الأحاديث الحسان في مسند الحافظ أبي بكر البزار
دراسة تحليلية لمصطلح الحسن عنده[1]
بقلم د. حاكم المطيري
ملخص البحث:
البحث جمع للأحاديث التي حكم عليها الحافظ أبو بكر البزار بالحسن في
مسنده، ودراستها دراسة تحليلية للوقوف على معنى الحسن عنده في اصطلاحه واستخدامه
له، مع التعرف على منهجه وشروطه للحكم على الإسناد بالحسن من خلال أحكامه وتعليلاته
المبثوثة في ثنايا مسنده.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا الأمين وآله وصحبه
أجمعين وبعد:
فهذه مجموعة الأحاديث الحسان في مسند البزار -للحافظ أبي بكر أحمد بن
عمرو بن عبد الخالق البصري (ت 292)ـ التي وصفها بالحسن الإسنادي، وهي (90) حديثا، وقد
جمعتها في هذا البحث، مع ذكر أحكام الحافظ البزار عليها بالحسن، وتفسير عبارته
وتحليلها بحسب ما يظهر منها للوقوف على معنى الحسن الإسنادي عنده، لما وقع بين
أئمة المصطلح من خلاف في تعريفه بسبب الاختلاف بين الأئمة قديما في استعمال هذا
المصطلح وإطلاقاته، وقد رتبت الأحاديث الحسان بحسب ورودها في مسنده، ووضعت أحكامه
عليها بين قوسين، وربما اقتضى البحث الرجوع إلى عدة مواطن من كلامه في الراوي
الواحد لمعرفة استخدامه لعباراته في حال الإطلاق، كما قمت بتخريج الأحاديث للوقوف
على من وافقه من الأئمة على أحكامه، وقد ذكرت النتائج في خاتمة البحث.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تنبيه: تم اعتماد نسخة مسند البزار، على برنامج المكتبة
الشاملة، نسخة 2008، للعزو إلى أرقام الجزء والصفحة ورقم الحديث، مع الرجوع إلى
البحر الزخار، تحقيق محفوظ الرحمن، وهما متطابقتان برقم الحديث فقط.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحاديث
البزار التي حكم عليها بالحسن في مسنده:
1 ـ قال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى
بن حماد قال حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن عمير مولى ابن عباس
عن ابن عباس قال: لما قبض النبي ﷺ خاصم العباس
عليا في أشياء تركها رسول الله ﷺ، فاختصما إلى
أبي بكر رضي الله عنه فسأله أن يقسم بينهما فأبى، وقال: شيئا تركه رسول الله ﷺ ما كنت لأحدث فيه.
قال أبو بكر: (وهذا الحديث إسناده حسن، ولا أحفظ أن أحدا روى هذا
الحديث إلا الأعمش عن إسماعيل بن رجاء بهذا الإسناد).
وهذا الحكم على الإسناد بالحسن يتضمن شيئين:
الأول: أنه حكم عليه بالحسن الإسنادي الذاتي، لا بالنظر للمتابعات، فقد
نص البزار على أنه لم يروه إلا الأعمش عن إسماعيل بن رجاء، وهو كما قال. بل ولم
أجد من تابع يحيى بن حماد ولا أبا عوانة على روايته عن الأعمش، وهذه غرابة
إسنادية.
الثاني: أن رجاله كلهم ثقات كما قال الهيثمي.
فلم يبق من سبب لوصف البزار لهذا الإسناد بالحسن إلا كونه غريبا، حيث
كان الأئمة قديما يطلقون وصف الحسن على الإسناد الذي يستغربونه من جهة، ولا
يدفعونه من جهة أخرى لا بشذوذ ولا بنكارة، كما قال الإمام أحمد: (عند أبي بكر بن
أبي شيبة أحاديث حسان غرائب عن شريك لو كان هاهنا سمعناها منه).
ولو كانت ضعيفة عنه لما حرص على سماعها، فقد قال أحمد: (لا تكتبوا هذه
الأحاديث الغرائب فإنها مناكير وعامتها عن الضعفاء)،
وقال أيضاً: (يطلبون حديثاً من ثلاثين وجهاً أحاديث ضعيفة وجعل ينكر طلب الطرق نحو
هذا قال: هذا شيء لا ينتفعون به).
فدل على أن من الغريب عنده ما يستحسنه، ومن الغريب ما هو ضعيف منكر لا
يرى روايته أو الاشتغال بطلبه.
وقال أحمد أيضا: (أبو الورد بن ثمامة حدث عنه الجريري أحاديث حسان، لا
أعرف له اسما غير هذا).
مع أنه لم يرو عنه إلا سعيد بن إياس الجريري، كما قال الدارقطني: ما
حدث عنه غيره.
وقد أخرج الترمذي حديث الجريري عن أبي الورد عن اللجلاج عن معاذ ثم
قال عنه: (هذا حديث حسن).
وأبو الورد ثمامة بن حزن قال عنه ابن حجر: (مقبول).
ومما يؤكد أن البزار وصفه بالحسن لغرابته أنه لم يعلل حكمه عليه
بالحسن إلا لكونه لا يحفظه إلا من هذا الطريق.
2 ـ قال البزار: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال حدثنا أبو أحمد –الزبيري-
قال: حدثنا عبد السلام بن حرب، قال: حدثنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن
ابن عباس، قال: لما نزلت تبت يدا أبي لهب، جاءت امرأة أبي لهب ورسول الله جالس، ومعه
أبو بكر، فقال له أبو بكر: لو تنحيت لا تؤذيك يا رسول الله، فقال رسول الله ﷺ: إنه سيحال بيني وبينها فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر، فقالت: يا أبا
بكر، هجانا صاحبك؟ فقال أبو بكر: لا ورب هذه البنية ما ينطق بالشعر ولا يتفوه به، فقالت:
إنك لمصدق، فلما ولت، قال أبو بكر رحمة الله عليه: ما رأتك، قال: لا ما زال ملك
يسترني حتى ولت.
قال أبو بكر: (وهذا الحديث حسن الإسناد، ويدخل في مسند أبي بكر رضي
الله عنه إذ حكى عن النبي ﷺ إذ قال: ورب
هذه البنية ما ينطق بالشعر ولا يتفوه به، وكان هذا من حكاية أبي بكر عن رسول الله ﷺ).
وهذا الحديث لم يروه إلا الزبيري عن ابن حرب عن عطاء، وقد اختلط عطاء
بن السائب واضطرب حديثه وضعف لذلك، وليس ابن حرب من قدماء أصحابه الذين استثنى
الأئمة روايتهم وصححوها عنه لسماعهم منه قبل الاختلاط.
وقد رواه عنه محمد بن فضيل مرسلا.
فاجتمع في الحديث غرابة في إسناده، وضعف في راويه، ومع ذلك حسن إسناده،
وقد قال البزار أيضا عن هذا الحديث: (وقد روى هذا الحديث عن عطاء بن السائب جماعة
كلهم يرويه عن عطاء عن سعيد مرسلا، إلا عبد السلام، ولا نعلم رواه عن عبد السلام
إلا أبو أحمد، وإنما أدخلناه في مسند أبي بكر لحسن إسناده، ولقوله: ما ينطق بالشعر
ولا يتفوه به، فصار هذا الموضع منه عن أبي بكر).
3 ـ حدثنا عبد الله بن الوضاح الكوفي، قال: حدثنا الحسين بن علي
الجعفي، قال: حدثنا زائدة، عن عاصم يعني ابن بهدلة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال:
قام فينا أبو بكر رحمة الله عليه، فقال: قام فينا رسول الله ﷺ كقيامي فيكم اليوم، فقال: إن الناس لم يعطوا شيئا أفضل من العفو
والعافية، فسلوهما الله.
(وهذا الحديث حسن الإسناد، ولا نعلم أسنده إلا زائدة عن عاصم، عن أبي
صالح، عن أبي هريرة، ولا عن زائدة، إلا الحسين بن علي).
وقال البزار أيضا: (وهذا الحديث قد روي عن أبي بكر من غير وجه بألفاظ
مختلفة نذكر كل حديث منها في موضعه بلفظه، وهذا الحديث لا نعلم أسنده أحد عن أبي
صالح، عن أبي هريرة، عن أبي بكر رحمه الله إلا الحسين بن علي، وقد اختلفوا على
حسين فقال غير واحد عن أبي صالح، عن أبي بكر، وقال غير واحد: عن أبي صالح عن أبي
هريرة عن أبي بكر، والحديث لمن زاد إذا كان ثقة).
فهذا الحديث تضمن شيئين:
الأول: تفرد راويه الثقة بإسناده وهو حسين الجعفي عن زائدة عن عاصم عن
أبي صالح.
الثاني: الاختلاف في زيادة أبي هريرة في إسناده، بين أبي صالح وأبي
بكر، وصلا وإرسالا، وقد قبل البزار زيادة الوصل لأنها زيادة من ثقة فهي مقبولة.
فلم يبق من سبب للحكم على هذا الحديث بالحسن إلا تفرد راويه، ورجاله
كلهم ثقات، وقد صحح البزار بعض حديث زائدة عن عاصم.
وقد قال الدارقطني عن هذا الحديث: (تفرد به زائدة، عن عاصم بن أبي
النجود، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن أبي بكر. ولم يروه عن زائدة غير حسين بن
علي الجعفي، ولم يتابع حسين بن علي، على ذكر أبي هريرة في إسناده.
ورواه شيبان عن الأعمش، عن أبي صالح، عن بعض أصحاب النبي ﷺ، عن أبي بكر ولم يسم أبا هريرة، ولا غيره.
ورواه أبو معاوية الضرير، وغيره عن الأعمش، عن أبي صالح مرسلا، عن أبي
بكر.
والمرسل هو المحفوظ).
4 ـ قال البزار: حدثنا علي بن الفضل الكرابيسي قال حدثنا إبراهيم بن
سعد عن الزهري عن عبيد بن السباق عن زيد بن ثابت قال أرسل إليّ أبو بكر رضي الله
عنه فقال: اجمع القرآن فإنك قد كنت تكتب الوحي لرسول الله ﷺ.
(وهذا الكلام لا نعلم أحدا رواه بهذا اللفظ إلا أبو بكر، وإبراهيم بن
سعد ذكر هذه الكلمة.
وقد روى هذا الحديث عمارة بن غزية عن الزهري عن خارجة بن زيد عن أبيه،
فأدخلناه في مسند أبي بكر لحسن إسناده، ولعزة ما يروى عن أبي بكر عن النبي ﷺ).
ولم يظهر لي وجه استحسانه للإسناد مع صحته، فكل رواته ثقات أثبات، وقد
أخرجه البخاري في صحيحه من هذه الطريق!
ويمكن القول بأنه استحسنه لغرابته النسبية، حيث ظن البزار تفرد
إبراهيم بن سعد به عن الزهري عن عبيد بن السباق!
ويؤكده قوله عن هذا الحديث في موضع آخر: (وهذا الحديث لا نعلم أحدا
رواه بهذا اللفظ إلا إبراهيم بن سعد، فهو الذي قال عن عبيد بن السباق، وقال عمارة
بن غزية عن الزهري عن خارجة بن زيد عن زيد، وإنما ذكرنا هذا الحديث لأن أبا بكر
رحمة الله عليه أخبر أن زيد بن ثابت كان يكتب الوحي لرسول الله ﷺ فأدخلناه في مسند أبي بكر لحسن إسناده ولعزة حديث أبي بكر).
ولم ينفرد إبراهيم بن سعد بهذا الإسناد بل تابعه شعيب بن أبي حمزة عن
الزهري، كما عند البخاري، قال ابن حجر: (وللزهري في هذا الحديث شيخ آخر وهو عبيد
بن السباق، وقد أخرج البخاري الحديثين جميعا بالإسنادين المذكورين، فكأنهما جميعا
صحا عنده، ويؤيد ذلك أن شعيبا حدث عن الزهري بالحديثين جميعا، وكذلك رواهما عن
الزهري جميعا إبراهيم بن سعد كما سيأتي في فضائل القرآن، وفي رواية عبيد بن السباق
زيادات ليست في رواية خارجة).
وقد سئل عنه الدارقطني فقال: (هو حديث في جمع القرآن، ورواه الزهري، عن
عبيد بن السباق عن زيد بن ثابت، حدث به عن الزهري كذلك جماعة: منهم إبراهيم بن سعد،
ويونس بن يزيد وشعيب بن أبي حمزة وعبيد الله بن أبي زياد الرصافي، وإبراهيم بن
إسماعيل بن مجمع وسفيان بن عيينة وهو غريب عن ابن عيينة اتفقوا على قول واحد.
ورواه عمارة بن غزية عن الزهري فجعل مكان بن السباق خارجة بن زيد بن ثابت وجعل
الحديث كله عنه... والصحيح من ذلك رواية إبراهيم بن سعد وشعيب بن أبي حمزة وعبيد
الله بن أبي زياد ويونس بن يزيد ومن تابعهم عن الزهري، فإنهم ضبطوا الأحاديث عن
الزهري وأسندوا كل لفظ منها إلى رواية وضبطوا ذلك).
5 ـ حدثنا الحسن بن يحيى الأرزي، قال حدثنا سليمان بن حرب، قال حدثنا
حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رحمة الله عليها، قالت:
تمثلت في أبي:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه *** ربيع اليتامى عصمة للأرامل
فقال أبي: ذاك رسول الله ﷺ.
قال أبو بكر: (وهذا الحديث يدخل في صفة النبي ﷺ، وإسناده إسناد حسن، ولا نعلم روى هذا الحديث إلا حماد بن سلمة بهذا
الإسناد).
وقد قال البزار عن علي بن زيد: (وعلي بن زيد قد تكلم في حديثه
واحتملوا حديثه).
وقال أيضا عن حديث رواه حماد بن سلمة عن علي: (وهذا الحديث لا نعلم
رواه عن علي بن زيد غير حماد بن سلمة ممن يحتج بحديثه).
فدل ذلك على أن البزار يحتج بحماد بن سلمة، ويحسن حديث علي بن زيد بن
جدعان، مع كونه متكلم فيه، إلا أنهم احتملوا حديثه.
فاجتمع في هذا الحديث أمران:
الأول: تفرد حماد بن سلمة به عن علي عن القاسم بن محمد عن عائشة.
الثاني: ضعف محتمل في علي بن زيد.
ومع ذلك وصف الحديث بأنه حسن الإسناد.
ومما يؤكد ذلك قوله عن هذا الحديث في موضع آخر: (وهذا الحديث يدخل في
صفة النبي ﷺ، وإسناده حسن، ولا نعلم أن علي بن زيد أسند عن القاسم غير هذا الحديث،
ولا روى هذه الصفة غير أبي بكر بهذا الإسناد).
6 ـ قال البزار: حدثنا الحسن بن خلف الواسطي قال حدثنا إسحاق بن يوسف
عن سفيان عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما أخرج
المشركون النبي ﷺ من مكة، قال
أبو بكر: أخرجوا نبيهم سيهلكوا، فنزلت هذه الآية: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا}
الآية.
(قال أبو بكر: وهذا الحديث لا
نعلم رواه عن الثوري إلا إسحاق الأزرق، وقد رواه قيس عن الأعمش عن مسلم عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس).
وقال أيضا: (وهذا الحديث حسن الإسناد، وأدخلناه في حديث أبي بكر لعزة
حديث أبي بكر، ولحسن إسناده، وأكثر الناس يدخلونه في حديث بن عباس).
وهذا الحديث تفرد به إسحاق -وهو ثقة- عن الثوري به، وقد حسنه أيضا
الترمذي، فقال: (هذا حديث حسن، وقد رواه عبد الرحمن بن مهدي وغيره عن سفيان عن
الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير مرسلا، ليس فيه عن ابن عباس. حدثنا محمد بن
بشار حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا سفيان عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن
جبير مرسلا ليس فيه عن ابن عباس).
وقد سئل عنه الدارقطني فقال: (هو حديث يرويه الثوري عن الأعمش عن مسلم
البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، واختلف عنه فوصله إسحاق الازرق ووكيع من
رواية ابنه سفيان عنه، والأشجعي عن الثوري. وأرسله غيرهم عنه فلم يذكر ابن عباس).
فمع أن إسحاق الأزرق ثقة إلا أن البزار استحسن حديثه هذا لتفرده به عن
الثوري موصلا من حديث ابن عباس عن أبي بكر.
7 ـ قال البزار: حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا أبو الوليد، قال:
حدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عبد الله بن عمرو، عن أبي بكر
الصديق رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله، علمني دعاء أدعو به، قال: قل: اللهم
إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك
وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم.
قال البزار: (وهذا الحديث لا
نعلمه يروى عن أبي بكر، عن النبي ﷺ إلا بهذا
الإسناد، وقد رواه بعض أصحاب الليث، عن الليث بهذا الإسناد، عن عبد الله بن عمرو، أن
أبا بكر، قال: يا رسول الله، وبعضهم قال: عن أبي بكر، فذكرناه عن أبي الوليد
واجتزأنا به إذ كان ثقة وقد أسنده).
ورواه أيضا ثانية بالإسناد نفسه نحوه بلفظ: (فاغفر لي، وارحمني، إنه
لا يغفر الذنوب إلا أنت).
وقال: (وهذا لا نعلمه يروى عن النبي ﷺ إلا عن أبي بكر من هذا الوجه، وإسناده حسن، وقد رواه غير واحد عن
الليث بن سعد، فاقتصرنا على رواية أبي الوليد دون غيره).
فقد حكم عليه بالحسن الإسنادي مع أنه وصف راويه أبا الوليد الطيالسي
بأنه ثقة؛ لأنه اختلف على الليث في روايته، وقد سئل أبو زرعة عن هذا الحديث فقال:
(رواه يونس بن محمد، وسعيد بن سليمان، وقتيبة، عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن
أبي الخير، عن عبد الله بن عمرو، عن أبي بكر الصديق... والمصريون يقولون في هذا
الحديث: عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عبد الله بن عمرو: أن
أبا بكر سأل النبي ﷺ. وكذا يرويه
ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، وابن لهيعة، وهو بعبد الله بن عمرو: أن أبا بكر سأل
النبي ﷺ أشبه).
فقد حسنه لكون الليث تفرد بهذه الزيادة عن أصحاب يزيد بن حبيب الذين
رووه من حديث عبد الله بن عمرو قال: قال أبو بكر، لا عن أبي بكر كما رواه الليث بن
سعد.
8 ـ قال البزار: حدثنا عبد الله بن شبيب، قال: حدثنا عبد الجبار بن
سعيد المساحقي، قال: حدثنا يحيى بن محمد بن أبي حكيم، عن هشام بن سعد، عن سعيد بن
أبي هلال، عن أبي قبيل، عن عبدالله بن عمرو، قال: كتب أبو بكر الصديق إلى عمرو بن
العاص رضي الله عنه: أما بعد، فقد عرفت وصية رسول الله ﷺ بالأنصار عند موته: اقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم.
(وهذا الحديث لا نعلمه يروى
عن أبي بكر، إلا من هذا الوجه، بهذا الإسناد، ويحيى بن محمد بن أبي حكيم رجل من
أهل المدينة ليس به بأس، وما بعده وقبله يستغنى عن صفتهم بشهرتهم)
وقال أيضا: (وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي بكر إلا من هذا الوجه
وإسناده حسن).
ففي هذا الحديث تفرد من يحيى بن محمد بهذا الإسناد، وهو ليس به بأس
عند البزار، وقد ضعفه غيره.
9 ـ قال البزار: حدثنا عبد الله بن شبيب، قال حدثنا إسحاق بن محمد
الفروي، قال حدثنا أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أسلم مولى عمر، عن عمر بن
الخطاب، قال: قام رسول الله ﷺ بمكة يعرض نفسه
على قبائل العرب قبيلة قبيلة في الموسم، ما يجد أحدا يجيبه إلى ما يدعو إليه، حتى
جاء إليه هذا الحي من الأنصار لما أسعدهم الله وساق إليهم من الكرامة فآووا ونصروا،
فجزاهم الله عن نبيهم خيرا، والله ما وفينا لهم كما عاهدناهم عليه، إنا قلنا لهم:
إنا نحن الأمراء وأنتم الوزراء، ولئن بقيت إلى رأس الحول لا يبقى لي عامل إلا
أنصاري.
(وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن عمر عن النبي ﷺ إلا من هذا الوجه، وإسناده حسن).
وقد تفرد به راويه فهو حديث غريب، ورواته غير مدفوعين عن حد العدالة
والصدق، مع ما قيل في ابن شبيب إلا أن البزار قبله وحسن حديثه، وكأنه لم يلتفت إلى
ما قيل فيه.
10 ـ حدثنا سلمة بن شبيب، قال حدثنا عبد الرزاق، قال أخبرنا معمر، عن
الزهري، عن عروة، عن المسور، وعبد الرحمن بن عبد القارئ، عن عمر: أن رسول الله ﷺ، قال: أنزل القرآن على سبعة أحرف.
(وهذا الحديث إسناده حسن، ولا
نعلمه يروى عن عمر إلا من هذا الوجه، وهذا الكلام قد روي عن أبي، وعن حذيفة، وعن
أبي هريرة، وعن غيرهم، فذكرناه عن عمر لجلالة عمر، وحسن إسناده).
فقد وصف إسناده بالحسن مع كونه في الصحيحين من حديث الزهري، وكأنه نظر
إلى تفرد الزهري به!
11 ـ قال البزار: حدثنا محمد بن المثنى، قال حدثنا معاذ بن هشام، قال
حدثني أبي، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن أسير بن جابر، قال كان عمر بن الخطاب
رضي الله عنه إذا أتى عليه الأمداد، أمداد أهل اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟ حتى
أتى على أويس، فقال: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: من مراد من قرن؟ قال: نعم، قال:
هل كان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم، قال: ألك والدة؟ قال: نعم، قال:
سمعت رسول الله ﷺ، يقول: يأتي
عليك أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا
موضع درهم، له والدة هو بها بر لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك
فافعل، فاستغفر لي، فاستغفر له، فقال له عمر: فأين تريد؟ قال: الكوفة، قال: ألا
أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي، قال: فلما كان من العام
المقبل حج رجل من أشرافهم فوافق عمر، فسأله عن أويس، فقال: تركته رث البيت قليل
المتاع، قال: سمعت رسول الله ﷺ، يقول: يأتي
عليك أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد، ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه
إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر
لك فافعل فأتى أويسا، فقال: استغفر لي، قال: أنت حديث عهد بسفر صالح فاستغفر له، قال:
ألقيت عمر؟ قال: نعم، فاستغفر له، ففطن له الناس فانطلق على وجهه قال أسير: وكسوته
بردة، فكان كلما رآه إنسان، قال: من أين لأويس هذه البردة؟.
(ولا نعلم أسند أسير بن جابر، عن عمر إلا هذا الحديث، قال أبو بكر:
حديث أسير منكر، وإن كان إسناده ظاهره حسن، فله آفة).
وهنا جمع الحافظ البزار بين الحكم على الإسناد بالحسن الظاهري وعلى
الحديث بأنه منكر وله آفة، ولعله أراد ما أراده البخاري حين قال عنه: (أويس القرني
أصله من اليمن في إسناده نظر)،
وقد شك بعضهم في وجوده،
وقد قال ابن حبان عن أسير بن جابر: (في القلب من روايته عن أويس القرني، إلا أنه
حكى ما حكى عن إنسان مجهول لا يدرى من هو، والقلب أنه ثقة أميل).
12 ـ قال البزار: أنا أبو العباس أحمد بن الحسن بن إسحاق الرازي، قال:
حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار، قال: حدثنا محمد بن المثنى، وعمرو بن
علي، قالا: حدثنا عثمان بن عمر، قال: حدثنا فليح بن سليمان، عن سعيد بن الحارث، عن
خارجة بن زيد بن ثابت، عن أبيه، عن عثمان رضي الله عنه أنه: توضأ ثلاثا ثلاثا، وقال:
هكذا رأيت رسول الله ﷺ توضأ.
(وهذا الحديث حسن الإسناد، ولا نعلم روى زيد بن ثابت، عن عثمان حديثا
مسندا إلا هذا الحديث، ولا له إسناد عن زيد بن ثابت إلا هذا الإسناد).
قال الترمذي في العلل: (سألت مُحمدًا عن هذا الحديث، فقال: هو حديث
حسن.
قال أبو عيسى: هو غريب من هذا الوجه).
وقال ابن حجر (وروى البزار من طريق خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه عن
عثمان: أن النبي ﷺ توضأ ثلاثا
ثلاثا، وإسناده حسن).
والحديث في الصحيحين من طرق أخرى عن عثمان مطولا.
وقد اجتمع في هذا الحديث:
1 ـ غرابة في إسناده، إذ لم يروه أحد بهذا الإسناد إلا فليح بن سليمان
عن سعيد بن الحارث عن خارجة عن أبيه زيد بن ثابت عن عثمان.
2 ـ وضعف يسير في راويه، ففليح عن سعيد على شرط البخاري، وكلاهما من
رجال البخاري ومسلم، إلا أن فليحا متكلم فيه قال ابن حجر: (صدوق كثير الخطأ).
13 ـ قال البزار: حدثنا محمد بن عبد الرحيم، قال حدثنا مالك بن
إسماعيل، قال حدثنا عبد السلام ـ بن حرب ـ عن إسحاق بن عبد الله، عن محمد بن أبي
أمامة، عن أبان، عن عثمان أنه رأى النبي ﷺ أكل خبزا ولحما وصلى ولم يتوضأ.
(وهذا الحديث إنما فيه إسحاق بن عبد الله، وسائر أسانيده فحسن).
وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة قال عنه في ابن حجر: (متروك).
14 ـ قال البزار: حدثنا إبراهيم بن المستمر، قال حدثنا عمرو بن عاصم، قال
حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن عاصم، عن أبي وائل، قال: لقي الوليد بن عقبة
عبد الرحمن بن عوف، فقال: ما لك لا تأتي أمير المؤمنين ولا تغشاه؟ فقال له عبد
الرحمن: أبلغه عني أني لم أغب عن بدر، ولم أفر يوم عينين. فبلغ عثمان، فقال: أما
قوله: عن بدر، فإني تخلفت على ابنة رسول الله ﷺ، وضرب لي بسهمي، ومن ضرب له رسول الله ﷺ بسهم، فكأنه قد شهده، وأما قوله: لم أفر يوم عينين، فإن الله عز وجل
قد عفا عن جميع من فر، فلم يعيرني بذنب قد عفا الله عنه.
(وهذا الحديث قد رواه غير واحد، عن أبي وائل من حديث عاصم، ومن حديث
منصور، وقد ذكرناه عن التيمي، عن عاصم إذ كان حسن المخرج، واقتصرنا عليه).
فوصفه بالحسن وليس من سبب إلا كونه من رواية عاصم بن أبي النجود، وهو
حسن الحديث كما قال الهيثمي.
15 ـ قال البزار: حدثنا محمد بن المثنى، وعمرو بن علي، قالا: حدثنا
محمد بن أبي عدي، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني أبان بن صالح، عن عكرمة، قال: وقفت
مع الحسين بن علي بالمزدلفة، فلم أزل أسمعه، يقول: لبيك لبيك، حتى رمى الجمرة، فقلت:
يا أبا عبد الله ما هذا الإهلال؟ قال: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يهل حتى
انتهى إلى الجمرة، وحدثني أن رسول الله ﷺ أهل
حتى انتهى إليها.
(وهذا الحديث حسن الإسناد، ولا نعلمه يروى عن علي إلا من هذا الوجه).
وقد اجتمع فيه غرابة من هذا الوجه حيث تفرد به ابن إسحاق وهو صدوق، وقد
صحح البزار له بعض حديثه.
16 ـ حدثنا محمد بن مسكين، قال: حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثنا
معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، قال: جاء المقداد بن
الأسود في حاجة، فقلنا: اجلس حتى نطلب لك حاجتك فجلس فقال: عجبت لقوم مررت بهم
يتمنون الفتن، يزعمون ليبلينهم الله فيها ما أبلى رسوله ﷺ، وأصحابه رضي الله عنهم، ولقد سمعت رسول الله ﷺ، يقول: إن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن يرددها
ثلاث مرات إلا من ابتلي فصبر، وأيم الله لا أشهد لأحد أنه من أهل الجنة حتى أعلم
ما يموت عليه بعد حديث سمعته من رسول الله ﷺ، سمعت رسول الله ﷺ يقول: لقلب ابن
آدم أشد انقلابا من القدر إذا غليت.
(وهذا الكلام لا نحفظه إلا عن المقداد، عن النبي ﷺ، إلا رجل قلبه فجعله عن المقدام، والصواب عندنا هو المقداد، وإسناده
إسناد حسن).
والحديث غريب من حديث معاوية بن صالح عن عبد الرحمن عن أبيه عن
المقداد، وعبد الله بن صالح كاتب الليث متكلم فيه قال ابن حجر: (صدوق كثير الغلط
ثبت في كتابه).
17 ـ حدثنا يحيى بن خلف أبو سلمة، قال أخبرنا عبد الأعلى بن عبد
الأعلى، قال أخبرنا محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الحسن، عن رويفع
بن ثابت رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يسقين ما يزرع غيره.
(وهذا الحديث لا نعلم أحدا رواه إلا رويفع بن ثابت وحده، فإسناده
حسن).
وقد رتب هنا وصفه بالحسن على كونه لم يروه إلا رويفع!
18 ـ قال البزار: حدثنا عبد الأعلى بن حماد قال أخبرنا المفضل بن
فضالة قال أخبرنا عياش بن عباس عن شييم بن بيتان عن شيبان -بن أمية- قال كنا مع
رويفع بن ثابت فقال: لا أخبرن أن أحدا عقد وترا أو استنجى بعظم أو رجيع فمن فعل
ذلك فانه قد بريء من محمد أو مما أنزل على محمد.
(وهذا الحديث قد روى نحو كلامه غير واحد، وأما هذا اللفظ فلا يحفظ عن
رسول الله ولا عن أحد غير رويفع، وقد أدخل في المسند، لأنه قال: فقد بريء مما أنزل
على محمد، وإسناده حسن غير شيبان، فإنه لا نعلم روى عنه غير شييم بن بيتان، وعياش
بن عباس مشهور).
فقد حسن إسناده غير شيبان، لأنه عنده غير مشهور،
حيث لم يرو عنه غير شييم، وقد وثق ابن معين شييما هذا.
ويفهم من ذلك أن الحسن عنده وصف للرواة من جهة، ولمجموع الإسناد من
جهة أخرى، فقد استثنى شيبان لجهالته عنده، وقد قال ابن حجر عن شيبان (مجهول)،
وإنما صححوا الحديث؛ لأن شييم بن بيتان صرح بسماعه الحديث من رويفع بن ثابت أيضا
كما عند أبي داود.
وقد نصّ البزار نفسه على قاعدته في رواية المجاهيل وتعريفهم، فقال في
حديث رواه أسماء بن الحكم عن علي رضي الله عنه، وتابعه عبد الله بن سعيد عن جده
أبي سعيد المقبري عن علي (وهذا الحديث لا نعلم يروى عن النبي ﷺ إلا بهذا الإسناد الذي ذكرنا، والإسنادان جميعا معلولان، أما أسماء
بن الحكم فرجل مجهول لم يحدث بغير هذا الحديث، ولم يحدث عنه غير علي بن ربيعة، ولا
يحتج بكل ما كان هكذا من الأحاديث، على أن شعبة قد شك في اسمه، وأما عبد الله بن
سعيد فرجل منكر الحديث لا يختلف أهل العلم بالنقل في ضعف حديثه، فلا يجب أن يتخذ
حجة فيما ينفرد به، وما يشاركه الثقات فقد استغنينا برواية الثقات عن روايته).
وقال في حديث آخر: (وهذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ عن رسول
الله ﷺ إلا بهذا الإسناد، وفيه علتان: أما إحداهما فإن أبا ميمونة رجل مجهول،
لا يعلم روى عنه غير عبيد الله بن موسى).
وقال أيضا: (وهذا الحديث لا يثبت لأن خالد بن عرفطة مجهول لا نعلم روى
عنه غير قتادة، ولا نعلم روى عنه غير هذا الحديث).
وقال كذلك: (وأبو وحشي لا نعلم حدث عنه إلا ابنه، وعنده أحاديث مناكير
لم يروها غيره وهو مجهول في الرواية، وإن كان معروفا في النسب).
وقال في ارتفاع الجهالة: (وهذا الحديث قد روي عن أبي بكر من وجه آخر، وهذا
الإسناد أحسن من الإسناد الآخر، لأن زهيرا ثقة، وموسى بن أبي عائشة ثقة مشهور، وحفص
بن أبي حفص روى عنه السدي وموسى بن أبي عائشة، فقد ارتفع عنه الجهالة إذ روى عنه
رجلان).
فتحصل من مجموع أقواله ما يلي:
1 ـ أنه لا يحتج برواية المجهول، ولا يطلق وصف الحسن عليه.
2 ـ كما لا يحتج برواية الضعيف ولا يطلق وصف الحسن على حديثه حتى لو
توبع.
3 ـ وأن المجهول عنده هو من لم يرو عنه إلا راو واحد، حتى لو كان
معروف النسب.
4 ـ وأن الجهالة ترتفع عن الراوي إذا روى عنه رجلان.
19 ـ قال البزار: حدثنا محمد بن عمر بن هياج، قال أخبرنا عبيد الله بن
موسى، قال أخبرنا المنهال بن خليفة، عن سلمة بن تمام، عن أبي المليح، عن أبيه، أن
امرأة رمت امرأة بحجر، فألقت جنينا ميتا، فقضى فيه النبي عليه السلام بغرة عبد أو
أمة.
(وهذا الحديث قد روي عن النبي ﷺ من وجوه ولا نعلم يروى عن أبي المليح، عن أبيه إلا من هذا الوجه، وقد
رواه أبو المليح، عن حمل بن مالك.
وحديث أبي المليح، عن أبيه إسناد حسن، لأن المنهال مشهور، وسلمة بن
تمام أبو عبد الله الشقري، فذكرناه لعزة حديث أبي المليح، عن أبيه).
والمنهال بن خليفة وثقه البزار.
وقد ضعفه ابن حجر في التقريب، وقال في التهذيب: (عن ابن معين ضعيف، وقال
أبو حاتم صالح يكتب حديثه، وقال أبو بشر الدولابي ليس بالقوي، وقال البخاري صالح
فيه نظر، وقال في موضع آخر حديثه منكر، وقال أبو داود جائز الحديث، وقال النسائي
ضعيف، وقال مرة ليس بالقوي، وقال ابن حبان كان ينفرد بالمناكير عن المشاهير لا
يجوز الاحتجاج به، قلت: وذكره يعقوب ابن سفيان في باب من يرغب عن الرواية عنهم
وكنت أسمع أصحابنا يضعفونه، وقال الحاكم أبو أحمد ليس بالقوي عندهم، وأخرج له ابن
خزيمة في صحيحه، وقال البزار ثقة، وأخرج له حديثا عن ثابت عن أنس تفرد به).
20 ـ قال البزار: حدثنا محمد بن مرزوق، والحسين بن أبي كبيشة، قالا:
أخبرنا محمد بن بكر البرساني، قال: أخبرنا الصلت -بن بهرام-، عن الحسن -البصري-، قال
أخبرنا جندب في هذا المسجد يعني مسجد البصرة، أن حذيفة حدثه قال: قال رسول الله ﷺ: إنما أتخوف عليكم رجلا قرأ القرآن حتى إذا رئي عليه بهجته، وكان
ردءا للإسلام اعتزل إلى ما شاء الله، وخرج على جاره بسيفه، ورماه بالشرك.
(وهذا الحديث بهذا اللفظ لا نعلمه يروى إلا عن حذيفة بهذا الإسناد، وإسناده
حسن، والصلت هذا رجل مشهور من أهل البصرة، وما بعده فقد استغنينا عن تعريفهم
لشهرتهم).
فحكم عليه بالحسن لشهرة رجاله عنده، ولغرابته إذ لا يروى إلا عن حذيفة
بهذا الإسناد، وليس في رواته ضعيف ولا مجهول.
21 ـ قال البزار: أخبرنا محمد بن عبد الملك القرشي قال أخبرنا أبو
عوانة عن الأعمش عن المنهال ـ بن عمرو ـ عن قيس بن سكن عن عبد الله قال: إن الله
تبارك وتعالى ينشئ السحاب فيرسل الريح فتؤلف السحاب فتدر كما تدر اللقحة وقرأ: {أأنتم
أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون}
(وهذا الحديث حديث عال حسن الإسناد).
ولعله حسنه لغرابته حيث تفرد به الأعمش، ولحال المنهال بن عمرو، فهو
صدوق كما قال ابن حجر،
إذ باقي رواته ثقات، وقد حسن له البزار حديثا آخر كل رواته أئمة حفاظ وسيأتي.
22 ـ حدثنا محمد بن عبد الملك، قال حدثنا بشر بن المفضل، قال أنا
الحسين المعلم، عن عبد الله بن بريدة، عن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال: قال
رسول الله ﷺ: صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم، وصلاة النائم على النصف من
صلاة القاعد.
(وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي ﷺ في صلاة النائم على النصف من صلاة القاعد إلا في هذا الحديث، وإنما
يروى عن النبي ﷺ من وجوه في صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم، وإسناده حسن).
وإنما حسنه لكون هذا اللفظ لا يعرف إلا من طريق حسين المعلم عن ابن
بريدة، وقد رواه البخاري أيضا من طريق حسين المعلم به بلفظ: (إن صلى قائما فهو
أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد).
وكذا رواه البزار بلفظ آخر:
23 ـ قال البزار: حدثنا يحيى بن داود، قال حدثنا وكيع، قال حدثنا
إبراهيم بن طهمان، عن حسين المعلم، عن ابن بريدة، عن عمران رضي الله عنه، قال: كان
بي باسور، فسألت النبي ﷺ فقال: صل قاعدا،
فإن لم تستطع فعلى جنب.
(وهذا الكلام لا نحفظه في صفة الصلاة على طاقة الإنسان عن النبي ﷺ إلا من هذا الوجه، ولا نعلم له طريقا عن عمران إلا هذا الطريق، وإسناده
حسن، ورواه عن إبراهيم بن طهمان، غير واحد فاجتزينا بمن ذكرناه دون غيره).
فليس لتحسينه الحديث معنى إلا كونه لا يرويه إلا حسين المعلم بهذا
اللفظ.
24 ـ قال البزار: حدثنا محمد بن عبد الملك، قال حدثنا خالد بن الحارث،
قال حدثنا حسين المعلم، عن عبد الله بن بريدة، عن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال:
حذرنا رسول الله ﷺ كل منافق عليم
اللسان.
(وهذا الكلام لا نحفظه إلا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، واختلفوا
في رفعه عن عمر فذكرناه عن عمران إذ كان يختلف في رفعه عن عمر، وإسناد عمر إسناد
صالح فأخرجناه عن عمر، وأعدناه عن عمران لحسن إسناد عمران).
وقد قال عن حديث عمر بعد أن رواه من طريقين عن الأحنف بن قيس عن عمر:
(وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن عمر إلا من حديث الأحنف وأبي عثمان متصلا، وسويد بن
المغيرة رجل جليل من أهل البصرة).
فقرر الحافظ البزار هنا أمورا:
1 ـ أنه فرق بين الإسناد الصالح والإسناد الحسن، حيث وصف بالأول حديث
عمر، وبالثاني حديث عمران.
2 ـ أن حديث عمر محفوظ مشهور عنه إلا أنه يختلف في رفعه ووقفه عليه،
بينما حديث عمران غريب لم يروه إلا حسين المعلم بهذا الإسناد عن عمران.
25 ـ قال البزار: حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني، قال: حدثنا عفان، قال:
حدثنا حماد، عن ثابت، عن مطرف، عن عمران بن حصين رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ، قال له أو لرجل: هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا؟ قال: لا. قال: فإذا
أفطرت رمضان فصم يومين.
(وهذا الكلام لا نعلمه يروى إلا عن عمران، عن النبي ﷺ، وقد روي عنه من طرق، فذكرنا هذا الطريق منها إذ كان حسن الإسناد، وكان
فيه تفسير السرر إذ قال له: إذا أفطرت شهر رمضان فصم يومين، دليل على أن السرر في
أوله).
ولعله حسنه لكونه لم يروه إلا مطرف الشخير عن عمران، فهو يشترط المتابعة
حتى لمن هو كقتادة في حفظه كما قال في حديث رواه سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن
أيوب عن قتادة (وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي ﷺ إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، ولم يتابع قتادة على هذا الحديث، ومن
دون قتادة فثقات أيوب وحماد وسليمان بن حرب، والحديث يهاب مع هذه الرواية).
ويحتمل أنه حسنه لكونه من حديث حماد بن سلمه كما في الحديث التالي:
26 ـ قال البزار: حدثنا يحيى بن محمد بن السكن، قال حدثنا إسحاق بن
إدريس، قال حدثنا حماد بن سلمة، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران
بن حصين رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: لعن المؤمن كقتله.
(وهذا الحديث لا نعلمه يروى إلا عن عمران، وعن ثابت بن الضحاك، فذكرنا
حديث عمران لحسن إسناده، ولأن عمران أجل جلالة، ولا نعلم روى هذا الحديث إلا حماد
بن سلمة).
27 ـ حدثنا يحيى بن محمد، ومحمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل، قالا
حدثنا إسحاق، قال حدثنا حماد بن سلمة، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن
عمران بن حصين رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر فهو كقتله.
(وهذا الحديث لا نعلمه يروى إلا عن عمران بن حصين بهذا اللفظ وعن ثابت
بن الضحاك فذكرنا حديث عمران لجلالته، ولا نعلم روى حديث عمران فقال: عن عمران إلا
حماد بن سلمة، ولا نعلم روى هذين الحديثين على ما ذكرنا من إسنادهما، عن أيوب، عن
أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران إلا إسحاق بن إدريس، عن حماد بن سلمة، وإسحاق
لم يكن به بأس، إلا أنه حدث بأحاديث لم يتابع عليها).
قال ابن حجر بعد أن أورد الحديثين: (قال البزار: وإسحاق حدث بأحاديث
لم يتابع عليها، قال: ولا نعلم روى هذا الحديث إلا حماد، وإسناده حسن).
وفي هذين النصين ما يلي:
1 ـ تحسين إسناديهما مع أنهما لا يعرفان إلا من حديث إسحاق بن إدريس
عن حماد بن سلمة.
2 ـ أنه حكم على إسحاق بأنه لا بأس به، ولهذا حسن إسناد حديثيه، مع
أنه لم يتابع عليهما!
3 ـ أنه خالف بهذا أكثر أهل الحديث الذين ضعفوا إسحاق بن إدريس.
28 ـ قال البزار: حدثنا عمرو بن علي، ونصر بن علي، قالا: حدثنا يزيد
بن زريع، قال: حدثنا يونس، عن الحسن، عن عمران بن حصين رضي الله عنه، أن رجلا أعتق
ستة أعبد له عند الموت، لم يكن له مال غيرهم، فأعتقهم عند موته، فبلغ ذلك النبي ﷺ فجزأهم ثلاثة أجزاء أعتق اثنين، وأرق أربعة.
حدثنا يحيى بن خلف، قال: حدثنا عبد الأعلى، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة،
عن الحسن، عن عمران بن حصين.
وحدثنا أبو كامل، قال حدثنا أبو عوانة، عن سماك، عن الحسن، عن عمران
بن حصين، عن النبي ﷺ بنحوه.
(وهذا الحديث قد روي عن عمران بن حصين، عن النبي ﷺ من وجوه، وعن غير عمران بن حصين، وإسناده حسن، وفيه من الفقه أنه لا
يجوز للرجل أن يوصي بأكثر من الثلث، فإن أوصى بأكثر من الثلث كان مردودا لأن النبي
ﷺ رد الجميع إلى الثلث، وفيه أن الرجل المريض ليس له أن يفعل في ماله
إذا اشتد مرضه وخيف عليه إلا الثلث، فإن أخرج أكثر من الثلث يرد وإن لم تكن وصيته،
فإنها بمنزلة الوصية).
وهنا حسن الإسناد مع شهرة الحديث عن عمران وكأنه راعى الخلاف في سماع
الحسن من عمران.
29 ـ قال البزار: حدثنا محمد بن المثنى، قال حدثنا عبد الأعلى، قال
حدثنا يونس، عن الحسن، عن عمران بن حصين رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ كان في سفر فعرسوا فناموا، فلم يستيقظوا حتى طلعت الشمس فلما ارتفعت
أمرهم فصلوا.
(وهذا الحديث يروى عن عمران وغيره، ولا نعلم لعمران طريقا أحسن من هذا
الطريق، لأن يونس بن عبيد حسن إسناده).
وقوله هنا: يونس بن عبيد حسن إسناده مشكل، إلا إذا كان بمعنى جود
إسناده.
30 ـ قال البزار: حدثنا محمد بن المثنى، قال حدثنا محمد بن جعفر، قال
حدثنا شعبة، عن قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصين رضي الله عنه، أن النبي ﷺ نهى عن الكي.
حدثنا علي بن مسلم، قال: حدثنا هشيم، عن يونس، عن الحسن، عن عمران بن
حصين، عن النبي ﷺ بنحوه.
(وهذا الحديث قد روي عن عمران، من غير وجه، ولا نعلم يروى إلا عن
عمران بن حصين، وإسناده حسن، وقال: فيه علي بن عاصم، عن يونس بن عبيد، عن الحسن، عن
مطرف، عن عمران).
وهذا كالذي قبله وقد يكون حسنه من طريق الحسن البصري للخلاف في سماع
الحسن من عمران بن حصين حيث نفاه أكثر الأئمة.
31 ـ قال البزار: حدثنا عمرو بن علي، قال حدثنا عبد الأعلى، قال حدثنا
خالد، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين رضي الله عنه، أن ناقة للنبي
فقدت، وأن امرأة نذرت أن تنحرها، فقال النبي ﷺ: ليس على أحد نذر في معصية أو نهى عن النذر في المعصية.
(وهذا الحديث لا نعلم أحدا رواه إلا عمران بهذا اللفظ، وإسناده حسن).
وهذا كالذي قبله في صحة إسناده وهو مما خرجه مسلم، إلا أن البخاري لم
يخرج عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران شيئا، ولا عن الحسن البصري عن عمران.
32 ـ قال البزار: حدثنا عمرو بن علي، قال حدثنا يحيى بن سعيد، قال
حدثنا عوف، عن أبي رجاء، عن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: اطلعت في النار، فإذا عامة أهلها النساء.
(وهذا الحديث قد اختلفوا فيه فرواه غير واحد، عن أبي رجاء، عن ابن
عباس، ورواه غير واحد، عن أبي رجاء عن عمران بن حصين، وإسناده حسن).
وهنا أيضا حسن إسناده عن عمران مع أنه مخرج في الصحيحين من حديث أبي
رجاء عن عمران في البخاري، وعن مطرف عن عمران في مسلم.
33 ـ قال البزار: حدثنا عمرو بن علي، قال حدثنا يحيى، قال حدثنا الحسن
بن ذكوان، عن أبي رجاء، عن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال: يخرج ناس من النار
بشفاعة محمد، يقال لهم الجهنميون.
(وهذا الحديث قد روي من وجوه عن النبي ﷺ، وهذا من حسان الوجوه التي تروى عن النبي ﷺ، وقال فيه صفوان: عن الحسن بن ذكوان، عن أبي رجاء، عن عمران بن حصين،
عن النبي ﷺ، والحسن بن ذكوان لا بأس به حدث عنه يحيى بن سعيد وصفوان وجماعة).
وقد حسنه لأنه من رواية الحسن بن ذكوان وهو لا بأس به عند البزار.
34 ـ قال البزار: حدثنا عمرو، قال حدثنا يحيى، قال حدثنا عمران أبو
بكر، قال حدثنا أبو رجاء العطاردي، عن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال: تمتعنا مع
رسول الله ﷺ، ولم ينزل فينا كتاب، ولم ينه عنها النبي ﷺ قال رجل فيها برأيه ما قال.
(وهذا الحديث قد روي عن عمران من وجوه، وإسناد هذا عن عمران حسن).
وفيه عمران بن مسلم أبو بكر البصري قال عنه ابن حجر: (صدوق ربما وهم).
35 ـ قال البزار: حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن
سفيان، عن جامع بن شداد، عن صفوان بن محرز، عن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال:
جاءت بنو تميم إلى رسول الله ﷺ، فقال لهم رسول
الله ﷺ: أبشروا يا بني تميم، قالوا: إذ بشرتنا فأعطنا، فتغير وجه رسول الله ﷺ وجاء ناس من اليمن، فقال: اقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم، قالوا:
قد قبلناها يا رسول الله.
(وهذا الحديث لا نعلم أحدا يرويه عن النبي ﷺ بهذا اللفظ إلا عمران بن حصين، ولا نعلم له طريقا غير هذا الطريق، وإسناده
حسن).
فحسن إسناده مع كون رجاله كلهم ثقات أثبات، وقد أخرجه البخاري، وكأنه
حكم عليه بالحسن لتفرد جامع بن شداد به.
36 ـ قال البزار: حدثنا بشر بن خالد، حدثنا شبابة، عن شعبة، عن قتادة،
عن زرارة، عن عمران بن حصين رضي الله عنه، أن النبي ﷺ كان يوتر بسبح اسم ربك الأعلى، و قل يأيها الكافرون، و قل هو الله
أحد.
(وهذا الحديث لا نعلم أحدا يرويه عن شعبة إلا شبابة وحده، وهو حسن
الإسناد).
فقد حسنه مع كون رجاله ثقات، لأن شبابة تفرد به عن شعبة، وإنما يرويه
أصحاب شعبة عنه بهذا اللفظ من حديثه عن سلمة بن كهيل وزبيد عن ذر عن ابن أبي أبزى
عن أبيه به، أما ما يرويه شعبة عن قتادة عن زرارة عن عمران فهو حديث آخر، قال
النسائي: (لا أعلم أحدا تابع شبابة على هذا الحديث خالفه يحيى بن سعيد. أخبرنا
محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن قتادة عن زرارة عن عمران بن
حصين قال: صلى رسول الله ﷺ الظهر فقرأ رجل
بسبح اسم ربك الأعلى فلما صلى قال من قرأ بسبح اسم ربك الأعلى؟ قال رجل أنا قال قد
علمت أن بعضهم خالجنيها).
37 ـ قال البزار: حدثنا محمد بن مرزوق، ومحمد بن معمر، قالا: حدثنا
حجاج بن المنهال، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن يونس، عن الحسن، عن عمران بن حصين، والحكم
بن عمرو الغفاري رضي الله عنهما، أن رسول الله ﷺ، قال: لا طاعة في معصية الله.
(وهذا الحديث لا نعلم أحدا يرويه عن النبي ﷺ بأحسن من هذا الإسناد).
38 ـ وقال البزار: حدثنا عمرو بن علي، قال حدثنا معتمر، قال حدثنا سلم
بن أبي الذيال، عن محمد بن سيرين، عن عمران بن حصين، والحكم الغفاري، أن النبي ﷺ، قال: لا طاعة في معصية الله.
(وهذا الكلام قد أخرجناه، عن عمران من وجه آخر حسن، وإنما أعدناه ها
هنا لمكان سلم بن أبي الذيال، لأن سلما لم يسند إلا خمسة أحاديث أو ستة، فأردنا أن
نخرجه عن سلم لعزة حديث سلم).
فقد حسن حديث حماد عن يونس عن الحسن عن عمران، وهو الوجه الآخر الحسن
الذي قصده هنا.
39 ـ قال البزار: حدثنا يحيى بن حكيم، قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال
حدثنا سفيان الثوري، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه
رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: أرأيتم إن
كانت جهينة ومزينة وأسلم وغفار خيرا من بني تميم، ومن بني أسد ومن بني عبد الله بن
غطفان، ومن بني عامر بن صعصعة، فقال رجل: خابوا وخسروا، قال: فإنهم خير من بني
تميم، ومن بني أسد، ومن بني عبد الله بن غطفان، ومن بني عامر بن صعصعة.
(وهذا الحديث قد روي عن النبي ﷺ من غير وجه، وهذا إسناد حسن مما يروى في مثل هذا).
وهذا الحديث في الصحيحين وقد حسنه البزار هنا.
40 ـ قال البزار: حدثنا محمد بن بشار، ويحيى بن حكيم، قالا حدثنا عبد
الوهاب، قال حدثنا المهاجر أبو مخلد، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه رضي الله
عنه، عن النبي ﷺ، أنه رخص للمسافر ثلاثة أيام، ولياليهن وللمقيم يوما وليلة، إذا تطهر
فلبس خفيه، وكان أبو بكرة إذا أحدث توضأ، فخلع خفيه.
(وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي بكرة إلا من هذا الوجه، وإسناده
حسن).
ومهاجر بن مخلد قال عنه ابن حجر (مقبول)،
وقد قال الساجي: صدوق معروف، وقال ابن معين: صالح.
وتحسين البزار لحديثه مع تفرده بهذا الإسناد دليل على أنه لا بأس به
عنده.
41 ـ قال البزار: حدثنا يحيى بن حكيم، قال حدثنا يحيى بن سعيد، قال:
حدثنا الأشعث، عن الحسن، عن أبي بكرة رضي الله عنه، عن النبي ﷺ في صلاة الخوف، صلّى بهؤلاء ركعتين وبهؤلاء ركعتين، فكانت للنبي
أربعا ولهؤلاء ركعتين ركعتين.
(وهذا الكلام يروى عن جابر، وعن أبي بكرة، وحديث أبي بكرة أحسن إسنادا
فذكرناه عن أبي بكرة لحسن إسناده، إلا أن يزيد فيه جابر كلاما).
وهذا الإسناد رجاله ثقات، وكأنه نظر إلى تفرد الحسن به عن أبي بكرة.
42 ـ قال البزار: حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا أبو عامر، قال:
حدثنا سليمان بن بلال، عن سهيل بن أبي صالح، عن عبد الرحمن بن سعيد، عن أبي حميد
الساعدي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: لا يحل لمسلم أن يأخذ عصا أخيه إلا بطيبة نفسه، وذلك مما شدد ﷺ ما حرم الله من مال المسلم على المسلم.
(قال: وهذا الحديث قد روي نحو كلامه، عن النبي ﷺ من وجوه بغير هذا اللفظ، ولا نعلم لأبي حميد طريقا غير هذا الطريق، وإسناده
حسن).
وهنا أيضا نظر إلى تفرد سهيل بهذا الحديث، وحسنه لذلك.
43 ـ قال البزار: حدثنا محمد بن عبد الملك، قال: حدثنا بشر بن المفضل،
قال: حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة، عن أبيه، عن
جده رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ، قال لعمر:
اجمع لي قومك فجمعهم عمر عند بيت رسول الله ﷺ، ثم دخل عليه، فقال: يا رسول الله، أدخلهم عليك أو تخرج إليهم؟ فقال:
بل أخرج إليهم. قال: فأتاهم، فقال: هل فيكم أحد من غيركم؟ قالوا: نعم، فينا
حلفاؤنا، وفينا أبناء أخواتنا، وفينا موالينا، فقال: حلفاؤنا منا، وبنو أختنا منا،
وموالينا منا، وأنتم ألا تسمعون أن أوليائي منكم المتقون؟ فإن كنتم أولئك فذلك، وإلا
فانظروا أن لا يأتي الناس بالأعمال يوم القيامة، وتأتون بالأثقال، فيعرض عنكم ثم
رفع يديه، فقال: يا أيها الناس، إن قريشا أهل أمانة، فمن بغاهم العوائر أكبه الله
بمنخريه، قالها ثلاثا.
(قال: وهذا الحديث لا نعلم
يرويه بهذا اللفظ إلا رفاعة بن رافع، وهذا الطريق عنه من حسان الأسانيد التي تروى
في ذلك، وقد روى وكيع، عن سفيان، عن ابن خثيم، عن إسماعيل بن عبيد، عن أبيه، عن
جده، عن النبي ﷺ بعض كلامه، وحديث بشر أتم من حديث سفيان).
وكأنه حسنه لتفرد ابن خثيم بإسناده هذا.
44 ـ قال البزار: وحدثنا هدبة، قال حدثنا همام، عن إسحاق بن عبد الله
بن أبي طلحة، عن علي بن يحيى بن خلاد، عن أبيه، عن عمه رضي الله عنه، قال: بينا
رسول الله ﷺ في المسجد وحوله ناس إذ جاء رجل، فاستقبل القبلة فلما صلى صلاته جاء
فسلم على النبي ﷺ وعلى القوم، فقال
له رسول الله ﷺ: وعليك، ارجع فصل فإنك لم تصل! فرجع فصلى، ثم جاء فجعلنا نرمق صلاته،
فلما قضى صلاته، جاء فسلم على رسول الله ﷺ وعلى القوم، فقال له رسول الله ﷺ: وعليك ارجع فصل فإنك لم تصل! فأعادها مرتين أو ثلاثا، فقال الرجل:
يا رسول الله، ما أدري ما تعيب علي من صلاتي وما ألوت، فقال رسول الله ﷺ: إنه لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله، فيغسل يديه
ووجهه ويديه إلى مرفقيه ويمسح برأسه ورجليه إلى كعبيه، ثم يكبر الله، ويحمده ويقرأ
من القرآن ما أذن الله له فيه، ثم يكبر ويركع فيضع كفيه على ركبتيه حتى تطمئن
مفاصله ويسترخي، ثم يقول: سمع الله لمن حمده حتى يقيم صلبه ويستوي قائما، ويأخذ كل
عظم مأخذه ثم يمكن وجهه. وقد سمعته، يقول: جبهته حتى تطمئن مفاصله ويسترخي ثم يكبر
ويرفع رأسه حتى يستوي قاعدا على مقعدته، ويقيم صلبه ثم يكبر، فيسجد حتى يمكن وجهه
ويسترخي مفاصله ويطمئن، ثم يكبر فيرفع فوصف هكذا، فإذا لم يفعل هكذا لم تتم صلاته.
(قال: وهذا الحديث لا نعلم أحدا رواه عن رسول الله ﷺ إلا رفاعة بن رافع وأبو هريرة، وحديث رفاعة أتم من حديث أبي هريرة، وإسناده
حسن).
وإنما حسن إسناده لتفرد علي بن يحيى بهذا الإسناد عن أبيه عن عمه
رفاعة بن رافع، مع أنه على شرط البخاري.
45 ـ حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، وبشر بن آدم، قالا: حدثنا زيد بن
الحباب، قال: حدثنا هشام بن هارون الأنصاري، قال: حدثني معاذ بن رفاعة بن رافع، عن
أبيه رضي الله عنه، قال رسول الله ﷺ: اللهم اغفر
للأنصار ولذراري الأنصار، ولذراري ذراريهم ولجيرانهم.
(قال: وهذا الحديث لا نعلم أحدا يرويه عن رفاعة بن رافع إلا من هذا
الوجه بهذا الإسناد، وإسناده حسن).
46 ـ حدثنا حفص بن عمرو الربالي، قال: حدثنا أبو بحر البكراوي، قال:
حدثنا سليمان بن المغيرة، قال: حدثنا حميد بن هلال، عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن
عبادة رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال لي: قم على
صدقة بني فلان، وانظر لا تأتي يوم القيامة ببكر تحمله على رقبتك له رغاء، قال:
اقبل عني صدقتك فقبلها عنه.
(قال: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن سعد بن عبادة إلا من هذا الوجه
بهذا اللفظ، وإسناده حسن).
وقد حسنه مع أن من رواية سعيد بن المسيب عن سعد بن عبادة ولم يدركه، وكأنه
يحتج بمرسله عن الصحابة.
47 ـ قال البزار: حدثنا محمد بن معمر، قال: حدثنا حبان بن هلال، قال:
حدثنا أبو الأشهب، قال: حدثنا خليد بن عبد الله العصري، عن الأحنف بن قيس، قال:
كنت جالسا في الناس من قريش، فجاء أبو ذر حتى كان قريبا منهم، فقال: بشر الكنازين
بكي قبل ظهورهم يخرج من قبل بطونهم، قال: قلت: من هذا؟ قالوا: أبو ذر، قال فقمت
إليه، فقلت: ما هذا الذي سمعتك تنادي به قبل؟ قال: ما قلت لهم إلا شيئا سمعته من
نبيهم، قال: قلت: ما تقول في هذا العطاء؟ قال: خذه اليوم، فإن فيه معونة، فإذا كان
ثمنا لدينك فدعه.
(وهذا الحديث حسن الإسناد، ولا نعلم أسند خليد العصري عن الأحنف إلا
هذا الحديث).
فقد حسن إسناده مع كونه في صحيح مسلم من هذه الطريق، كما أخرجه
البخاري من طريق الأحنف، وخليد قال عنه ابن حجر: (صدوق).
48 ـ حدثنا عبد الله بن أحمد قال نا صفوان بن صالح قال نا الوليد بن
مسلم عن يزيد بن يوسف الصنعاني عن يزيد بن يزيد بن جابر عن مكحول عن أم الدرداء عن
أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ في قوله تبارك وتعالى: {وكان تحته كنز لهما} قال: كان "ذهب وفضة".
(وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن رسول الله ﷺ إلا من هذا الوجه، وإسناده حسن يزيد بن يوسف ليس به بأس، ومن بعده
وقبله ثقات، والحديث عن أبي الدرداء لا نعلم له طريقا متصلا غير هذا الطريق).
وفيه نص البزار ما يلي:
1 ـ أنه قوى حال يزيد بن يوسف بأنه لا بأس به، وحسن حديثه، وقد قال
ابن حجر عنه: (ضعيف).
2 ـ وقد حكم باتصال الإسناد.
3 ـ أنه وثق باقي رجاله.