الجزيرة العربية والحرب
الشيطانية
أ.د. حاكم المطيري
قال تعالى: ﴿ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم﴾
وقال تعالى: ﴿ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم﴾
إن موجة الإباحية التي تشهدها دول الخليج والانهيار الأخلاقي الخطير
الذي زلزل منظومة القيم الإسلامية في جزيرة العرب وما يجري فيها من فرض الثقافة
الغربية وطمس لمعالم التوحيد فيها وتوطين الوثنية الهندوسية والبوذية واحتفال
بالإلحاد والإباحية واحتفاء بالصهيونية وبالصليبية وكنائسها والوثنية وأصنامها -في
ظل الطغيان السياسي- ليس حدثا فوضويا ولا انفتاحا ثقافيا حضاريا ولا تسامحا دينيا؛
بل هو نتيجة حتمية للاحتلال الأمريكي وتنفيذ لمشروع يفرضه محتل دولي؛ يعزز حركة
الارتداد، وهو حرب شيطانية ممنهجة على الإسلام والتوحيد في مهبط وحيه أخطر من فتنة
الردة، ومحنة القرامطة، حتى افتتحت المعابد الهندوسية في جزيرة العرب مهد الإسلام
ومهبط دين التوحيد!
وقد أجمع العلماء على كفر من استحل ذلك أو أعان عليه لقوله ﷺ: (لا يجتمع في جزيرة العرب دينان) وقال ﷺ: «رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار وكان أول من غير عهد إبراهيم
وأول من حمل العرب على عبادة الأصنام»!
وقال رسول الله ﷺ: «لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى يعبدوا
الأوثان، وإنه سيكون في أمتي ثلاثون كذابون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين
لا نبي بعدي».
وقد سبق للقرامطة العرب في ظل الحملات الصليبية في القرن الرابع أن
سيطروا على ساحل الخليج العربي سبعين سنة وأعادوا الوثنية والشيوعية الإباحية حتى
غزوا مكة وقلعوا الحجر وقتلوا الحجيج؛ فأقام الله لهم من الأمراء الترك المؤمنين
من طهر جزيرة العرب من رجسهم وكفرهم!
وحدوث هذه الإباحية والوثنية والردة في جزيرة العرب -مهبط الوحي ومهد
الإسلام- يوجب على علمائها وهيئات الفتوى إنكارها والتصدي لها وبيان حكم الشرع
فيها ﴿فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا
ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين﴾.
ولا يمكن مواجهة الجاهلية التي تفرضها الحملة الصليبية اليوم في جزيرة
العرب إلا بحركة إحياء إسلامي: تبعث الخطاب النبوي والراشدي، وتحرر شعوبها، وتجدد
لها دينها، وقيمه الإيمانية، وتشريعاته الإنسانية، وتعيد لها وحدتها وسيادتها
السياسية، وتنهي حقبة الحملة الصليبية التي تحتلها منذ سقوط الخلافة!
فالأمة اليوم أحوج ما تكون إلى الحفاظ على دينها وإحياء جذوة إيمانها
به في نفوسها -وتجديد عقيدة الولاء له والبراءة من أعدائه- خاصة شعوب الخليج وجزيرة العرب، وهي تواجه أخطر الحملات
التغريبية الصليبية بقيادة الدجال وأتباعه ودعاته ممن ﴿استحبوا الحياة الدنيا على
الآخرة﴾.
حتى عاد الإسلام غريبا كما بدأ، كما قال ﷺ: «بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، وهو يأرز بين المسجدين
كما تأرز الحية في حجرها»!
واليوم بعد هذه الغربة الثانية للإسلام في مهبط وحيه ومهد أرضه وظهور
الصليبية العالمية واليهودية الصهيونية عليها:
تترقّب جزيرة العرب بعثا إسلاميا راشدا ودولة راشدة؛ كما بشر بهما
النبيﷺ ، قال: «إن الدين ليأرز إلى الحجاز كما تأرز الحية إلى جحرها،
وليعقلن الدين من الحجاز معقل الأروية من رأس الجبل، إن الدين بدأ غريبا ويرجع
غريبا، فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي»!
وقد ذكر النبي ﷺ صفات الغرباء في الغربة الثانية للإسلام وأبرز سماتهم؛ فهم كالغرباء
في المرة الأولى؛ بدعوتهم إلى ما دعا إليه النبي ﷺ وأصحابه الراشدون من توحيد الله، وإقامة دين الإسلام وحكمه وبعث سنة
رسوله ﷺ، ولزوم الصراط المستقيم الذي كان عليه النبي ﷺ وأصحابه ﴿والذين اتبعوهم بإحسان﴾!
وبشّر ﷺ بعودة الخلافة الثانية على منهاج النبوة بعد مرحلة الملك العضوض
والملك الجبري (ستكون ملوك ثم الجبابرة ثم الطواغيت)، وهذه الخلافة الراشدة ستكون
بعد الغربة الثانية؛ كما في المرة الأولى!
ولن يكون التجديد الثاني
للإسلام وظهوره بعد الغربة الثانية إلا على شرط ظهوره الأول بالدعوة إلى الإسلام
والخطاب القرآني والنبوي والراشدي؛ كما كان الغرباء الأول ﴿أشداء على الكفار رحماء
بينهم﴾ ﴿حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان
أولئك هم الراشدون﴾!
وقد وعد الله سبحانه وقول
الحق ووعده الصدق أنه لا يرتد العرب عن دينه إلا ويأتي الله بقوم: ١) يحبهم
ويحبونه. ٢) أذلة على المؤمنين. ٣) أعزة على الكافرين. ٤) لا يخافون لومة لائم.
٥) يجاهدون في سبيله. ٦) لا يشركون به.
فيورثهم الأرض ويستخلفهم فيها ويظهر بهم دينه ويعلي كلمته ويطهر
بيته ومسجده، كما قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي
الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل
الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم﴾.
وقال تعالى: ﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم
في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم
من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم
الفاسقون﴾.
فلن يحرر جزيرة العرب في هذه
الغربة الثانية، ويطهرها من رجس الوثنية الصليبية والإباحية الإلحادية؛ الوطنيون
الخليجيون، ولا القوميون العرب، ولا الديمقراطيون السلميون، ولا الوسطيون
الوظيفيون صنائع النظام الغربي وحرس الطاغوت الدولي والخاضعون لقرارته؛ بل
المسلمون الموحدون المجاهدون الراشدون الموعودون بالاستخلاف في الأرض بالإيمان والجهاد
على هدى رسول الله ﷺ وأصحابه ﴿قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني﴾!