بدأت قبضة بريطانيا على وسط جزيرة العرب تزداد بازدياد نفوذ ابن سعود وكما يقول جاك بيربي لقد (بدت شبه الجزيرة العربية، منذ سنة 1919م، أنها من بين كل أراضي الشرق الأوسط منطقة محظورة على غير البريطانيين، فسواحلها البحرية الطويلة يسهل على الأسطول البريطاني أن يسيطر عليها، واثنان من سادتها الرئيسيين، الشريف حسين في الغرب، وابن سعود في الوسط والشرق، هما بحماية بريطانيا، ويتلقيان دعما ماليا كبيرا منتظما من الحكومة البريطانية، لقد بقيت الساحة خالية لبريطانيا) [1].
لقد كانت السياسة البريطانية - كما يقول جون س - تقوم في شبه الجزيرة العربية على عدة اعتبارات تغيرت مع تغير الأوضاع الدولية هي كالآتي :
أولا: قبل الحرب العالمية كان مفروضا على السياسة البريطانية أن تعترف بسيطرة الدولة العثمانية على الجزيرة العربية، وألا تفعل ما يخالف هذه السياسة.
ثانيا: أثناء الحرب العالمية الأولى كان هناك تخطيط بريطاني لقيام ثورة عربية في الجزيرة العربية ضد الدولة العثمانية في الحجاز يقوم بها الشريف حسين، وحرب ضد حليف الدولة العثمانية ابن رشيد في حائل يقوم بها ابن سعود.
ثالثا: بعد انتهاء الحرب العالمية وسقوط الخلافة العثمانية تغير الموقف من ابن رشيد، إذ أصبح وجوده يعيد توازن القوى التي تحافظ بريطانيا على استمراره في المنطقة حتى لا تستفرد قوة واحدة عليها مما قد يهدد مصالح بريطانيا.
الخلاف بين حكومة الهند ولندن في دعم ابن سعود والشريف حسين:
وقد زاد من تعقيد الوضع أن الضباط والسياسيين البريطانيين في الجزيرة العربية انقسموا في مواقفهم إلى قسمين بحسب الجهات التي يتبعونها، فبينما كانت حكومة الهند البريطانية تدعم ابن سعود وتشرف على الجهة الشرقية من الجزيرة العربية، حيث كان فلبي وولسن يؤيدان ابن سعود، كان المندوب السامي البريطاني في مصر ريجينالد وينغيت، ولورنس العرب في مكتب بغداد التابع للخارجية البريطانية في لندن، التي تشرف على شئون الحجاز، يقفان مع الشريف حسين[2].
وقد زادت حدة الصراع بين الشريف وابن سعود خاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى (حتى اضطر مجلس الوزراء البريطاني للاعتراف بأن سياسته في شبه جزيرة العرب قد اختلت، فالخصومة بين حليفي بريطانيا، الشريف حسين الذي يتلقى 12 ألف جنيه شهريا من الدعم البريطاني، وابن سعود الذي يتلقى بدوره خمسة آلاف جنيه، كانت على أشدها) [3].
وعلى حد قول جون س لقد (كانت الحكومة البريطانية تستغل كلا من الملك حسين وابن سعود لتحقيق أهدافها الحربية في شبه الجزيرة العربية، وخاصة احتواء القوة التركية في المنطقة، وإشغال القوات التركية الموجودة على الجبهة في الجزيرة العربية حتى لا تتفرغ للعمل على الجبهتين الأوربية وجبهة الهلال الخصيب اللتين لهما طابع استراتيجي أكثر من الجزيرة العربية، وما إن تحقق هذا الهدف وبعد هزيمة الأتراك مباشرة، قررت الحكومة البريطانية السماح بانغماس الملك حسين وابن سعود في التطورات الداخلية، وذلك طبقا للتعليمات التي أرسلت للسير ريجينالد وينجات بعد استسلام المدينة - لقوات الشريف حسين التي كانت تحت إشراف الضباط البريطانيين ودعمهم العسكري حيث خرج الجيش العثماني الذي كان يدافع عن المدينة النبوية - وبناء على تغير الظروف واستسلام حامية المدينة فلن تجني الحكومة البريطانية شيئا من التدخل في النزاع الدائر بين ابن سعود والملك حسين - كما ورد في التعليمات - وقد ألغيت التعليمات الخاصة بتوجيه إنذار إلى ابن سعود) [4].
لقد احتل البريطانيون المدينة النبوية ونجحوا في إخراج الحامية العثمانية منها بواسطة قوات الشريف حسين، كما احتلت بريطانيا القدس بدعم قوات الشريف فيصل بن الحسين!
وقد كتب ابن سعود بتاريخ 2/8/ 1920م رسالة إلى بريطانيا - التي كانت تمده بخمسة آلاف جنيه إسترليني شهريا، وبترسانة من الأسلحة والذخيرة - قال فيها:
(ساندوني وأنا أضمن ألا أسمح برواج المؤامرات المضادة لبريطانيا بين العرب، إنكم تسبغون على أصدقائكم الخونة الألقاب - يعني الملك حسين - وتمنحونهم الأراضي الخصبة - يعني الشام والعراق - وأنا صديقكم المخلص أظل أفقر مما كنت عليه من قبل! أرجوكم أن تطلبوا إلى حكومة صاحبة الجلالة زيادة إعانتي وأن تزيد من مساعداتها المالية لي، أنا لا أستطيع الاستمرار، ردوا علي، علموني كيف أقاوم وأتحمل)[5].
لقد كانت المشكلة الرئيسية التي واجهها ابن سعود هي في إصرار الأخوان بقيادة فيصل الدويش على البدء بقتال الشريف حسين لكفره في نظرهم بتحالفه مع بريطانيا والنصارى، بينما كان ابن سعود بتوجيه بريطاني يحاول صرف أنظارهم عن الشريف حسين رجل بريطانيا في غرب الجزيرة العربية، وتوجيههم نحو حائل وابن رشيد الذي كان حليفا للدولة العثمانية وعدوا لبريطانيا، وقد عقد ابن سعود مؤتمرا عاما في مدينة شقراء، حضره الزعماء من البدو والحضر، وقد أعلن ابن سعود عن موقفه بضرورة قتال ابن رشيد بدعوى أنه أضعف عسكريا من الشريف حسين وكما يقول جون س من خلال الوثائق:
(طالبت المعارضة بزعامة فيصل الدويش شيخ قبائل مطير والناطق باسم الأخوان أن يقوم الأخوان بالهجوم على الإنجليز، والملك حسين، الذي سلحه الإنجليز والذي يهدد إخواننا في العقيدة في الخرمة) [6].
ولم يستطع ابن سعود الاعتراض على هذه الحجة - بإعلان أن المشكلة ليست مع الإنجليز ولا بتحالف حسين مع الإنجليز، إذ كان هو نفسه حليفا لهم، وتحت حمايتهم، ويستقبل دعمهم - بل برر تحفظه على مثل هذا الرأي الذي يطالبه به الأخوان والدويش بحجة أن الشريف أقوى عسكريا، وأن حائل أشد خطرا، وقد نجح في آخر المؤتمر في إقناع المعارضة(وأن يثبت ولاءه للبريطانيين مع تقوية أمن ممتلكاته في آن واحد) [7].
وفي الوقت الذي يدور النزاع بين ابن سعود والشريف في الحجاز تحت إشراف بريطاني في جهة الغرب وقع صراع آخر شرقا وكما يقول جون س:
( نشب الخلاف ـ بين الأخوان وسالم الصباح ـ عندما أرسل سالم قوة من رجاله لإجبار الإخوان من قبيلة مطير في موقع اسمه قرية على تركها من منطلق أنها أراضي كويتية، وأعقب ذلك نشوب العديد من المعارك التي كان أشهرها معركة الجهراء في اكتوبر 1920م، بقيادة فيصل الدويش الذي خرج منها منتصرا، وقد أدت حشود الكويتيين وربما الهجوم الضاري الذي قام به الأخوان على مدينة الكويت نفسها إلى إرسال بعض سفن المدفعية البريطانية، إلى المياه الكويتية لوضع الطيران في موضع الاستعداد، في إشارة قوية من بريطانيا إلى التزامها بالدفاع عن محميتها والحفاظ عليها، وقد أدت عمليات الأخوان العسكرية هذه إلى إخلاء تلك المنطقة وإلى الأبد من الرعاة الكويتيين وقطعانهم، كما نتج عنها أن أصبحت تلك الأراضي جزء لا يتجزأ من نجد، ومعترفا به دوليا، بناء على اتفاقية الحدود النجدية الكويتية التي أبرمت في العقير في 7/12/ 1920م)[8].
سقوط حائل وضمها للمشروع البريطاني:
منذ بداية الحرب العالمية الأولى ووقوف حائل ضد الحملة الصليبية على الدولة الإسلامية العثمانية، قررت بريطانيا إسقاطها واحتلالها على يد عبد العزيز بن سعود، وقد خطط وليم شكسبير لهذا الهدف، وقد قتل في معركة جراب بين ابن سعود وابن رشيد سنة 1915م، ثم واصل الكولونيل هاملتون مهمة شكسبير وزار الرياض سنة 1917م لتنفيذ هذا المخطط، ثم حل مكانه فيلبي الذي وصل قادما من بغداد إلى الرياض في 30 تشرين الثاني سنة 1917م لتحقيق هدفين الأول إسقاط حائل وضمها للرياض، والثاني توثيق التحالف بين ابن سعود والشريف حسين في مكة لمواجهة الدولة العثمانية التي ما تزال حاميتها العسكرية تسيطر على المدينة المنورة، وقد قدر فيلبي احتياجات ابن سعود لينفذ المهمة في حرب ابن رشيد بخمسة عشر ألف رجل مسلح، وعشرة آلاف رجل احتياطي، وخمسين ألف جنيه نفقات شهرية، وعشر آلاف بندقية، وأربعة مدافع ميدان، وعشرين ألف جنيه للمواد الغذائية، وكتب فليبي هذا التقرير لحكومته وأكد على ضرورة زيادة الدعم لضمان نجاح ابن سعود في مهمته[9].
وقد تحفظ المندوب السامي البريطاني في القاهرة ريجينالد وينغيت على زيادة الدعم خشية أن يستخدم الأخوان هذا الدعم في مهاجمة الشريف في الحجاز الذي كان يتبع في شئونه المندوب البريطاني في القاهرة، بينما أكد كوكس المقيم البريطاني في بغداد الذي يتبع حكومة الهند البريطانية ضرورة زيادة الدعم خاصة وأن ابن سعود قد أصبح تحت الحماية البريطانية بمعاهدة رسمية سنة 1915م في دارين، وأن الهدف الذي تسعى إليه بريطانيا(ينصب على رؤية نهاية سريعة لابن رشيد، والإبقاء على ابن سعود والشريف كقوتين سياسيتين في وسط وغربي الجزيرة العربية، لما يشكلانه من ثقل في السياسة البريطانية في تلك المنطقة) [10].
وبعد هزيمة الدولة العثمانية، وانتهاء الحرب العالمية سنة 1918م، خففت حكومة الهند من اندفاعها فكتب كوكس إلى مرؤوسيه في لندن (إننا لا نريد أن ندفع ابن سعود الذي لا يعتبر عبقريا عسكريا في عمليات خطيرة مثل محاصرة حائل)[11].
إلا إن فيلبي ظل متمسكا بضرورة دعم احتلال ابن سعود لحائل، إذ (سيساهم ذلك - كما جاء في تقرير فيلبي - في تعزيز سلطة ابن سعود في قلب الجزيرة العربية، ومن ثم يخلق توازنا بين حليفي بريطانيا الحسين وابن سعود) [12].
وقد أكد دكسون الوكيل السياسي البريطاني في الكويت في تقرير له عن رغبته في احتلال ابن سعود لحائل بالوسائل الدبلوماسية حيث كتب في تقريره:
(إن حكومته تحبذ رؤية ابن سعود سيدا على قلب الجزيرة العربية، وأن قوة ابن سعود ستزيد من هيمنة بريطانيا على الساحل الشرقي للجزيرة العربية، مما يجعل المشيخات هناك في ذعر دائم من ابن سعود، وسترنو دائما نحو بريطانيا لحمايتها)[13].
وقد توجه فيصل الدويش ومعه 2000 مقاتل من قبيلة مطير من الأخوان نحو حائل، وجرت بينه وبين قوات محمد بن طلال ابن رشيد معركة عنيفة في الجثامية على بعد خمسة أميال من حائل كان النصر فيها حليف الأخوان، وتراجع بعدها ابن رشيد إلى عاصمته، وتمت محاصرته، وطلب الصلح من ابن سعود الذي اشترط عليه الدخول في حلف مع بريطانيا[14].
لقد أصبحت حايل بعد سقوط الخلافة العثمانية محصورة بين فكي الكماشة ففرنسا في الشام وبريطانيا في العراق والرياض والحجاز وكما يقول المستشرق النمساوي المسلم محمد أسد الذي كان بمعية ابن سعود وعاصر تلك الأحداث:
(وإذ فقد ابن رشيد مؤازرة الأتراك وأصبح محصورا في الشمال بالأراضي التي كانت تديرها بريطانيا وفرنسا، فإنه لم يعد يستطيع أن يبدي أي مقاومة فعالة ضد ابن سعود، واستطاعت قوى الملك بقيادة فيصل الدويش الذي كان في ذلك الحين أعظم قواد ابن سعود أن تستولي على حايل في عام 1921م). [15]
وكما يقول جوس س :
(في 20/ 11/1921م سقطت حائل في يد ابن سعود بعد حصار دام خمسة وخمسين يوما، وكان لفيصل الدويش وقبيلة مطير اليد الطولى في حصارها وفتحها، وبذلك سقطت عاصمة نجد الشمالية أمام جيوش الأخوان التي سيطرت على المنطقة الشمالية إلى حدود الشام وعمان، وهي الخطوط الحمراء، حيث يرابط البريطانيون والفرنسيون، وقد قام البريطانيون بمواجهة قوة منهم تقدر بألف وخمسمائة مقاتل وقصفتهم بالطيران، وقتلت أكثرهم، وحينها أيقن الأخوان كما يقول جون س (أن المسيحيين موجودون في كل مكان، فهم يحمون سالم الصباح، وهم الذين أنقذوه من العقاب العادل على أيديهم، وهم الآن على أعتاب شرق الأردن حماة عسكريين للأمير عبد الله الذي أنزلوا به الهزيمة بالأمس في تربة) [16].
مشروع المملكة العربية تحت النفوذ البريطاني:
لقد كان المشروع البريطاني كما رسمه كيتشنر في مذكرته التي رفعها إلى مجلس الوزراء البريطاني بتاريخ 14/ 3/ 1915م يقوم على النحو التالي:
(خلق مملكة مستقلة في شبه الجزيرة العربية تشتمل على مكة والمدينة، على أن تكون تحت رعاية بريطانيا، فقد كان أمرا جوهريا أن تكون كذلك لتتحقق لبريطانيا السيطرة على القيادة الروحية للعالم الإسلامي) [17].
وفي ربيع سنة 1917م تم (تخلي مسئولين بريطانيين عن حماستهم زمن الحرب لحاكم مكة، مقابل وضع منافسه عبد العزيز بن سعود، الذي دعمته حكومة الهند البريطانية طوال الوقت) [18].
كما تراجع المسئولون البريطانيون في مطلع سنة 1918م، عن تشجيعهم للشريف حسين بإعلان نفسه خليفة للمسلمين، بل وحذروه من خطورة هذه الخطوة، تلك الخطوة التي شجعوه عليها سابقا، إيمانا منهم بأن (القوة في الشرق لا تعني شيئا، وإن الدين هو كل شيء) [19].
لقد قرر البريطانيون التخلص من الشريف حسين كزعيم للقضية العربية، لصالح ابنه فيصل الذي صار يدور في الفلك البريطاني، والذي انقطع عن والده وأسرته في الحجاز، طمعا في حكم الشام، مما جعل والده يتهمه بالخيانة له، ولأمته، وشرفه[20].
لقد حضرت بريطانيا مؤتمر الصلح في باريس سنة 1919م، بعد توقف الحرب العالمية، وهي تسيطر(على مشيخات الخليج العربي، التي جرى تنظيمها خلال الحرب، ولها وضع متميز في الجزيرة العربية، الذي ضمنه تحالف بريطانيا مع الحسين وابن سعود، وقد جعل منهما هذا التحالف حاكمين مشمولين بحمايتها)[21].
لقد قررت بريطانيا التخلص من الشريف حسين وإنهاء نفوذه بالحجاز بعد إلحاحه على بريطانيا تنفيذ وعودها لها بإقامة (المملكة العربية المتحده) في الجزيرة والشام والعراق ليكون خليفة عليها، وبدأ التوجه البريطاني لحسم الموقف لصالح ابن سعود خاصة بعد تحرك فيصل بن الحسين للإعلان عن الجهاد لمواجهة فرنسا في الشام وهو الخط الأحمر الذي لن تقبل به بريطانيا نفسها، إذ إسقاط الخلافة ومنع عودة فكرة الجهاد أهم أسباب القضاء على الخلافة العثمانية!
وفي سنة 1920م بعد أن أدرك الشريف فيصل بن الحسين أبعاد اتفاقية سايكس بيكو وأن سوريا قد أصبحت تحت الاحتلال الفرنسي قام بالدعوة إلى الثورة وإعلان الجهاد، وكتب إلى ابن سعود بذلك، وقد أخبر ابن سعود دكسون في لقاء تم بينهما في الأحساء بتاريخ 15 فبراير بما يلي :
عن توجيه دعوة له لإعلان الجهاد ضد المسيحيين، وأن شعبه يؤيد هذه الدعوة، وأن أفضل حل لمواجهة هذه الدعوة التي يقودها فيصل ووالده في الحجاز يكون بدعم بريطانيا له هو، وأنه سيقف أمام علماء بلده بكل قوة إذا ما قرروا الوقوف مع الجهاد ضد الحلفاء[22].
تخلي بريطانيا عن الشريف وضم الأخوان للحجاز:
وبعد إعلان شريف مكة نفسه خليفة للمسلمين - وهو ما سبق أن حذرته منه بريطانيا التي دعمته ضد الدولة العثمانية - قامت بريطانيا التي كانت وراء فكرة القضاء على الخلافة بإسقاط الشريف، وكما قال دكسون:
(كان الملك حسين ملك الحجاز بعناده ورعونته يكتب نهايته بيده فعندما زار شرق الأردن وأعلن نفسه هناك خليفة في العالم الإسلامي أعلن ابن سعود عليه الحرب) [23].
وإنما كانت تلك الحرب بتوجيه بريطاني بعد أن تجاوز الشريف حسين الخط الأحمر المحظور على العالم الإسلامي كله وهو إعادة الخلافة فكان يخط نهايته ونهاية حكمه ووجوده بيده بمثل ذلك الإعلان!
لقد تم بعد ذلك الإعلان الذي قام به الشريف حسين في شرق الأردن بإعادة الخلافة عقد مؤتمر في الرياض في 5/6/1924م جمع كبار رؤساء القبائل من الأخوان، وعلماء الدين، وترأسه عبد الرحمن بن فيصل والد عبد العزيز بن سعود، وقد أصدر المؤتمر بيانا أشار فيه إلى (الاستفزاز الذي تمثل في تعيين الملك حسين نفسه خليفة)، وتحركت قوات الأخوان نحو الحجاز، واحتلت الطائف في شهر 9/1924م، وتقدم الأخوان الذين كان جلهم من قبيلة عتيبة بقيادة سلطان بن بجاد نحو مكة، ودخلوها بلا كبير مقاومة، ودون إطلاق طلقة واحدة، حيث انسحب الشريف من مكة إلى جدة (وكان يخوض حربا خاسرة فقد استطاع أن يصمد لحصار جدة ولكن سقوط المدينة المنورة بأيدي قوات الأخوان بقيادة فيصل الدويش في سنة 1925 أدى إلى تنازله عن العرش) [24].
كما نجح الأخوان بعد حصار جدة سنة كاملة من السيطرة عليها، وقد بدأ الأخوان حين سيطروا على الحجاز يفاوضون القنصل البريطاني والإيطالي والهولندي والإيراني في جدة ويتعهدون لهم بضمان الأمن لهم ولرعاياهم، وكما يقول جون س :
لقد (كان الأخوان يسيطرون على الموقف تماما، فقد كان هؤلاء البدو غير المتحضرين يتعاملون بالفعل مع أعيان الحجاز وممثلي الدول الكبرى قبل وصول زعيمهم إلى المدينة)، في الوقت الذي كان ابن سعود في الرياض لم يتصور سرعة سقوط مكة على هذا النحو، وقد جاء من الرياض ليدخلها دخول الفاتحين في نصر كان (الأخوان هم الذين مكنوه من تحقيقه، ولكنهم لم يأخذوا مقابل ذلك سوى القليل، إن لم يكن شيئا على الإطلاق، ومع ذلك لو فشل الأخوان لكان من السهل على ابن سعود الذي كان لا يزال في الرياض، أن يزعم أنهم هجموا على الطائف ومكة دون إذن منه أو علم له بذلك، وما داموا قد فعلوا ذلك فإن الله لم ينصرهم، وربما كان ذلك العذر مقبولا أيضا لدى أصدقائه البريطانيين، وقد استشعر الأخوان - كما يقول جون - فيما بعد أن ابن سعود لم يعترف على الملأ قط بالدور الذي لعبه الأخوان في الاستيلاء على الحجاز، وقد غضب الأخوان من المزاعم التي تقول إن ابن سعود وأسرته والقرويين من غير الأخوان هم الذين استولوا على الحجاز، مع أن هاتين المعركتين - الطائف ومكة - لم يشارك فيهما قروي واحد من القرويين المستقرين، والتسجيلات المدونة تؤكد ذلك)[25].
ومازلنا مع (الحرية وأزمة الهوية في الخليج والجزيرة العربية) وللحديث بقية!