ثورة السودان وغفلة الصالحين!
بقلم أ.د. حاكم المطيري
الأمين العام لمؤتمر الأمة
30 ديسمبر 2018
تعيش الأمة وشعوبها عامة والعرب خاصة محنة كبرى؛ بدأت منذ سقوط الخلافة
ووقوع بلدانها تحت الاحتلال الغربي وحملاته الصليبية التي لم تتوقف منذ احتلال فرنسا
للجزائز سنة ١٨٣٢م، وحتى احتلال أمريكا العراق ٢٠٠٣ ثم احتلال روسيا لسوريا ٢٠١٥م!
وما تزال المنطقة تحت نفوذ المحتل
الخارجي الأمريكي الروسي الأوربي الذي يحكم بلدانها ويتحكم بها عبر هذه الأنظمة الوظيفية
التي أقامها سواء العسكرية والملكية والجمهورية العلمانية القومية منها والإسلامية،
التي ظلت الشعوب عقودا طويلة مخدوعة بها وبأنها منها وعلى دينها حتى إذا أرادت تغيير
أوضاعها؛ فإذا حكوماتها أشد فتكا بها من المحتل نفسه الذي يقف خلفها ويؤازرها!
وقد قتل النظام في السودان من
أهل دارفور الضعفاء أكثر مما قتل المحتل البريطاني تحت شعارات عنصرية وفئوية ومناطقية!
ولن يتورع عن فعل ما فعله بشار بالشعب السوري ولهذا لم يقطع النظام السوداني
علاقته به منذ ثورة الشعب السوري مع تظاهره بالإسلامية حتى كان أول نظام في الجامعة
العربية أعاد علاقته به، وسيجعل الله الدائرة عليهم جميعا {ولا تحسبن الله غافلا عما
يعمل الظالمون}!
وكل ذلك يؤكد أن النظام العربي الوظيفي بجمهورياته وملكياته منظومة واحدة
خاضعة للمستعمر الغربي!
ومما يؤسف له أن نظام البشير العسكري استطاع خداع الشعب السوداني ثلاثين
سنة باسم الإسلام وبشعار الحركة الإسلامية! ووقف الإسلاميون معه مع أنه انقلاب عسكري
ونظام دكتاتوري مدعوم خليجيا وبترتيب أمريكي! حيث كانت دول الخليج أول من اعترف به
منذ أول يوم وتبرعت له بالنفط بالمجان للقضاء على أول حكومة منتخبة بعد ثورة الشعب
على نميري ١٩٨٥م!
فكان نظام البشير أول ثورة مضادة تقضي على ثورة شعبية أطاحت بالعسكر، وجاءت
بحكومة منتخبة!
تماما كما فعل الإسلاميون بوقوفهم مع انقلاب حسني الزعيم في سوريا سنة
١٩٤٩م؛ الذي كانت توجهاته قومية علمانية أتاتوركية وكانت تقف وراءه أمريكا لمواجهة
الشيوعية! وبه افتتحت واشنطن سلسلة الانقلابات العسكرية بعد الحرب العالمية الثانية
التي حلت بعدها محل بريطانيا وفرنسا في مستعمراتهما في المشرق العربي!
وكذا وقف الإسلاميون بعده مع انقلاب جمال عبدالناصر سنة ١٩٥٢م؛ المدعوم
أمريكيا حتى روجوا بأن جمال عبدالناصر إسلامي وأنه من الإخوان المسلمين! وحتى قاموا
أثناء الانقلاب بحماية السفارات الأجنبية الغربية حتى لا تتعرض للاعتداء -كما في مذكرات
يوسف ندا- ووقفوا مع قراره حل الأحزاب في مصر وتعطيل الحياة النيابية!
ففعل جمال في مصر أشد مما فعل حسني الزعيم الذي لم تطل مدته في سوريا!
وظل الإسلاميون يصطفون خلف العسكر في كل بلد عربي وإسلامي حدث فيه انقلاب
بدعم غربي أمريكي، ثم يكونون هم ضحاياه!
وهذا ما جرى في انقلاب علي صالح في اليمن ١٩٧٨م، ثم في انقلاب البشير في
السودان ١٩٨٩م، ثم في انقلاب العسكر في الجزائر ١٩٩١م، وتكرر هذا الاصطفاف من الجماعات
الإسلامية خلف انقلابات العسكر في باكستان وبنغلادش وأندونيسيا وفي كل بلد إسلامي أسيوي
وأفريقي حدث فيه انقلاب عسكري مدعوم أمريكيا أو أوربيا!
وهو أمر يوجب دراسة بدء العلاقة بين المحتل الغربي وهذه الجماعات! وكيف
استطاع في كل الانقلابات التي يقف وراءها توظيف هذه الجماعات في خدمتها وتعزيز شرعيتها!
وكذا فعلت هذه الجماعات مع الأنظمة الملكية التي تخضع للنفوذ الأمريكي
فقد تحالفت معها وخدمتها وأضفت عليها الشرعية منذ قيامها وتأسيس الحملة الصليبية لها
على أنقاض الخلافة، ولم يحل ارتباط هذه الأنظمة بالمحتل الغربي دون اصطفاف هذه الجماعات
خلفها حتى في حروبها الصليبية كحرب احتلال أفغانستان ثم احتلال العراق ومشاركة الحزب
الإسلامي في العلمية السياسية التي فرضها الاحتلال!
ولهذا لا يعرف لهذه الجماعات أي مواجهة مع المحتل الغربي في المنطقة كلها!
وإنما اقتصرت مواجهاتها مع عدو المعسكر الغربي كروسيا الشيوعية حين احتلت
أفغانستان، وكيوغسلافيا الاشتراكية في حرب البوسنة، فلما خرجت روسيا من أفغانستان وجاءت
أمريكيا لاحتلالها تعاونت هذه الجماعات معها!
وحتى الجماعات الجهادية في فلسطين اقتصرت في معركة التحرير على مواجهة
إسرائيل فقط! واعتبرت أمريكا وروسيا وأوربا راعية للسلام وضامنا له -فضلا عن التحالف
مع إيران- مع أنها المحتل الذي أقام دولة إسرائيل وما زال يمدها بكل أسباب القوة، وما
زال يحميها!
وقد جاءت الثورة العربية اليوم وكشفت حقيقة المنظومة العربية الوظيفية
الرسمية والشعبية وطبيعة ارتباطها بالنظام الدولي لحكمة أرادها الله؛ حتى لا تتكرر
المأساة ويعيد المحتل الغربي الشعوب العربية مرة أخرى إلى حظيرته بالتعاون مع جماعاته
الوظيفية العلمانية والإسلامية؛ فعسى أن يصحو من غفوته الوسنان، ويخرج من واديه السحيق
التائه الهيمان!