الثورة
والفقه المبدل
أ.د. حاكم
المطيري
الاثنين 12/
12/ 1443هـ
11/ 7/ 2022م
إن الخروج على الإمام الجائر -دع عنك صدعه بالحق- هو مذهب السلف قديما كما
قال ابن حجر وقول أبي حنيفة ومالك وهما إماما عصرهما وأدلتهم هي نصوص القرآن ومتواتر
السنة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم يستدل أحد منهم بهذه الأكاذيب وقد ذكر
ابن حزم من قال به أو فعله من الصحابة ومن بعدهم!
وقد قال بجواز الخروج على الإمام الجائر الشافعي في القديم وهو رواية عن
الإمام أحمد ذكرها أبو يعلى ورجحها ابن الجوزي وقد خرج من كبار الصحابة طلحة والزبير
بالأمر بالمعروف والقصاص ممن قتل عثمان –رضي الله عنه-.
وخرج من صغار الصحابة وفقهائهم ابن الزبير والحسين على يزيد لعدم أهليته
وخرج الفقهاء على الحجاج.
ولم يصمت علماء الأمة في عهد المأمون بل صدعوه بالحق وأن قوله كفر؛ فسُجن
البويطي ومات في سجنه، وسُجن الإمام أحمد وعُذِّب وكان يفتي الناس بأن القول بخلق القرآن
كفر، وخرج محمد بن نصر الخزاعي على المأمون فاستشهد وأثنى أحمد عليه وقال: (رحمه الله
جاد بنفسه) وقال الذهبي عنه: (الإمام الكبير الشهيد).
وإن قياس ثورات الأمة وشعوبها اليوم -وهي تحت حكم الحملة الصليبية والمحتل
الأمريكي الأوربي الروسي وأنظمته الوظيفية- على الخروج على الولاة في ظل الخلافة الإسلامية
قياس فاسد الاعتبار شرعا وعقلا؛ فثوراتها اليوم من الجهاد في سبيل الله كما جاهد المسلمون
المغول حين اجتاحوا العالم الإسلامي!
فالأمة اليوم لا تواجه أئمة الجور الذين اختلف السلف في الخروج عليهم فحرمه
بعضهم حفاظا على وحدة الأمة وخلافتها آنذاك؛ بل تواجه أنظمة الردة التي فرضتها الحملة
الصليبية ردءًا تحول به بين الأمة وتحررها ووحدتها وخلافتها، وقد أجمع الفقهاء على
الخروج على الكافر دع العدو المحتل!
قال القاضي عياض كما في شرح مسلم للنووي (١٢/ ٢٢٩): (أجمع العلماء على
أن الإمام لو طرأ عليه كفر أو تغيير للشرع أو بدعة –أي مكفرة- خرج عن حكم الولاية،
وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن
لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر).
وقال ابن حجر في فتح الباري (١٣/ 1٢٣): (فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا
طاعة أي لا يجب ذلك بل يحرم على من كان قادرا على الامتناع وفي حديث معاذ عند أحمد
لا طاعة لمن لم يطع الله وعنده وعند البزار في حديث عمران بن حصين والحكم بن عمرو الغفاري
لا طاعة في معصية الله وسنده قوي وفي حديث عبادة بن الصامت عند أحمد والطبراني لا طاعة
لمن عصى الله تعالى وقد تقدم البحث في هذا الكلام على حديث عبادة في الأمر بالسمع والطاعة
إلا أن تروا كفرا بواحا بما يغني عن إعادته وهو في كتاب الفتن وملخصه أنه ينعزل بالكفر
إجماعا فيجب على كل مسلم القيام في ذلك فمن قوي على ذلك فله الثواب ومن داهن فعليه
الإثم ومن عجز وجبت عليه الهجرة من تلك الأرض).
وقال في فتح الباري (١٣/ ٨): (ونقل بن التين عن الداودي قال الذي عليه
العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب وإلا فالواجب الصبر
وعن بعضهم لا يجوز عقد الولاية لفاسق ابتداء فإن أحدث جورا بعد أن كان عدلا فاختلفوا
في جواز الخروج عليه والصحيح المنع إلا أن يكفر فيجب الخروج عليه).
والاستدلال بفشل بعض الثورات على عدم مشروعيتها؛ نقض للشرع والاحتجاج بالقدر
على ترك أحكام الله ﴿ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس
كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم﴾ ولو أخذ به الأفغان ما تحرروا
ولا خرج العدو المحتل بعد ٢٠ سنة من التضحيات.
فقد ثار الأفغان -وهم أضعف شعوب الأمة قوة وأقلها عددا وثروة- على المحتل
البريطاني مدة ٣ سنوات وهزموه، ثم ثاروا على المحتل الروسي عشر سنين فهزموه، ثم ثاروا
على المحتل الأمريكي عشرين سنة فهزموه –بإذن الله-، وحرروا وطنهم بالجهاد في سبيل الله
بينما رضي العرب وهم أكثر عددا وثروة منذ مئة سنة بحكم الحملة الصليبية!