الروح الشامية
والحمية الأموية
بقلم: أ.د. حاكم المطيري
٣ / ٨/ ١٤٤٦هـ
٢ / ٢/ ٢٠٢٥م
كما لا تُعرف بغداد ولا يشرف العراق كمثل شرفه بالخلافة العباسية؛ لا تعرف
دمشق ولا يشرف الشام بغير الخلافة الأموية، فهو انتماء تاريخي حضاري، لا يمكن انتزاعه
من نفوس أهل كلا البلدين كما لا يمكن انتزاع الانتماء النسبي الأسري، فبهما يتفاخرون،
وإليهما يعتزون، وحق لهم ذلك.
وليس أشرف ولا أفضل -بنص القرآن- بعد عصر الخلافة الراشدة من عصر الخلافة
الأموية التي هي عصر أواخر الصحابة وصغارهم وكبار التابعين، كما قال تعالى في سورة
الحشر بعد الثناء على المهاجرين والأنصار: ﴿والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر
لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان﴾ وقال في سورة الجمعة: ﴿وآخرين منهم لما يلحقوا
بهم﴾، وشمول الوعد الإلهي بالاستخلاف لهم: ﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات
ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم﴾
..
ولم يتحقق للإسلام من الاستخلاف والظهور في الأرض على الدين كله، كما
وعد الله ﴿هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله﴾ كمثل ما تحقق في عهدهم بامتداد سلطان خلافة الإسلام
من حدود الصين إلى أقصى حدود الأندلس، وكما في الحديث الصحيح المتواتر: (خير الناس
قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)، وفي الصحيحين: (لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا
إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش)، وأجمع شراح الحديث على أنه يشمل خلافة بني أمية.
وعامة خلفاء بني أمية صلحاء عدول وأولهم وسابقهم عثمان بن عفان، ليس في
الخلفاء الراشدين من هو أوثق بيعة منه، كما قال الإمام أحمد، فقد أجمع عليه الصحابة
بعد الاستشارة ثلاثة أيام وكان أول من بايعه عبد الرحمن بن عوف وعلي بن أبي طالب.
وثاني خلفاء بني أمية وأول خلفاء عصرهم معاوية، وقد أجمع الصحابة على
بيعته عام الجماعة، بعد حدوث الفتن بينهم، وكان أول من بايعه آل البيت الحسن والحسين،
ولم يتخلف أحد منهم عن بيعته.
وأول مجدد في تاريخ الإسلام بإجماع أهل العلم مطلع القرن الثاني الهجري
عمر بن عبد العزيز الأموي، كما في حديث (إن الله يبعث على رأس كل مئة سنة من يجدد لها
أمر دينهم).
وقد اختاروا الشام ودمشق عاصمة للخلافة، وليس في فضائل البلدان بعد الحرمين
كفضائل الشام، ففيها المسجد الأقصى أولى القبلتين، وثالث المسجدين، ومسرى سيد الثقلين،
وهي (خيرة الله من أرضه يجتبي لها خيرته من عباده) كما في الحديث الصحيح.
وإليها (حمل عمود الكتاب) والدين بعد النبوة والخلافة الراشدة، وبها
(سطع نوره) كما في رؤيا النبي ﷺ في الحديث الصحيح.
وفيها تكون الخلافة الراشدة الخاتمة آخر الزمان!