العرب بين مذبحتين
بقلم أ.د. حاكم المطيري
الأمين العام لمؤتمر الأمة
١٧/ ٩/ ٢٠١٥م
كشفت الثورة السورية وما قام به النظام وجيشه - من تدمير للمدن وتهجير للشعب السوري ومذابح وحشية أشد فظاعة من دير ياسين وصبرا وشاتيلا وقانا كما جرى في الحولة وحمص ودوما وحصار الغوطة - الستار عن وهم الاستقلال العربي، وعن واقع المشهد العربي الدموي بكل وضوح، وأن اللاعب الرئيسي في المنطقة هو المحتل الأوربي، بقطبيه الشرقي والغربي، أمريكا وروسيا من جهة، والشعب السوري الثائر من جهة!
وأن باقي الدول في المنطقة قوى ثانوية ووظيفية!
فحين يعجز مليار ونصف مسلم عن وقف المذابح وفك الحصار عن الغوطة فهذا دليل قاطع بأن المشهد في سوريا منذ احتلها اللنبي قائد الحملة البريطانية ثم القائد الفرنسي غورو كالمشهد في فلسطين منذ احتلالها!
لقد عاد الروس للمنطقة بكل قوة بعد زلزال الثورة العربية وخروج المنطقة عن السيطرة من أجل إعادتها مرة أخرى لنفوذ القوى الغربية الصليبية وفق توازناتها منذ احتلالها لها بعد الحرب العالمية الأولى، ثم بعد حلول أمريكا وروسيا محل بريطانيا وفرنسا بعد الحرب العالمية الثانية، وما يقع بين الدولتين من خلافات لا تخرج عن كونها تنافس بينهما في إطار تفاهم استراتيجي منذ ستين عاما، ودخول روسيا في سوريا على هذا النحو المباشر كدخول أمريكا في العراق، وهو تدخل بتفاهم مع أمريكا بعد استنزاف الثورة السورية للجميع، وبعد فشل جنيف ١ و ٢ وهو ما يتوقع لجنيف ٣ ! وستضطر تركيا بعد ترددها بالزج في ثقلها في الصراع سياسيا وعسكريا عبر دعمها لفصائل الثورة وإلا ستكون بين فكي كماشة الدب الروسي شمالا وجنوبا، ومؤامرة الأنظمة العربية الوظيفية على تركيا نفسها بعد وقوفها مع الربيع العربي!
والتدخل الروسي في سوريا جاء في ظل تراجع أمريكا وانكفائها على مشاكلها الداخلية، إلا إنه تدخل وفق تفاهمات بين الطرفين، وقد صرح أوباما منذ سنتين بأن على الجميع تحمل مسؤولية مواجهة الارهاب في المنطقة ويقصد الثورة العربية، ومن هنا جاءت الحملة الجوية المشتركة في سوريا والعراق واليمن لتحقيق هذا الهدف، وروسيا جزء من هذا التحالف مع وجود تقاطع مصالح بين دول التحالف إلا إن الحملات الجوية الثلاث كلها متكاملة، وكل طرف يقوم بمسؤولياته لضبط المنطقة حتى لا تخرج عن السيطرة، فالعدو المشترك لكل الأطراف هي الثورة العربية من تونس إلى اليمن، والجميع يتحالف ويتكامل لمواجهتها وما الحوثي وداعش إلا الأدوات الوظيفية التي تستغل لتبرير الحملات الجوية وإرباك المشهد!
وأمريكا اليوم تمارس سياسة بريطانيا الاستعمارية القديمة حذو القذة بالقذة بالسيطرة على المنطقة بجيوش المنطقة نفسها، كما فعلت بريطانيا حين احتلت السودان بالجيش المصري، وكما احتلت الخليج والجزيرة والعراق بالشريف حسين وابن سعود وقبائل المنطقة وموانئ الساحل!
لقد بدأت أمريكا تتخلى عن سياستها القديمة بالتدخل العسكري المباشر بعد هزيمتها في العراق، فالحملات الجوية الثلاث في سوريا والعراق واليمن وحملة السيسي الجوية في سيناء كلها تأتي في سياق واحد، وبرعاية أمريكية، لحصار وحماية درة التاج الأمريكي: الجزيرة والخليج العربي!
وحتى الآن لم يطرأ شيء على النظام الدولي منذ الحرب العالمية الثانية وقيام الأمم المتحدة وما لم تتغير دول الفيتو الخمس أو بعضها فإن النظام الدولي لن يتغير وما زال الوضع كما هو، فالدول الخمس تتفاهم في تقاسم النفوذ الدولي كل في دائرته، وما زالت أمريكا وروسيا تتمتعان باستحقاقهما التاريخي في هزيمة ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشستية ولم يحدث منذ الحرب العالمية الثانية ما يغير هذه المعادلة حتى في ظل الحرب الباردة بينهما والحروب التي خاضتاهما بشكل غير مباشر ضد بعضهما كحرب فيتنام وأفغانستان وأزمة كوبا وكوريا!
وستظل ثورة الأمة هي من يربك المشهد ويزلزل أركان النظام الدولي الذي فرض عليها هذا الواقع الذي تتكرر مآسيه منذ احتلال فلسطين ومذبحة دير ياسين حتى حصار الغوطة ومذابح دوما ولن تنتهي المأساة إلا حين تتحرر المنطقة العربية من الاحتلال الأجنبي وأنظمته الوظيفية!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مواضيع ذات صلة:
الثورة العربية بين لغة الأرقام ونظرية المؤامرة
الثورات العربية الموؤدة وكيف واجهها الغرب
بوادر ولادة الدويلات الطائفية في العالم العربي
تداعيات الأحداث في العراق على الثورة في سوريا وعلاقة تنظيم الدولة بالتنظيم القومي ودوره في الثورة المضادة