبي الإسلامي!