تحرير القدس .. وطريق كابل!
بقلم: أ.د. حاكم المطيري
الأمين العام لمؤتمر الأمة
بدأ الشباب في أرض فلسطين المباركة يشقون طريقهم الخاص بهم، نحو تحرير
أرضهم، بأرواحهم ودمائهم، بعد أن أدركوا طبيعة القوى والمنظومات السياسية والأمنية
- بشقيها العلماني والإسلامي المسالم منها
والمقاوم - التي تحكمهم، وتتحكم بهم، وبقضيتهم، في الضفة وغزة، وفق سقف أوسلو، وبرعاية
العدو الدولي الأمريكي الأوربي الروسي نفسه الذي كان وراء قيام دويلة المحتل الصهيوني،
لتصبح هذه المنظومات مراكز ضبط وسيطرة تحول دون تحرير أرض فلسطين، وتطيل من عمر المحتل
ليزداد وجوده رسوخا في الأرض يوما بعد يوم، تحت ذرائع الواقعية، ومراعاة الموازنات
الدولية، واختلال موازين القوى لصالح العدو، حتى تحول كثير من هذه القوى بعد أن طال
عليها الأمد إلى بنادق مستأجرة للخارج، تخضع في قراراتها ومواقفها وحراكها في الداخل
إلى التفاهم والترتيب الدولي والإقليمي، وغدت فلسطين والقدس، كما أرض الشام كلها، مجرد
ورقة من أوراق التفاوض الإيراني الأمريكي في الملف النووي، بعد أن كانت قضية الأمة
المركزية!
لقد جاء تحرير كابل مرة ثانية، وخلال ثلاثين سنة، على يد ثلة من المجاهدين
المستضعفين، وفي جيل واحد -دحر المجاهدون فيهما المحتل الروسي والاتحاد السوفيتي سنة
١٩٨٩م، ثم المحتل الأمريكي والنيتو سنة ٢٠٢١م- ليثبتوا للأمة كلها، أن طريق تحرير القدس
والشام هو طريق تحرير كابل وأفغانستان، وأنه لا طريق للتحرير غيره، وهو ما أثبته قرن
كامل من تاريخ كفاح أهل فلسطين والشام، التي احتلت في الحرب العالمية الأولى سنة
١٩١٧م، وما تزال تحت الاحتلال الأوربي الأمريكي الروسي نفسه وحملته الصليبية، وما المحتل
الصهيوني سوى قاعدة له للسيطرة على العالم العربي كله!
لقد آن للشباب المجاهد في أرض فلسطين والشام والعالم العربي الاستفادة
من تجربة جهاد الشعب الأفغاني في خوض معركة التحرير مع المحتل ووكلائه، وفهم طبيعة
النظام العربي الوظيفي بشقيه الرسمي والشعبي، العلماني والإسلامي، الذي يخضع بشكل مباشر
للحملة الصليبية ونظامها الدولي، ويعترف بها، ويلتزم بقراراتها، ويعتبر نفسه جزءا من
خندقها، وهو ما يفسر كل مواقفه تجاه قراراتها وسياستها في المنطقة، وعدم خروجه عنها
في كل ساحات الثورة العربية، وكذا فهم طبيعة الدور الإيراني الصفوي، الذي فسح له الطريق
دوليا ليسيطر على جنوب لبنان، ثم غزة، ثم دمشق، ولضرب طوق شيعي حول فلسطين، للحيلولة
دون تمدد ثورة الشعوب العربية التي كادت تهدد نفوذ الحملة الصليبية، لولا فسح الطريق
لإيران وميليشياتها الطائفية لمواجهتها في الشام، كما واجهت من قبله المقاومة للمحتل
الأمريكي في العراق!
لقد أثبت تحرير كابل مرتين زيف كل الأوهام الفكرية والسياسية التي روّج
لها النظام العربي الوظيفي الرسمي والشعبي عن عدم إمكانية هزيمة العدو الصهيوني المحتل
في ظل الدعم الأمريكي له، وزيف الأوهام بأن تكافؤ القوى شرط للنصر عليه، وأنه دون وجود
دعم دولي لا يمكن تحرير فلسطين والقدس والشام، وأثبت المجاهدون الأفغان بطلان كل هذه
الأوهام، وأن النصر من عند الله وحده، وأنه كما قال تعالى عن المؤمنين مع طالوت ﴿قالوا
لا طاقَةَ لَنَا اليَومَ بِجالوتَ وَجُنودِهِ قالَ الَّذينَ يَظُنّونَ أَنَّهُم مُلاقُو
اللَّهِ كَم مِن فِئَةٍ قَليلَةٍ غَلَبَت فِئَةً كَثيرَةً بِإِذنِ اللَّهِ وَاللَّهُ
مَعَ الصّابِرينَ﴾ [البقرة: ٢٤٩]
وأنه لن يتحقق النصر في أرض الشام وفلسطين بالتحالف مع الكافرين والمجرمين
والظالمين، أو اتخاذهم وليجة من دون المؤمنين، كما قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ
آمَنوا إِن تُطيعُوا الَّذينَ كَفَروا يَرُدّوكُم عَلى أَعقابِكُم فَتَنقَلِبوا خاسِرينَ﴾
[آل عمران: ١٤٩].
﴿أَم حَسِبتُم أَن تُترَكوا وَلَمّا يَعلَمِ اللَّهُ الَّذينَ جاهَدوا
مِنكُم وَلَم يَتَّخِذوا مِن دونِ اللَّهِ وَلا رَسولِهِ وَلَا المُؤمِنينَ وَليجَةً
وَاللَّهُ خَبيرٌ بِما تَعمَلونَ﴾ [التوبة: ١٦].
الجمعة 8/ 5/ 1444هـ - 2 /12/ 2022م