"مواسم
الجاهلية"
بقلم أ.د. حاكم المطيري
2/ 5/ 1444هـ
26/ 11/ 2022م
"مواسم المونديال هي أعياد لغة وشرعا فاعتيادها المتكرر والاحتفال
بها -دع عنك ما يقع فيه من محرمات أخرى- كل ذلك يصدق عليه أنه عيد، وهي امتداد لمواسم
الجاهلية التي أبطلها الإسلام (أبغض الناس إلى الله مبتغ في الإسلام سنة الجاهلية)
ويراد لها أن تكون أعيادا عالمية لدين الأمم المتحدة!"
لقد أبطل الإسلام الجاهلية وسننها كلها، ومما أبطله أعياد الجاهلية
ومواسمها، وهي المواسم التي يعتادون فيها الاحتفال واللعب واللهو، ففي الصحيح: (قدم
النبي ﷺ المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا
نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله ﷺ: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر) وهذا بيان
لمعنى قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾[المائدة:3].
كما أبطل موسم سوق عكاظ وذي المجاز،
الذي كان العرب يجتمعون فيهما ويتبارون ويتفاخرون، كما قال الخليل بن أحمد الفراهيدي
في كتاب العين (هدمه الإسلام)، وكذا قال زكريا الأنصاري في شرح البخاري (٤/ ٢٢٢) عن
عكاظ: (سوق للعرب بناحية مكة كانوا يجتمعون به في كلِّ سنة، فيقيمون به شهرا، ويتبايعون،
ويتناشدون الشعر، ويتفاخرون، فلما جاء الإسلام هدمه)، يعنون هدم الموسم والاجتماع فيه
شهرا لا السوق نفسه!
وقد كان النبي ﷺ يصلى قبل الهجرة في المسجد الحرام وحول البيت ٣٦٠ صنما، وكان يذهب إلى
مواسم العرب في عكاظ وذي المجاز يدعوهم إلى الله وتوحيده، فلما هاجر وأقام دولة الإسلام
هدم الأصنام، وأبطل مواسم الجاهلية وأعيادهم، وقال في حجة الوداع: (كل أمر الجاهلية
موضوع تحت قدمي) فمن أراد أحياءها أو أجازها؛ فقد أحيا سنن الجاهلية!
فالاستدلال على جواز مواسم المونديال بمواسم العرب الجاهلية في سوق عكاظ
-الذي كان يقصده النبي ﷺ للدعوة لا إلى المشاركة فيه- شبهة شيطانية ونفثة قرمطية! كمن يفتي بجواز
نصب الأصنام في البيت الحرام بدعوى أن النبي ﷺ كان يصلي فيه بوجود تلك الأصنام حوله!
فقد حرّم النبي ﷺ إحياء
مواسم الجاهلية حتى لا يبقى إلا مواسم الإسلام وأعياده، فقال: (لكل قوم عيد وهذا عيدنا)
فلا عيد لنا غيره، وقال النبي ﷺ للذي
أراد الوفاء بنذره ببوانة (أفيها وثن يعبد في الجاهلية أو عيد من أعيادهم؟) قال: لا،
فقال له ﷺ: (فأوف بنذرك) فجعل مواطن أعياد الجاهلية كمعابد أوثانهم سواء بسواء! وهذا
ما فهمه الصحابة من نصوص الكتاب والسنة، فما عادوا لشيء من مواسمهم وأعيادهم الجاهلية
قط.
والادعاء بجواز المشاركة في المونديال -وهو أضخم مواسم أمم الغرب وحضارته
الرأسمالية وحكومته العالمية وفيه يروج لقيمه المادية وثقافته الإباحية حيث يختلط عشرات
الآلاف من الشباب بالشابات يأتون من كل بلد ودين وملة وهم شبه عرايا، ويحتفلون مدة
شهر في المونديال، وأكثرهم يشربون الخمر ويقترفون الفواحش- ثم الإنكار على من أنكر
ذلك، ثم تجاوز ذلك إلى الادعاء بأن المشاركة فيه هو الفقه والفهم لدين الله وما كان
يدعو إليه رسول الله ﷺ! وأن استضافة المونديال ورعاية هذا الموسم الجاهلي هو من نصر دين الله
وإقامة دعوته = كل ذلك دعوة قرمطية يتقاصر دونها ما استحله القرامطة الأول في الخليج
وجزيرة العرب في القرن الرابع!
وقد كان عامة المسلمين يلعبون ويلهون ويسمونه لعبا ولهوا، ويتوبون ويستغفرون،
وما زال أهل العلم يرون اللهو واللعب إذا تجاوز الحد المباح -ككرة القدم إذا أشغلت
عن العبادة فضلا عن الهوس الذي يصاحبها كحب اللاعبين والتعلق بهم واتخاذهم قدوة والتشبه
بهم وأكثرهم كفار ووثنيون- من الصد عن ذكر الله وعن الصلاة حتى جاء فقهاء الفيفا؛ فصار
إقامة المونديال نفسه من ذكر الله وإقامة دينه والدعوة إلى سبيله! ليشارك المسلمون
في مواسم الجاهلية المعاصرة بلا تحرج ولا تأثم، وليصبحوا جزءا من أممه المتحدة على
الكفر والفسوق والعصيان، ليظهروا وجه الإسلام الحضاري بزعمهم؛ فيصبح المسلمون والصليبيون
والبوذيون والوثنيون والدهريون إخوة يتعايشون في ظل الأمم المتحدة ودينها الجديد ويحتفلون
بمواسمها وأعيادهم بعد أن تركوا جانبا كل ما يفرقهم ولتبطل بذلك دعوة الإسلام الذي
جاء ليكون فرقانا بين الإسلام والكفر والمسلمين والمشركين ﴿قُل هذِهِ سَبيلي أَدعو
إِلَى اللَّهِ عَلى بَصيرَةٍ أَنا وَمَنِ اتَّبَعَني وَسُبحانَ اللَّهِ وَما أَنا مِنَ
المُشرِكينَ﴾ [يوسف: ١٠٨]