بقلم أ.د. حــاكم المـطـيري
14 جمادى الآخرة 1435هـ
14 إبريل 2014 م
الفصل الثاني: التغيير في الخليج والثورة المضادة:
توظيف شيوخ الدين لمواجهة ثورة الأمة:
كنت في طريقي إلى العمرة في رمضان سنة 2009م، بعد أن أقمت في الرياض ليلتين، وكان برفقتي أحد الشيوخ والأساتذة الأفاضل من الرياض، وكان أثناء الرحلة منهمكا في قراءة مقال جديد في مجموعة الإعلامي السعودي عبد العزيز قاسم على الإنترنت، فقال لي: هل قرأت ما كتبه عنك أبو عمر، تحت عنوان (الكاتب المغمور يشتبك مع حاكم المطيري) بتاريخ 29/8/ 2009م؟
قلت: لا!
قال: هل تعرفه؟
قلت: لا!
قال: أنا أعرفه هو الأخ إبراهيم السكران كاتب إسلامي من الرياض، وسأقرأ عليك بعض ما كتب عنك، فقرأ علي أول المقال، وهو عبارة عن سؤال وجواب وأوله:
(الأخ الكريم أبو عمر...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
هل تعرف الدكتور حاكم المطيري؟
هل اطلعت على كتابه "الحرية أو الطوفان"؟ وكتابه الآخر "تحرير الإنسان"؟
شدتني كثيرًا (سيرته العلمية) المنشورة في موقعه الشخصي..
ولكني تفاجأت ببعض أفكاره التي سمعتها منه مباشرة حول أولى خطوات الإصلاح والنهضة، هل هو واقعي؟ هل هو حالم؟ لست أدري..
سؤالي بكل اختصار: ما مدى توافق طريقته مع منهج أهل السنة والجماعة؟
أهلاً بالصديق ناصر...
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته...
الأستاذ الفاضل د. حاكم المطيري بكل اختصار وتركيز "ثائر أممي"!
هذا الوصف المركب يختصر كل ما يريده د. حاكم!
فمشروعه كله يقوم على أمرين لا ثالث لهما:
أولهما: إشعال وتأجيج الثورة في نفوس الناس على النظم السياسية الفاسدة...
وثانيهما: التنديد والاستنكار للحدود السياسية بين الدول القطرية العربية، ولذلك لا يكاد يجلس مجلسا إلا تحدث عن اتفاقية "سايكس بيكو" بمرارة تكاد تعقد لسانه...)
فقلت لصاحبي الذي كان يقرأ المقال: كفى! كفى!
قال: لماذا؟
قلت: نحن في دعوة وعمل وجهاد فإن انشغلنا بمثل هذه المقالات المشبوهة لن نحقق ما نصبو إليه!
فقال: هل عرفته إذا!
قلت: لا!
قال: إنه يدعي في مقاله أنه جلس معك وحاورك وكنت تهاجم التيار الإسلامي وتدافع عن التيار الليبرالي والماركسي والقومي!
فقلت: سبحان بالله! والله لو رأيته ما عرفته فأين حاورني وحاورته! وكل اللقاءات التي جرت في الرياض أذكر ما قلت فيها، وما قيل لي، ثم ما حاجتي للدفاع عن الليبرالية والماركسية في وسط مدينة الرياض وبين طلبة العلم وشيوخ السلفية، وأنا أدعوهم للخطاب الراشدي ووحدة الأمة وضرورة الإصلاح!
قال: ما تفسيرك لما كتبه؟
فقلت: هو أحد رجلين إما رجل حالم يتوهم حدوث أشياء في اليقظة لا حقائق لها في الواقع! وإما رجل مكلف من جهة ما بالرد علي بالحق أو بالباطل، وفي كلا الحالين، لا يمكن لي مجاراته، خاصة وأنه كنى ولم يصرح باسمه، فما أكثر ما كتب عني المجاهيل بالحق وبالباطل بسبب (الحرية أو الطوفان)!
على أن تاريخ الإنسان جزء من فهم شخصيته فمتى تعرف هذا الكاتب وما هي مرجعيته الفكرية؟
قال: هو كاتب حديث عهد بتحول من أفكار ليبرالية تحررية إلى السلفية!
قلت: وكيف صارت توجه له مثل هذه الأسئلة الخطيرة عن كتاب (الحرية أو الطوفان) ليحاكمه ويحكم عليه وفق أصول أهل السنة والجماعة! وهو كاتب مغمور وحديث عهد بالسنة والسلفية! إلا إن كان وراء الأكمة ما وراءها!
فقال لي: لا أظنه كذلك بل هو أخ فاضل وقد لا تعرفه!
فنظرت إلى صاحبي نظرة عاتب مشفق!
فلم يكمل صاحبي قراءة المقال، ولم ألتفت أنا إليه!
ثم بعد مدة كلمني بعض الأخوة وقال لي بأن د عبد العزيز قاسم يرغب إلي بالرد على ما كتبه السكران، وأنه سيفسح المجال لي في مجموعته، وأن ذلك سيثري النقاش، فاعتذرت عن ذلك!
كانت تلك هي المرة الأولى التي أسمع فيها اسم إبراهيم السكران، والذي عبر في مقاله ذاك عن أزمة عميقة تعيشها الأمة قبل الثورة العربية، وأزمة أعمق لدى هذه الفئة من الكتاب وأصحاب الأقلام، الذين يتم توظيفهم في الخليج - من حيث يعلمون أو لا يعلمون - لمواجهة حركة التغيير باسم الإسلام والدفاع عن السنة! ضمن سياق عمل جماعات وظيفية في دول وظيفية يرعاها ويحمي وجودها وأنظمتها احتلال أجنبي صليبي!
لقد كان لصدور كتاب (الحرية أو الطوفان) سنة 2004م، ثم مقابلتي في قناة الجزيرة مطلع سنة 2005م، مع الإعلامي أحمد منصور في برنامجه (بلا حدود) عن كتاب (الحرية أو الطوفان)، ثم ندوتي في ديوان سعود مختار الهاشمي - فك الله أسره - في مدينة جدة على مدى ثلاث ليال رمضانية في السنة نفسها، والتي كانت عن (النظام السياسي في الإسلام): صدى كبيرا، وأحدثت عصفا وصخبا فكريا واسعا في الوسط الإسلامي الخليجي خاصة، والفكري عامة، وقد رغب إلي الشيخ سفر الحوالي - شفاه الله - وأنا في جدة في - ضيافة سعود مختار - بزيارة مكة لاستضافتي حول الموضوع ذاته - وكان د عبد الرحمن بن عمير النعيمي قد أخبرني عن رغبة الشيخ سفر باللقاء بي، وثنائه على الكتاب - غير أني لم أستطع لظروف الحجز على الطيران قبيل ليال العشر في رمضان، فما كان من الشيخ سفر إلا أن جاء بنفسه وبرفقته عدد من المشايخ إلى مطار جدة ليودعني والشيخ سيف الهاجري، حيث قال لي حينها: (لقد فتح الله عليك في كتاب (الحرية أو الطوفان) ولم يؤلف لأهل السنة والجماعة في هذا الباب كمثل هذا الكتاب، ونحن في حاجة لمثل هذا الخطاب..)، ودار حديث بيننا عن قرب الإعلان عن (حزب الأمة) في الكويت، ومشروعه للإصلاح، وحاجة المنطقة للخطاب السياسي الإسلامي الراشدي، ورحب الشيخ سفر بهذه الخطوة وقال: (حي الله هذه العدوى)!
فكان لا بد للأنظمة الخليجية الوظيفية التصدي لهذا الفكر الجديد، والقيام بدورها بوأد التغيير والإصلاح قبل حدوثه، فبادرت هذه الأنظمة بثورة مضادة قبل حدوث التغيير ولو على مستوى الفكر والوعي!
لقد كانت الأقلام والكتاب ورجال الدين من أهم أدوات الصراع! وكان شعار الدفاع عن الدين أحد أقوى الشعارات تأثيرا بيد الأنظمة الخليجية الوظيفية لمواجهة كل حركة إصلاح سياسية، كما فطن إلى ذلك أول فرعون في الأرض في مواجهته لموسى {إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد}!
وكنت أدرك طبيعة المواجهة وأدواتها وأساليبها، حيث كانت تصل إلي أخبار الملأ وسخطهم وتهديداتهم لي بالتصفية والاغتيال، حتى لفقوا لي تهما باطلة، ومحاكمات جائرة، واستخدموا كل أساليب الضغط والمساومة بما في ذلك المنع من السفر، لوأد الكلمة الحرة في مهدها ويأبى الله إلا أن يتم نوره!
ثم ذهبت الأيام وتتابعت السنون فإذا أبو عمر إبراهيم السكران - غفر الله لي وله - يصبح كاتبا كبيرا، بعد أن كان كاتبا مغمورا، وإذا (الشيخ المفتون) في الكويت يروج مقالات السكران من جديد، بتوظيف من الأنظمة الخليجية التي يخشى عليها ذلك الشيخ من السقوط! بعد ندوة أحزاب الأمة عن (الدولة الراشدة في الخليج)، وبعد بيان أحزاب الأمة حول (الاتفاقية الأمنية الخليجية)، هذا في الوقت الذي يدعو فيه (الشيخ المفتون) أهل الخليج إلى الجهاد في الشام لإقامة دولة الإسلام! بينما هم أحوج شعوب الأمة إلى الحرية والاستقلال، والتحرر من الاحتلال!
وبما أن (حزب الأمة) و(مؤتمر الأمة) وخطابه يجد رواجا في الخليج، كان لا بد من مواجهته من جديد، وسيتولى مهمة المواجهة هذه المرة شيوخ دين ليسوا تقليديين، كحمد عثمان وكتابه (الغوغائية)، وليسوا شيوخا سلفيين خارج نطاق التغطية، بل شيوخ دين جهاديين أكثر موثوقية لدى العامة، بعد أن فقد الشيوخ التقليديون بريق سحرهم! وصار العامة يطعنون بأمانتهم ودينهم ويتهمونهم بأنهم سدنة الطغاة!
فانبرى ذلك الشيخ الجهادي لهذه المهمة - فلكل مهمة رجالها - وتفتق ذهنه عن ما هي التهمة التي يستطيع بها رمي د حاكم! فإذا هي ما روجه عني السكران في مقاله (شبهة حرية المنافقين)، وزجه باسمي في قائمة من يسميهم بالتنويريين، فطار فيها فرحا الشيخ الجهادي المفتون، فإذا هو يروجها في حسابه في التويتر، ويطعن في د حاكم وفي دعوته وأنه يدعو إلى الليبرالية والديمقراطية، وفي الوقت ذاته يخرج على قناة العربية وفي الصحف المحلية ليحذر حكومات الخليج من الخطر القادم!
ولم يجد ذلك الشيخ المفتون غضاضة في الوقوف مع الإسلاميين وانتخاباتهم الديمقراطية في مصر وتونس وليبيا وتركيا، حتى كتب المقالات تلو المقالات التي كان يرسلها إلي لنشرها في (مجلة مؤتمر الأمة) بعد الثورة العربية، ويبرر لهم ممارساتهم ووجوب نصرتهم، حتى إذا قرعت الثورة أبواب دول الخليج فإذا الأمر مختلف، فالحرية محرمة على شعوبها ولو بالخطاب الراشدي الذي يدعو إليه (حزب الأمة) و(مؤتمر الأمة)!
هذا بعد أن كان يقول - قبل توظيفه - بأن الأمة في حاجة هذا الخطاب السياسي الراشد الذي ندعو إليه!
فلما رأى أنه كما قال الشاعر:
كناطح صخرة يوما ليوهنها
فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
أخذ يشن حربه بلا سابق عداوة بينه وبين (حزب الأمة) ولا بينه وبين (مؤتمر الأمة)، اللهم إلا رفضهما التورط في الغرف المشتركة للتعاون بين الداعمين للثورة السورية، التي تشرف عليها الاستخبارات الخليجية بترتيب أمريكي للتحكم في الثورة، وهذا الشيخ أحد أبرز القائمين على تلك الغرف!
فهذا ما أغاظه ومن وراءه، حيث حافظ (حزب الأمة) و(مؤتمر الأمة) على الاستقلال، والوقوف مع الأمة وثورتها بعيدا عن التورط في أي علاقة مشبوهة مع الأنظمة الوظيفية!
ولم تقتصر حربه على (حزب الأمة) و(مؤتمر الأمة)، بل تجاوزهما إلى (الهيئة الشعبية) التي يشرف عليها الشيخ حجاج العجمي والشيخ ارشيد الهاجري، لرفضهما التعاون معه في تلك الغرف المشتركة المشبوهة!
وهي قصة طويلة سأخصص لها بإذن الله دراسة تاريخية موثقة عن الثورة السورية، وكيف نجحت أمريكا في اختراقها من قبل الداعمين الخليجيين، في غرفهم المشتركة التي تديرها الاستخبارات الخليجية بإشراف أمريكي!
وقد أخبرني بعض الأخوة بأن بين إبراهيم السكران ومجموعته وهذا الشيخ الجهادي المفتون علاقة وطيدة، وأنه قد يكون روج تلك المقالة بتنسيق بينهما!
فأرسل إلي الأخوة مقالات إبراهيم السكران الثلاث عني قديمها وجديدها، فلما قرأتها هالني ما فيها من افتراء وتضليل ما كنت أحسب أن أحدا يجرؤ على مثله!
فلم يكن أخطر ما في مقالاته ما قرأه علي صاحبي في طريق السفر إلى العمرة سنة 2009م، كما كنت أتصور آنذاك، حيث رفضت إكماله قراءة المقال، حين اختزل السكران بمرارة كل كتاب الحرية وكتاب التحرير بعبارة واحدة مضمونها حاكم المطيري (ثائر أممي)، وكتبه (ثورة جامحة على الأنظمة)!
أما الخطاب السياسي الإسلامي القرآني والنبوي والراشدي، وهداياته وسننه في الحكم، وحاجة الأمة إليه في هذا العصر، والذي هو القضية الرئيسة في كل كتبي، فلم يجد له السكران أثرا يستحق الذكر!
وقد اعتذر عنه بعض الأخوة الأفاضل بأن السكران قد كتب ما كتب قبل سنوات، وقد تغير الرجل في أفكاره اليوم بعد الثورة العربية!
فقلت لهم: لو اعتذر السكران عما نشر لعذرته، أو لو حذف تلك المقالات من موقعه لما تعرضت له، أما ومقالاته تروج باسمه ومنشورة في موقعه يحتج بها سدنة الطغاة وسفهاء الأحلام، دفاعا عن الأنظمة الوظيفية التي فرضها الاحتلال الصليبي على المنطقة منذ (سايكس بيكو)، فالواجب هنا البيان، حتى لا يغتر به من يعرفه ولا يعرفني، فيصدقه فيما أشاعه عني ولا يصدقني!
وعلى كل حال فالرد هنا هو على ما نشره السكران عني، لا على السكران نفسه وآرائه فهو حر وطائفته فيما يؤمنون به، ولست عليهم بوكيل، ولولا أنه أشاع عني مثل هذا الخبر المكذوب لما كلفت نفسي عناء الرد عليه - فنحن مشغولون بما هو أعظم خطرا، وأجل قدرا - وذلك قوله عني في مقاله هذا:
(ونتيجة لذلك سمعته مرة يتهجم على الإسلاميين باستهتار في موقفهم من الماركسيين والقوميين والليبراليين الوطنيين، لأن هؤلاء كلهم في نظره يهدفون للحرية السياسية! لقد استبد بي الذهول وأخذ مني كل مأخذ! أما انحرافاتهم العقدية الخطيرة، ومشاقتهم لله ورسوله في قضايا الاقتصاد والسياسة والأخلاق؛ فيتكلف الاعتذار لها بأعذار فاترة، ويرى أنه لا داعي لأن ننظر إليها، المهم هو كون الشخص يدفع باتجاه الحرية السياسية والثورة على المظالم العامة. كل هذا في الوقت الذي يتشدد في التغليظ والتشنيع والتهويل من شأن "السلفي" الذي لجأ إلى مداراة السلاطين، ويتعامل معه باعتباره ارتكب الخطيئة الأبدية والخيانة العظمى. ومثل هذا التقابل في الموقفين يفضح كلياً سلم الأولويات المضمر.
ولذلك إذا سألته عن موقفه من الليبراليين ستراه يقسمهم إلى قسمين: قسم مناضل ضد الفساد السياسي، وقسم موالي للنظم الفاسدة. ثم يضخم شأن الأول ويدين الثاني!
وهذا يكشف لك أن المعيار عنده في تقييم الناس ليس "القرب والبعد من الشريعة" ، بل المعيار عنده هو "حجم المكون الثوري" .
ولذلك حين أقرأ للدكتور حاكم، أو أستمع لحديثه، أشعر أن الوحي والشريعة عنده، ليست إلا وسيلة للثورة، وليست معياراً وميزاناً في حد ذاتها). انتهى كلام السكران!
فهنا يزعم إبراهيم السكران أنه سمعني مرة - ويُفهم من هذه العبارة أيضا أنه سمعني مرات كثيرة - أتهجم على الإسلاميين وباستهتار!
وهذا مدخل شيطاني في الغواية أراد منه إبراهيم السكران إخراج د حاكم منذ بداية المقال من دائرة التيار الإسلامي كله! حيث صار السكران وكيلا حصريا لهذا التيار، والمحامي الموكل بالدفاع عنه، ليصبح د حاكم في قفص الاتهام قبل بدء المحاكمة!
وهو أسلوب درج عليه كتاب هذه المدرسة التي تشكل وعي أفرادها منذ استقطابهم على عقلية الوصاية على الآخر، بشعور خادع عن الذات، ورضا زائف عن النفس، بأنهم الطائفة المنصورة، والفرقة الناجية، والجماعة الوسط، ومهمتهم فقط بيان بدع المخالفين عن يمين طريقهم وشماله، والتحذير منهم، والحسبة على الجميع إلا على أنفسهم وعلمائهم ودعاتهم!
ودون رجوع إلى أنفسهم، والبحث عن الخلل في تصوراتهم، وأنهم كغيرهم بل أحوج من غيرهم إلى نقد الذات، ومعرفة أسباب ما حل بهم من ضعف سياسي حتى تحكم بهم العدو الأجنبي الصليبي، وما وصلوا إليه من عقم فكري وقصور علمي، حتى لا تكاد تجد في كتاباتهم إلا اجترار الأفكار ذاتها عن الطائفة ووسطيتها وتحقيقها للتوحيد والسنة، والتحذير من الآخر المخالف لهم في الرأي والاجتهاد، وإن كان من أهل السنة الذين يشكلون عامة الأمة!
وبسبب عقلية الوصاية، والروح الاقصائية، لدى هذه الفئة، راجت سوق كتب (نصب الموازين)، و(عقد المحاكمات)، كمحاكم التفتيش، وكما في الحديث (لتتبعن سنن من كان قبلكم اليهود والنصارى)!
وصار دين هذه الفئة الذي يتدينون به، ويريدون حمل الأمة كلها عليه أبعد ما يكون عن (الحنيفية السمحة) التي جاءت رحمة للعالمين لا أغلال فيها ولا آصار، تؤلف ولا تفرق، ويقبلها العالم والأعرابي والعامي، كما هو الإسلام الذي دخلت الأمم فيه أفواجا، لا هذا المذهب الممسوخ الذي صار همّ دعاته إخراج الأمة من دائرة السنة أفواجا، بسبب فتنة التصنيف والتدابر والتهاجر التي صار إبراهيم السكران اليوم أحد أشهر دعاتها، بعد أن تاب عنها أصحابها!
وحتى لا تكاد توجد جماعة سنية في شرق الأرض أو غربها إلا وألفت هذه الفئة فيها المؤلفات في بيان ما يرونه انحرافا عندها، حتى لو كان فيما يسع فيه الخلاف!
وحتى لم يبق عالم إسلامي ولا مفكر ولا سياسي ولا كاتب ممن يخالفونه الرأي إلا ألفوا فيه على طريقتهم الممجوجة (فلان في الميزان) (ومحاكمة كتاب علان)، وإلا صنفوه وأصدروا فيه حكما، ظنا منهم أنهم يحمون السنة ويقمعون البدعة، فلا سنة نصروا، ولا بدعة كسروا، بل فرقوا أهل السنة والجماعة، فضلا عن الأمة وأهل القبلة، وهم ما يزالون تحت الاحتلال الأجنبي الصليبي!
ثم هم مع ذلك كله أكثر الناس ادعاء لشيخ الإسلام ابن تيمية وطريقته والذي يقول: (والناس يعلمون أنه كان بين الحنبلية والأشعرية وحشة ومنافرة، وأنا كنت من أعظم الناس تأليفا لقلوب المسلمين وطلبا لاتفاق كلمتهم، واتباعا لما أمرنا به من الاعتصام بحبل الله، وأزلت عامة ما كان في النفوس من الوحشة، وبينت لهم أن الأشعري كان من أجل المتكلمين المنتسبين إلى الإمام أحمد رحمه الله ونحوه، المنتصرين لطريقه كما يذكر الأشعري ذلك في كتبه.. ولما أظهرت كلام الأشعري - ورآه الحنبلية - قالوا : هذا خير من كلام الشيخ الموفق، وفرح المسلمون باتفاق الكلمة، وأظهرت ما ذكره ابن عساكر في مناقبه أنه لم تزل الحنابلة والأشاعرة متفقين إلى زمن القشيري، فإنه لما جرت تلك الفتنة ببغداد تفرقت الكلمة، ومعلوم أن في جميع الطوائف من هو زائغ ومستقيم، مع أني في عمري إلى ساعتي هذه لم أدع أحدا قط في أصول الدين إلى مذهب حنبلي وغير حنبلي، ولا انتصرت لذلك، ولا أذكره في كلامي، ولا أذكر إلا ما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها.. هذا مع أني دائما ومن جالسني يعلم ذلك مني: أني من أعظم الناس نهيا عن أن ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافرا تارة وفاسقا أخرى وعاصيا أخرى، وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها: وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية، والمسائل العملية، وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ولا بفسق ولا معصية...)![1]
فهذه الفئة من الكتاب من أبعد ما تكون عن هذه القيم الأخلاقية النبوية، والروح الإيمانية القرآنية، التي تظاهرت وتواترت النصوص عليها في الكتاب والسنة، من تعظيم حرمة المؤمن، وحق المسلم على المسلم، فضلا عن الإحسان إلى الخلق والرحمة بهم، كما في الصحيح (لا تدابر ولا تهاجروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا)، فصار الأصل عندهم استثناء، والاستثناء عندهم أصلا، حتى غدا التهاجر والتدابر دينا وديدنا لهذه الفئام من الأمة!
وفي الوقت ذاته لا تكاد تجد لهؤلاء المشتغلين بنقد الآخرين كتبا في نقد طائفتهم وتاريخهم وعلمائهم وآرائهم، مع ما ظهر في بعضها من أقوال تصادم نصوص الكتاب والسنة، حتى قال قائلهم: إن (بريمر) القائد العسكري الأمريكي ولي أمر في العراق، وتجب الطاعة له، ويحرم الخروج عليه حقنا للدماء!
فلم يتصد له من هؤلاء من يرد عليه!
ثم هم في حربهم هذه المستعرة الدائمة مع طواحين الهواء، ومع الآخر المخالف، يعيشون في عالم افتراضي خيالي، لا يكاد يتحكم فيه على أرض الواقع إلا الطغيان والاستبداد، والظلم والفساد، فضلا عن الاحتلال الأجنبي للعباد والبلاد!
فلا عجب إن أخرجت هذه المدرسة كإبراهيم السكران والسقاف وحمد عثمان ومن على شاكلتهم ممن لا يجيدون إلا عقد محاكم التفتيش والتبديع والتصنيف!
وقد بدأت مثل هذه الأساليب الكتابية تشيع منذ عقدين حتى غدت عادة، ثم صارت هواية ومتعة، ثم انتهت إلى وظيفة ومهنة، تدفع فيها الأموال، وتباع فيها الذمم، وتؤلف فيها الكتب، وتمارسها كثير من المجموعات التي خرجت من عباءة هذه المدرسة، من أقصى اليمين العلمي التقليدي، إلى أقصى اليسار الجهادي!
فالجميع مشغول بالجميع تبديعا وتصنيفا وتضليلا!
هذا والعدو الأجنبي يحتل أرضهم، ويدير شئونهم، ويستبد بهم، ويبيعهم في أسواق النخاسة الدولية، في صفقاته ومؤامراته!
وهي ظاهرة سياسية اجتماعية تستحق دراسة عميقة لمعرفة أسبابها وعللها وطرق علاجها بدلا من الانشغال بالآخر المخالف!
ونعود إلى مقال الكاتب إبراهيم السكران إذ لم يكتف د حاكم في تلك المرة التي سمعه فيها السكران بذلك (الهجوم على الإسلاميين باستهتار)! بل ودافع أيضا عن (الليبراليين والقوميين والماركسيين والوطنيين)!
ولا أدري أين كنا نتحدث؟ وفي أي مجلس حدث هذا اللقاء؟
فأنا أتذكر كل المجالس التي استضافتني في الرياض، والشيوخ الأفاضل الذين أكرموني بدعوتهم الكريمة، من كل ألوان الطيف الإسلامي، كالشيخ بشر البشر فك الله أسره، والشيخ سعيد بن زعير، والشيخ ناصر العمر، والدكتور محمد الأحمري، والدكتور محمد العبد الكريم، والشيخ بدر الراجحي، والشيخ بدر المشاري، وغيرهم من الشيوخ الأفاضل، وأذكر ما دار في تلك المجالس من حديث حول شئون الأمة العامة، وما خالفوني فيه وما وافقوني عليه، وأتذكر كثيرين ممن كانوا معنا في تلك المجالس، ومن لم أعرفه أستطيع تذكر صورته إذا رأيته، فوالله ما أذكر أني رأيت السكران في مجلس من تلك المجالس، بعد أن رأيت صورته، فضلا عن محاورته هذه المزعومة لي!
ثم هب أني انتقدت أداء الإسلاميين وعجزهم عن القيام بمسئولياتهم وأنا واحد منهم، ما حاجتي للدفاع عن (الليبراليين والماركسيين والقوميين والوطنيين) وفي مجلس واحد وفي الرياض!
من أين اخترع السكران هذه القصة والمحاورة، وكأنما كنت وإياه في بار خمر لا مجلس علم!
ثم لا يتوقف السكران عند ذلك بل يظهر ذهوله مما سمع تأكيدا لقصة المحاورة المزعومة!
فما زال في جعبة السكران عجائب! وما زالت لديه غرائب!
فبعد أن صعق السكران كما يزعم من حديث د حاكم وهجومه على الإسلاميين وباستهتار، ودفاعه عن الماركسيين والقوميين والليبراليين باقتدار - مع شهادة الكثيرين لي بحمد الله بالأدب والرزانة ومع ذلك شهد السكران علي بالاستهتار في الحديث - أراد السكران أن يملّح القصة، فكان لا بد من تعليل منطقي لماذا كل هذا الهجوم على الإسلاميين وباستهتار، ولماذا كل هذا الدفاع عن الماركسيين والليبراليين والقوميين والوطنيين الأحرار!
ولماذا جمع السكران كل ألوان الطيف السياسي وحشرهم في هذه القصة الخيالية!
فالسكران كاتب ظريف، يحسن القصص، ويدرك أن القراء يحتاجون إلى تعليل معقول كي يتم له تصنيف د حاكم خارج دائرة الإسلاميين، وإسقاطه لدى قرائه بحشره في دائرة الليبراليين والماركسيين، وليس هناك خانة ثالثة عند السكران وطائفته، فلا يتصورون أنه قد يوجد طريق ثالث يسع عامة الأمة!
فكان لا بد من تفسير منطقي لهذه القصة وكيف يقف د حاكم من كل هؤلاء العلمانيين ضد كل أولئك الإسلاميين؟
وهنا لا يدع السكران قرّاءه في حيرة بل يتبرع هو بالاستدراك والسؤال والإجابة فيقول:
(أما انحرافاتهم العقدية الخطيرة، ومشاقتهم لله ورسوله في قضايا الاقتصاد والسياسة والأخلاق؛ فيتكلف الاعتذار لها بأعذار فاترة، ويرى أنه لا داعي لأن ننظر إليها)!
آها!
فالمجلس إذا لم يقتصر فقط على هجوم باستهتار، ودفاع باقتدار، بل واعتذار بتكلف فاتر عن انحرافات (الماركسيين والليبراليين والقوميين والوطنيين) العقائدية ومشاقتهم لله ولرسوله في قضايا الاقتصاد والسياسة والأخلاق!
وانتبه هنا إلى لفظ (الأخلاق) فلها ما بعدها، وهي طريق الغواية الذي مهده الشيطان للسكران، ثم من بعده للسقاف!
عمن يتحدث إبراهيم السكران هنا!
إنه يتحدث عن د. حاكم المطيري الذي كان من أشهر الكتاب في الكويت دفاعا عن الإسلام وأحكامه، منذ أول مقال كتبه سنة 1992م، ابتداء من الرد على د. عبد الله العمر وكان آنذاك من أشهر كتاب الليبرالية في مقالتين عن (موقف الإسلام من العقل والعلم)، ثم الرد على اليساريين والماركسيين في سلسلة (ويسألونك عن اليسار)، والرد على العلمانيين كالكاتب خليل حيدر في صحيفة المستقلة اللندنية، ثم في سلسلة (قبل بدء الحوار) و(كشف الأستار عن شبهات الحوار) في صحيفة الوطن، والرد على مدير تحرير صحيفة الوطن المحامي محمد عبد القادر الجاسم في سلسلة (ويسألونك عن الخبير)، و(تعالوا إلى كلمة سواء) عن وجوب تطبيق الشريعة وأحكامها في الكويت.. الخ
وكلها دفاع عن الإسلام وعن الشريعة وعن الأمة المنكوبة، وعن حريتها وحقوقها المسلوبة، ورد على شبهات الليبراليين واليساريين والعلمانيين!
وقد تركت الصحافة ووسائل الإعلام كلها لله، ومن أجل الإسلام - حين لم أستطع أن أقول كل ما يجب علي قوله خاصة أيام احتلال العراق الذي شاركت فيه أنظمة الخليج الوظيفية بعد أن تم منع مقالاتي في الصحف - مع تهافت الصحف، بعد ذلك، والقنوات الفضائية علي، ورغبتها إلي، في مشاركتي في صفحاتها وبرامجها، وحتى قيل لي اطلب ما تشاء، واكتب ما تشاء، ومع ما في ذلك من الظهور والثراء، رفضت وآثرت ديني على ذلك كله! ثم يأتي السكران ليختلق كل هذا الإفك العظيم!
لمصلحة من كتب السكران المقال آنذاك؟!
ومن الذي دفعه لمثل هذا الإفك المفترى؟!
فالسكران لم يسمع مني فقط هجوما على الإسلاميين باستهتار، ولا دفاعا عن العلمانيين بكل ألوان طيفهم باقتدار، بل سمع مني تكلفا فاترا بالاعتذار! وعن من؟ وفيمَ؟
إنه عن العلمانيين وفي مشاقتهم لله ولرسوله في السياسة والاقتصاد والأخلاق، حيث قلت له: (لا داعي للنظر في ذلك كله، فالمهم هو كون الشخص يدفع باتجاه الحرية السياسية والثورة على المظالم العامة)!
تصوروا كل ذلك حدث مرة في محاورة بيني وبين صديقي العزيز اللطيف إبراهيم السكران في حانة من حانات مدينة الرياض!
ولا أدري لماذا تكلف السكران هنا وزج بموضوع الأخلاق في هذه القصة!
حيث قال: (ومشاقتهم لله ولرسوله في قضايا السياسة والاقتصاد والأخلاق) وسيكرر هذه التهمة - كما سيأتي - فالقضية لا تقف عند مجرد إسقاط د حاكم عقائديا وإثبات أنه عدو للإسلاميين وحليف للماركسيين والليبراليين، وإنما يتجاوز ذلك إلى استخفافه بالقيم الأخلاقية أيضا كما سيصرح به السكران في الفقرات التالية!
وهذا يفسر دندنة علوي سقاف حول هذه القضية، لإثبات دعاوى هذه الفئة المفتونة - بعبادة الطاغوت وطاعته والرد على كل من يتصدى له بدعوى أنه ولي أمر - بشأن د حاكم وأنه سياسي ثائر يدعو إلى التعددية الفكرية التي تعني عندهم فتح الطريق للإلحاد والإباحية باسم الحرية!
ثم لم يقصر السكران عن غيه حتى ذهب أبعد من ذلك، فحاكم المطيري لا يهاجم فقط الإسلاميين - وهي عادة تطلق على الحركيين - بل ويهاجم أيضا السلفيين (كل هذا في الوقت الذي يتشدد في التغليظ والتشنيع والتهويل من شأن "السلفي" الذي لجأ إلى مداراة السلاطين، ويتعامل معه باعتباره ارتكب الخطيئة الأبدية والخيانة العظمى!
ومثل هذا التقابل في الموقفين يفضح كلياً سلم الأولويات المضمر)
تنبه لعبارة (سلم الأولويات المضمر) وما فيه من إيحاء فسيأتي ما هو أعجب منه وأغرب!
فالسكران يبدأ بهذه المقدمة ليستعدي كل قرائه على د حاكم سواء كانوا إسلاميين حركيين يخشى على تنظيماتهم وجماعاتهم، أم سلفيين تقليديين يخشى على عقائدهم ودينهم، أم من عامة المسلمين الذين يهمهم الحفاظ على أخلاق المجتمع من الانحلال!
أولئك السلفيون الذين يتعامل د حاكم معهم بغلظة وكأنهم وقعوا في (الخطيئة الأبدية والخيانة العظمى)! مع أنه كان الأمين العام للحركة السلفية!
ولماذا كل هذه العداوة والغلظة معهم يا ترى؟
يجيب السكران ويعتذر عنهم بقوله: (لمجرد أنهم لجأوا إلى مداراة السلاطين)!
فكل هذا التوظيف الذي يقوم به شيوخ السلطة، وقبضهم للملايين من أموال الأمة كعطايا السلطان التي لم يستشرفوا لها! وكل هذا القتال بالفتوى والمحاضرة في صفوف الطغاة والتصدي لكل من ناوأهم ولو (بسحق الجماجم) يسميه السكران (مجرد مدارة)!
فكيف سيكون حالهم إذا لو وقف هؤلاء الشيوخ مع الطغاة ديانة لا خيانة!
ولا أدري من أين جاء السكران بعبارة (الخطيئة الأبدية والخيانة العظمى) فهي مصطلحات مسيحية لا توجد في القاموس الإسلامي!
ثم جاء السكران بجواب من د حاكم نفسه يفسر دفاعه عن الماركسيين والليبراليين مع مشاقتهم لله ولرسوله حيث قال د حاكم (لا داعي للنظر في ذلك كله، فالمهم هو كون الشخص يدفع باتجاه الحرية السياسية والثورة على المظالم العامة)!
وكأنما صدرت هذه التعليمات في هذه الرواية من زعيم عصابة في محفل ماسوني!
وهذا يفسر عبارة السكران (يفضح كليًا سلم الأولويات المضمر) عند د حاكم تماما كأنما يتحدث السكران عن الماسونية ومؤامراتها على الإسلام باسم الحرية!
ونسي السكران في غمرة حماسته هذه أن أشد ما انتقده د حاكم على اليساريين والقوميين والليبراليين هو عداؤهم للحرية، وقوفهم مع الأنظمة الدكتاتورية، والانقلابات العسكرية، في كل العالم العربي على حساب الأمة وحريتها وحقوقها ودينها وهويتها!
وهذه مقالة واحدة فقط من مئات المقالات التي كتبتها في الرد على الماركسية والليبرالية قبل أن يعرف السكران السنة والسلفية!
نشرتها في زاويتي (سوانح الفكر) في صفحة المشكاة في صحيفة الوطن قبل نحو 20 سنة!
تحت عنوان
"العلمانيون العرب والأهواء السياسية"
بقلم حاكم المطيري:
حيث جاء فيها:
(ليس أخطر على الأمة من (الأهواء السياسية) التي أضحت ظاهرة خطيرة تحتاج على دراسة علمية لمعرفة أسبابها وسبل علاجها، فارتباط الماركسيين العرب بالاتحاد السوفيتي كان أشد من ارتباطهم بالماركسية نفسها كفكر وأيديولوجية، ولهذا لم يستطيع الماركسيون العرب أن يضيفوا للماركسية ما هو جديد، بل ولا ما هو قديم، ولم يبرز فيهم من يمكن اعتباره مفكرًا اشتراكيًا في الوقت الذي كان هناك مفكرون اشتراكيون في كثير من دول العالم استطاعوا المساهمة في نقدها وتطويرها بما يتلاءم مع مجتمعاتهم وظروفها الخاصة كما في يوغوسلافيا والصين وفرنسا ... الخ.
وفي الوقت الذي كان الماركسيون في هذه الدول يجعلون من (الماركسية النظرية) المعيار والميزان الذي يحكم علاقاتهم بالاتحاد السوفيتي، وبقدر الخلاف في فهم النظرية تزداد الفجوة بينهم وبينه، كان العرب بالذات يجعلون الاتحاد السوفيتي نفسه هو المعيار والميزان حتى صار (هواهم) روسيا يميلون مع الاتحاد السوفيتي حيث مال، يؤيدون سياساته الدولية ويبررون كل ما يقوم به وما يتخذه من مواقف، حتى لو كان على حساب مصالح أمتهم القومية ؟! كما قال (خالد بكداش) عندما سأله (قدري قلعجي) قائلاً: قل قرأت مرافعات (غروميكو) و(مانويلسكي) في الأمم المتحدة دفاعًا عن حق اليهود في إقامة دولة لهم في فلسطين وكيف وصفوا عدوانهم على أنه حركة تحرر وطني؟!
فأجاب (بكداش): نعم قرأت ذلك!
قال (قلعجي): وهل توافق عليه؟
فقال: نحن الشيوعيون لا نستطيع أن لا نوافق أو أن نعارض على موقف وقفه الاتحاد السوفيتي!
قال (قلعجي): ماذا نفعل إذن؟
قال: ندافع عن هذه الموقف أو هذا القرار!
قال (قلعجي): فإذا تعارض مع مصلحتنا القومية؟
قال: إن مصلحة الاتحاد السوفيتي هي في الواقع مصلحتنا نحن لأن قوته وانتصاره هو قوة وانتصار لنا، إن الاتحاد السوفيتي هو الكل الكبير وما نحن سوى الجزء الصغير فإذا ضحينا بمصلحتنا في سبيل مصلحته واستراتيجيته نكون قد خدمنا أنفسنا؟!
ولهذا أيضًا وقف الماركسيون العرب في صف الاتحاد السوفيتي ضد الصين مع أنها دولة اشتراكية هي الأخرى؟ مما يثبت أن الماركسيين عندنا كانوا حزبًا سوفيتيًا أكثر من كونهم حزبًا (اشتراكيًا)، وأنهم لا يحملون فكرًا بقدر ما يحملون (هوى) سياسيًا بلغ بهم حد الكفر بأمتهم دينًا ولغة وتاريخًا وحضارة حتى تجاوزا في عدواتهم للأمة - وسخطهم عليها وكيدهم لها والوقوف في صف أعدائها - جميع الحركات الشعوبية الباطنية التي شهدها التاريخ الإسلامي؟! وحتى قال الأديب السوري (قدري قلعجي) الشيوعي سابقًا في كتابه (تجربة عربي في الحزب الشيوعي): (كنت أبحث عن الحرية والسيادة والاستقلال فإذا بي أخدم استعمارًا جديدًا أين منه الاستعمار القديم)؟!
وإذا كان هذا هو حال (الماركسيين) العرب فليس حال (الليبراليين) اليوم بأفضل منهم فالظاهرة تتشكل بجميع أبعادها على النحو السابق إذ لا نجد سوى (هوى) سياسيًا يحمله الليبراليون نحو (الوطن الأم) للفكر الليبرالي بلغ بهم حد تصور وادعاء أنه لا سبيل للنهضة العربية إلا بالتصالح الكامل والاندماج الفكري والثقافي مع الغرب تماماً كما كان ينادي الماركسيون العرب بالتبعية للاتحاد السوفيتي لتحقيق النهضة العربية الاشتراكية؟
وتناسى الليبراليون أن كثيراً من الدول العربية وغير العربية في العالم الثالث كانت وما تزال ترتبط بعلاقات ممتازة قد تصل إلى حد التبعية الكاملة للغرب دون أن تحقق أي تطور أو نهضة تذكر فتركيا (أتاتورك) وإيران (الشاه) ومصر (الخديوية) بلغت في ارتباطها بالغرب حد التبعية الكاملة مدة عقود طويلة لم تزدد فيها أوضاعها إلا تخلفًا وتدهورًا في جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية بل لقد وجدت بعض الأنظمة العسكرية والاستبدادية في العالم الثالث رعاية خاصة ودعماً كبيراً من الدول الغربية على حساب مصالح الشعوب المضطهدة ولم يساهم الارتباط الوثيق بين الأنظمة الاستبدادية والدول الغربية في تحسن أوضاع الشعوب وتقدمها بل ازدادت سوء بسبب إضفاء الشرعية الدولية على هذه الأنظمة الاستبدادية لتمارس جرائمها بحق الإنسانية كما فعل (صدام حسين) في العراق في الوقت الذي كان يجد دعمًا غريبًا كبيرًا؟!
بل لقد رأينا كيف ساهم الغرب بوأد الديمقراطية في بعض دول العالم الثالث وأقام بدلها أنظمة عسكرية تابعة له بدعوى الحفاظ على مصالحه في المنطقة؟
إن الليبراليين العرب اليوم يكررون أخطاء الماركسيين في الأمس باندفاعهم المحموم نحو الغرب بلا قيد أو شرط ودون مراعاة لظروف المجتمعات العربية ودون مراعاة لمصالح شعوبها التي قد لا تكون بالضرورة متوافقة مع مصالح الغرب، إن الليبراليين العرب ما لم يكفوا عن هذه (الأهواء) السياسية فإن نهايتهم ستكون كنهاية الماركسيين بدأوا (هوى سياسيا) وانتهوا (حزبًا سوفيتيًا)؟!) انتهت المقالة!
بل إني أزعم أنه لم يكتب أحد في الخليج فيما أعلم نقدا سياسيا وفكريا للماركسية ولليبرالية وأصولها والتناقض بينها وبين الديمقراطية، كما كتبته في عشرات المقالات المبثوثة على مدار عشرين سنة!
ثم لم ينته إبراهيم السكران عند ذلك، بل أخذ يفرّع فروعا فقهية على أصول ومذهب د حاكم المطيري في الليبرالية، فيقول (ولذلك إذا سألته عن موقفه من الليبراليين ستراه يقسمهم إلى قسمين: قسم مناضل ضد الفساد السياسي، وقسم موالي للنظم الفاسدة. ثم يضخم شأن الأول ويدين الثاني).
ما شاء الله على هذا التأصيل والتفصيل!
فالسكران ليس فقط يعرفني ويحاورني في حانته الكريمة! بل ويعرف أجوبتي عن الأسئلة التي يتوقع صديقي العزيز إبراهيم السكران أن قرّاءه قد يطرحونها عليه! فيتبرع هو بالإجابة نيابة عني في هذه الرواية! فهذا حق الصداقة والعيش والملح الذي بيننا!
تصوروا كل هذا الحديث سمعه مني الكاتب إبراهيم السكران مرة من المرات في مجلس من مجالس الرياض! إذ لا أتوقع أنه لقيني في مكة حيث لا أذهب عادة هناك إلا في حج أو عمرة، ولا أظن أن حديث السكران هذا يحدث في الحرم المكي!
ثم لا يترك السكران دعابته وظرافته فيزيد على التفريع استنتاجا وفائدة مهمة لا ينبغي أن يحرم القراء منها، فيقول (ولذلك حين أقرأ للدكتور حاكم، أو أستمع لحديثه، أشعر أن الوحي والشريعة عنده، ليست إلا وسيلة للثورة، وليست معيارًا وميزانًا في حد ذاتها)!
جميل جدا!
فالرجل بلغ من عنايته بي - رفع الله قدره - وحفاوته بأفكاري حدا لا يفوته شيء مما أكتب ولا مما أقول، ليوهم القراء بأنهم على الخبير سقطوا، فهذا أعرف الناس بحاكم المطيري وبكتاباته وحديثه، فقوله فيه هو الحق، وشهادته عليه هي الصدق!
وعبارة (أو أستمع لحديثه) في سياق القصة تأكيد من السكران على أنه فعلا استمع لي مرات ومرات وبشكل مباشر! ومع ذلك - وهذا هو الأغرب في القصة - فأنا لا أعرفه ولا أذكره!
وحتى بعد أن رأيت صورته لم أتعرف عليه مع قوة ذاكرتي للأشكال والصور حتى لا أكاد أنسى وجه من رأيته في لقاء عابر، فضلا عن حوار سادر، وحديث فكاهي ساخر!
وقد يتأول متأول ويعتذر للسكران - غفر الله لي وله - فيقول بأنه ربما استخدام المجاز في عباراته، ولعله قصد حين يستمع لحاكم المطيري في ندواته المسجلة المنشورة!
إلا أنه ليس لي فيما أعلم تسجيلات - مع قلتها - يمكن للسكران أن يحيل عليها قرّاءه ليستنتجوا كل هذه الأوهام عني! مما يؤكد أنه أراد بقوله (حين أستمع إلى حديثه) الاستماع إلى حديثي المباشر في لقاءات متكررة! وإلا لقال (حين تسمعون حديثه)، ولقال (تشعرون) بدل (أشعر)!
فهو يتحدث عن أمور دارت بيننا في مجلس ما من مجالس الرياض، ولولا أن الحانات ممنوعة فيها، لخشيت أن يظن ظان أن أحداث هذه القصة دارت هناك!
وربما اعتذر أحدهم فقال: لعل إبراهيم السكران حضر مجلسا ما وسمع كلمة عابرة تنتقد فيها أداء الإسلاميين وفشلهم في إقامة مشروعهم، في الوقت الذي نجح الشيوعيون والليبراليون في إقامة دولهم!
وهذا اعتذار بارد، لأن هذا النقد منشور في كتبي، ولا يحتاج السكران أن يوهم القراء بأنه سمع مني مرة فأذهله ما سمع! ثم يسرد كل هذه القصة الخيالية التي يريد الانتهاء بقرائه إلى تصنيف د حاكم وإسقاطه قبل البدء معه في حوار ونقد!
طيب لنفترض جدلا بأن القصة لها وجه من الصحة، وأننا جمعنا والسكران لسوء الحظ مجلس أنس وطرب - مع اشتهاري عند كل من يعرفني بالتحشم حد التطرف - وأفضيت إليهم بحديث خاص، أليس من المروءة والديانة حفظ أسرار المجالس كما في الحديث (المجالس بالأمانة)!
فإبراهيم السكران إما أنه كاذب فيما افتراه علي، وأنا لا أعرفه ولا يعرفني ولم يسبق لي - ويعلم الله - أن رأيته فضلا عن أن أحاوره، دع عنك كل هذه الإثارة!
أو أنه صادق فيما ادعاه وقد أكون نسيت ذلك المجلس، أو يكون السكران في زاوية من زواياه فلم أره، ونسيت تلك القصة والمحاورة، فخان أمانة المجالس وأشاع عني ما أسررته لهم!
وعلى كل حال فأنا في كل مجالسي في الرياض، وفي مكة، وجدة، وفي كل مكان زرته لا أتحدث إلا عن وجوب قيام أهل العلم بدورهم في الإصلاح، وتحمل مسئولياتهم في الدعوة، وبعث الخطاب الراشدي في الحكم، وإحياء روح الجهاد في الأمة لتحريرها من الاحتلال الصليبي للجزيرة والخليج العربي!
فهذا هو ذنبي الوحيد عند السكران الذي غاظه مني وطائفته أنني (ثائر أممي) حانق على اتفاقية (سايكس بيكو) وأتحدث عنها بكل (مرارة حتى تكاد تعقد لساني) كما يقول السكران!
ولو شئت لذكرت قصة كل مجلس، وما دار فيه من حوار، ومن حضره من أهل العلم والفضل، وأما ما ذكره إبراهيم السكران هنا فهو أشبه بالأوهام منه بالحقائق!
وليست هذه هي القضية بالنسبة لي هنا، وإنما القضية ما مصلحة السكران من نشر هذه الأكذوبة سنة 2009م على فرض صحتها، وإخراجها على صيغة سؤال وجواب، ونشرها وترويجها في أكبر مجموعة إعلامية سعودية في الأنترنت آنذاك، دون ذكر الأسماء لا اسم السائل ولا المجيب، والاكتفاء بالكنى؟!
ما الذي كان يمنع السكران من الكتابة باسمه الصريح، وهو يرد على كاتب معروف، وكتاب مشهور، وكان ظهور اسمه أدعى لقبول خبره!
مما كان يحاذر السكران؟ ود حاكم معارض لا يملك إلا الكلمة يصدع بها! وإنما يخفي اسمه من يخشى الأنظمة وقمعها، لا من يرد على خصومها!
ولماذا بالذات خرج المقال سنة 2009 م، في السنة نفسها التي خرج فيها كتاب (الغوغائية)، بعد صدور (الحرية أو الطوفان) بخمس سنين؟!
مما يؤكد أن الجهة التي تقف وراء هذه الحرب الإعلامية والفكرية واحدة، وكانت ترى بوادر الثورة في المنطقة تلوح بالأفق، وكان لا بد من المواجهة لها ووأدها قبل استشرائها!
ثم ما الذي يريد السكران قوله لقرائه باختصار بعد تلك القصة الخيالية!
إنه يريد أن يقول احذروا د حاكم ولا يغرنكم ما يدعو إليه فإني (أشعر أن الوحي والشريعة عنده، ليست إلا وسيلة للثورة، وليست معيارًا وميزانًا في حد ذاتها!)
هل عرفتم من أين جاء الشيخ علوي سقاف بأوهامه عن د حاكم، واتهامه بأنه جعل الغاية في كتابه (الحرية أو الطوفان) السلطة لا الدين وإقامة شرائعه! حتى حذف السقاف من فقرة واحدة ست مواطن أذكر فيها بصريح العبارة أن الغاية إقامة حكم الله في الأرض!
كل ذلك ليستقيم لهم ترويج كذبهم عني أني لا غاية لي إلا الثورة والسلطة لا الإصلاح في الأرض!
فالسكران بعد أن نسج تلك القصة الخيالية عن د حاكم بما شاهده وسمعه منه مباشرة! وصل إلى نتيجة باطنية شعورية - والحمد لله أنه لم يدع أنه سمعها مني أيضا - بأن الوحي والقرآن والسنة والشريعة كلها عند د حاكم المطيري الأمين العام للحركة السلفية مجرد وسيلة للثورة!
كل هذا الإفك يروجونه عني بين شبابهم ومجموعاتهم لتحصينهم من أفكار د حاكم الثورية! مع أني - بحمد الله وفضله وكرمه ومنه - في الدعوة إلى الله وطلب العلم منذ سنة 1977م، وتخرجت من كلية الشريعة في الكويت سنة 1989م، وكنت بحمد الله الأول على دفعتي، وتخرجت في قسم الكتاب والسنة في مرحلة الماجستير من جامعة أم القرى بمكة المكرمة سنة 1992م، وكنت بحمد الله الأول أيضا على دفعتي!
ورفضت وأنا شاب أن أذهب لحفل تخرجي في جامعة الكويت سنة 1989م، ورفضت استلام شهادتي وجائزتي من الأمير آنذاك عزوفا - ويعلم الله وكفى به - عن الاختلاط بالسلطة، وهي لا تحكم بالشريعة، حتى غضب مني والدي!
وجاهدت بالكلمة والقلم والدعوة والتعليم في سبيل الإسلام قدر استطاعتي، وما أبرئ نفسي من القصور والتقصير بحق الله، غير أني لم أؤثر عليه - تقدس سبحانه وجل شأنه ذاتا وصفة واسما وفعلا لا أحصي ثناء عليه هو كما أثنى على نفسه - أحدا من خلقه، ولم أؤثر على دينه ونبيه صلى الله عليه وسلم شيئا من الدنيا!
ثم تدور الأيام فإذا إبراهيم السكران وبشعوره الباطني يصل إلى أن الوحي والشريعة عند د حاكم ليس سوى وسيلة للثورة!
هل هناك فجور في الخصومة كهذا الفجور!
وهل هناك زور في القول كمثل هذا الزور!
كل هذا الافتراء لمجرد أني كنت أستحث أهل العلم والدعوة على القيام بما أمرهم الله تجاه دينهم وأمتهم والصدع بالحق، وبعث الخطاب السياسي الراشدي، وبيان الموقف من هذا الاحتلال الأجنبي الصليبي، للجزيرة والخليج العربي!
فالوحي (وهو القرآن والرسول) عندي كما يشعر بذلك إبراهيم السكران ليس إلا وسيلة للثورة وليس دينا نرجو به النجاة يوم القيامة!
هل يصدر مثل هذا الاستنتاج ممن يخشى الله ويرجو لقاءه!
وهل كنت متطرفا في الحكم على السكران حين قرأ علي صاحبي في طريق السفر إلى العمرة سنة 2009م، وقلت له دع عنك قراءة هذا المقال، فهذا رجل موظف مكلف هدفه صد الناس عن دعوتنا للخطاب الراشدي!
لقد كان إبراهيم السكران ذلك الكاتب المغمور آنذاك أداة تم توظيفها من حيث يعلم أو لا يعلم للتصدي لكتاب (الحرية أو الطوفان)، حين اعتذر عدد من الدعاة وأهل العلم عن الرد عليه، في اللجنة التي شكلها وزير الداخلية السعودي آنذاك لدراسة الكتاب والرد عليه، فكان الكاتب المغمور أجرأهم على هذه المهمة الانتحارية، ففي الوقت الذي كان يتم ترويج كتاب (الغوغائية) لحمد عثمان، في كل مكان، وبالمجان، حتى في المسجد النبوي، من قبل الحكومة السعودية والأنظمة الخليجية سنة 2009 م، كان لا بد من الوصول إلى قطاعات واسعة من الشباب الذين قد يكونون تأثروا بالكتاب في مواقع الأنترنت، ولا ينتمون لمدرسة حمد عثمان، وكان لا بد من انتداب كاتب كإبراهيم السكران سواء كان يعلم أو لا يعلم، ولو باتصال من بعض شيوخه وحثه على الرد برغبة من السلطات العليا، قد لا يعلم عنها السكران نفسه!
أقول ذلك لمعرفتي كيف يتم توظيف كثير من الشيوخ والدعاة في الرد على معارضي الأنظمة الخليجية، بمجرد اتصال هاتفي، فإذا هم ينبرون بالكتابة حسبة لنصرة دينهم!
وكان الهدف من لقب (الكاتب المغمور) هو تمرير المقال، فإن رد عليه د حاكم قيل هذا كاتب غير معروف، ولا يتحمل أصحابه الكبار تبعة خطئه وجريرته! وإن لم يرد عليه تأكد الافتراء، وشاعت الفرية، وتحقق الغرض، وثبت الأجر، وحسابهم على الله!
وهذا الذي كتبه السكران يشبه القصة الخيالية التي نسجها المدعو عمر مهدي زيدان في مقاله (حاكم المطيري واجتماع السلفية الجهادية في الضليل)، التي تروج هذه الأيام في التويتر، حيث زج باسمي في قصة اجتماع مزعوم حدث في الأردن في منطقة الضليل للسلفية الجهادية قبل مدة، مع أنني لم أدخل الأردن منذ سنوات، ولا أعرف ما الجهادية السلفية هذه التي يتحدث عنها، ولم أسمع باسم هذه المنطقة (الضليل) إلا في مقاله المشبوه، وقد زرت الأردن مرتين في حياتي مرة بدعوة من الجامعة الهاشمية في مؤتمر (العلاقات العربية الأوربية) سنة 2006م، قدمت فيها ورقتي المنشورة في موقعي (العلاقات العربية الأوربية في ظل النفوذ الأمريكي)، والمرة الثانية للإشراف على طباعة كتاب (تحرير الإنسان) سنة 2008م، ولم أسمع بكل الأحداث التي قصها المدعو عمر زيدان ولا أعرف عما يتحدث! ولا عمن يتحدث! وإنما هي نسج خيال مهووس بقصص الإثارة!
وأعجب منه القصة الخيالية التي تروج هذه الأيام بوسائل التواصل في مقال بعنوان (كيف اخترق د حاكم وحزب الأمة جبهة النصرة) للمدعو شيبة الحمد!
مع أني ويعلم الله لا علاقة لي بجبهة النصرة، ولا أعرف قيادتها، ولم يسبق لي اللقاء بها - مع فضلهم وشرفهم وسابقتهم - إلا أننا نقف مع الشعب السوري وثورته بكل فصائله سواء الجهادية أو الشعبية أو الجيش الحر، ولا فرق في أحكام الجهاد عندنا بين لواء الأمة وجبهة النصرة وجبهة الأصالة والجبهة الإسلامية وغيرها من الفصائل السورية ما دامت تجاهد في سبيل الله دفاعا عن الشعب السوري المظلوم!
وإنما تتفاوت في حسن الأداء وحسن البلاء...
وتلك المقالة المنشورة في تغريدات حساب شيبة الحمد أنموذج لحالة (جنون البقر) الفكري، حين تتشكل ثقافة زائفة على الأوهام والأكاذيب يفقد فيه من ابتلي بها اتزانه ووعيه!
هذا إذا افترضنا حسن الظن بهؤلاء الكتاب، وأن تلك المقالات ليست في سياق الحرب الاستخباراتية المحمومة هذه الأيام، لمواجهة ثورة الأمة على طغاتها وأنظمتها الوظيفية، حتى نجحت الأنظمة العربية مؤقتا في إعاقة ثورة الشام برايات الجهاد المشبوهة، التي تقاتل الشعب السوري وفصائل الثورة المجاهدة بدعوى مواجهة الصحوات، في الوقت الذي تقوم عصابات الأسد بقتال الشعب وفصائل الثورة المجاهدة بدعوى مواجهة الإرهاب! تماما كما حدث في ثورة الشعب الجزائري الذي ذهبت ثورته ضحية مؤامرات الاستخبارات العربية والغربية وجماعاتها المصنوعة على عينها لقتل الشعب باسم الإسلام والجهاد!
ولولا الخشية من أن يظن ظان أن السكوت إقرار بهذه القصص الوهمية، أو أن يأتي زمان يظن فيه أن لهذه الأوهام حظا من الصحة، لما سمحت لنفسي أن أذكر مثل هذا الجنون والمجون!
وإنما أذكر هذه الأمثلة حتى لا يتكرر السؤال عنها!
ونعود لمقال السكران وكتاب الحرية فما زال معه للحديث بقية!