سوريا الجديدة
والصراع الدولي
أ.د. حاكم المطيري
الأمين العام لمؤتمر الأمة
١٧ / ١١/ ١٤٤٦هـ
١٥ / ٥ / ٢٠٢٥م
كل
تعزيز للعلاقات بين سوريا الجديدة ودول العالم العربي والإسلامي خطوة مهمة ضرورية،
وهو على المستوى الإستراتيجي في صالح الأمة وشعوبها، بقطع النظر عن مدى استفادة
الأنظمة الآنية للتقارب ذاته، فالأنظمة والدول متغيرة بطبيعتها مهما طالت مدتها،
بينما الأمة وشعوبها وأرضها ثابت دائم أبدا حتى يرث الله الأرض ومن عليها كما قال
النبي ﷺ: (إن الله زوى
لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها)!
وحاجة
أمريكا اليوم إلى الدول العربية والإسلامية أشد من حاجتهما لها، فلا تستطيع واشنطن
المحافظة على نفوذها الدولي الاقتصادي والسياسي -في ظل تنامي النفوذ الصيني
والتنمر الروسي- دون ضمان وقوف دول العالم العربي والإسلامي معها التي باتت اليوم
بيضة القبان ورمانة الميزان في ترجيح كفة الصراع الدولي، وهي من نقاط القوة التي
تستطيع الدول المركزية في العالم العربي والإسلامي -خاصة تركيا- استثمارها لصالح
دوله وشعوبه التي أضعفها التشرذم والصراع والتخلف السياسي والاقتصادي حتى أخرجها
ذلك عن دائرة الفعل والتأثير وأخضعها للتبعية للقوى الدولية منذ سقوط الخلافة
العثمانية حتى اليوم.
إن
حاجة واشنطن لرفع العقوبات عن سوريا الجديدة أشد من حاجة دمشق نفسها، فلا تستطيع
أمريكا ترك سوريا تفتح أبوابها وأسواقها للصين كما فعلت أفغانستان لتخرج أمريكا من
الشرق الأوسط -درة التاج الأمريكي- تدريجيا اقتصاديا وسياسيا كما تخرج عسكريا!
وأن
ينتظر العالم العربي والإسلامي و ٥٦ دولة من دوله قرار ترامب -قيصر الروم- برفع
العقوبات والحصار عن سوريا وقبلها عن غزة وأفغانستان؛ لهو أوضح دليل على أنه ما
يزال يخضع للاستعمار الغربي! وأن استقلال دوله وشعوبه وهمٌ كبير طالما خدرها عن
استكمال معركة تحريره التي لم تنته بعد ما دامت القواعد العسكرية الغربية تجثم على
أرضه!
وأن
اشتراط الديمقراطية للاعتراف بالحكومات الجديدة في دمشق وكابل ليس سوى أداة للتحكم
والسيطرة ومحاولة يائسة لإعادة إنتاج أنظمة وظيفية جديدة بعد ثورات شعوبه!
إن
مَن فرض على ترامب رفع العقوبات عن سوريا -مع أهمية الدعم العربي والتركي- هي
الثورة السورية نفسها، وثبات الشعب السوري الذي رفض لمدة ١٤ سنة كل الخطوط الحمراء
الإقليمية والدولية على ثورته، وفرض إرادته على العالم كله في معركة تحرير وطنه،
كانت خلالها واشنطن نفسها تشارك في قصف مدنه وحصارها، وهي التي وضعت خطا أحمر على
الثورة المسلحة منذ أول شهر وصرحت رسميا مرارا وتكرارا أنه لا حل عسكريا في سوريا
إلا وفق قرارات جنيف! ثم أدركت أمريكا -بعد سقوط الأسد والتفاف الثورة حول قيادتها
وعجز القوى الانفصالية عن وقف اندفاع الثورة نحو أهدافها بتحرير سوريا وتوحيدها-
أنها في حاجة سوريا والعالم العربي وتركيا والعالم الإسلامي أشد من حاجة العرب
والمسلمين لها، وأنها لا تستطيع مواجهة الصين شرقا وروسيا شمالا إلا بالعالمين
العربي والإسلامي، تماما كما حدث في الحرب العالمية الأولى والثانية، فمن يضمن
الشرق الأوسط يضمن السيطرة على العالم؛ وهو ما يوفر لدوله المركزية وسوريا من
أهمها فرض شروطها وتعزيز سيادتها لصالح شعبها وشعوب الأمة كلها، وأولها: وقف
العدوان على غزة وتحرير القدس والمسجد الأقصى!