عصمة
الأمة وفتنة الجماعات
29 شوال 1443هـ
30 مايو 2022مـ
من النصيحة لله ولرسوله وللمؤمنين أن يكون الولاء
لهم حصرا ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ﴾[المائدة:55]
وأن لا يُجعل لغيرهم لا لرئيس ولا لعالم ولا لحزب ولا لجماعة، فإنه لا يؤمن عليهم الفتنة،
وأن يضلوا ويزلوا، وإنما العصمة للأمة وجماعتها وعامتها، ومن شذ شذ في النار!
فالأمة بمجموعها هي الموصوفة بالخيرية والموعودة بالنصر، وهي المعصومة من أن
تضل عن دينها، وهي التي أوجب الله الانتماء والولاء لها وحرم الخروج عليها (من خرج
على أمتي فليس مني) والتي يجب لزومها (الزم جماعة المسلمين) وهي أكبر من الحكومات والجماعات
التي قد تضل؛ بل وقد ترتد بالانحياز للعدو!
ومن رأى كيف وقفت الأمة وشعوبها مع الشعب العراقي والأفغاني وجهادهما للمحتل
الأمريكي، وكيف انحازت جماعات وأحزاب إسلامية إلى المحتل وقاتلت تحت رايته واستلمت
السلطة منه!
ورأى كيف رفض عامة المسلمين إغلاق المساجد،
بينما حرض عليه جماعات وهيئات فقهية؛ يدرك حقيقة مفهوم الأمة والخيرية والعصمة!
وليس أدل على عصمة الأمة وأنها لا تجتمع على ضلالة من واقعها المعاصر، فمع شدة
الفتن حتى انحازت أكثر دولهم وحكوماتهم وجماعات إسلامية كبرى للحملة الصليبية على أفغانستان
والعراق بدعوى مكافحة الإرهاب وإقامة الديمقراطية؛ عصم الله عامة المسلمين منها، فكانوا
أصح إسلاما وأهدى سبيلا وأكمل عقولا!
وقد هدى الله بالتقوى عامة المسلمين؛ فهم بفطرتهم مع كل من جاهد الكفار بالنفس
والمال والدعاء؛ فهداهم الله سبيله ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ
سُبُلَنَا﴾[العنكبوت:69].
وأضل الله بالتأويل الباطل كثيرا من جماعاتهم
وعلمائهم؛ فهم يجاهرون بموالاة الكفار والمنافقين ويظاهرونهم، وهو معنى (أكثر منافقي
أمتي قراؤها)!
وإن ولاء الإنسان لقومه ووطنه فطري طبعي وولاؤه لجماعته وحزبه وفصيله اختياري
طوعي، فتكون الفتنة فيه أشد والعذر فيه أضيق؛ ولهذا قد تقتحم الدول والحكومات باب ردة
وتسلم شعوبها منها ببغضها لها وكفرها بها، بينما تقتحم مثله الجماعات؛ فلا يعذر أتباعها
إلا بتركها، وقلما يتركونها؛ بل يقتحمونه معها!
ولشدة فتنة أتباع الجماعات بها؛ لا يكاد ينفر منهم للجهاد في سبيل الله إذا
لم تأذن به جماعاتهم ولو كان فرض عين إلا من يفارقها، بينما ينفر عامة المسلمين له
من كل بلد، وإن لم تأذن دولهم وحكوماتهم؛ لأن ولاءهم لدينهم وأمتهم، وأولئك ولاؤهم
لجماعاتهم وأحزابهم التي قد توالي الكفار وتظاهرهم!
وتعبئ هذه الجماعات والأحزاب أتباعها بالولاء المطلق لها، فإذا اقتحمت باب ردة
-كمن انحاز منها إلى الحملة الصليبية والفرق الباطنية المرتدة وظاهرها في عدوانها على
المسلمين- فإذا أكثر أتباعها بين مفتون بها ومقتحم معها أو معتذر عنها؛ فكان اعتذار
الشعوب لدولها أولى، وكان فعل الجماعات فتنة لها!
وقد حرم الشرع الخروج عن الطاعة للإمام العام إلا في أضيق الحدود، فقال ﷺ: (إلا أن تروا كفرا بواحا) حفاظا على وحدة
الأمة واجتماع الكلمة، وليس ذلك للجماعات والأحزاب والفصائل؛ فلا يحل الانتماء إليها
ولا يعذر أتباعها بالبقاء فيها مع اقترافها ما حرم الله؛ إذ ليس الانتماء لها فرضا
كالولاء للأمة!