عــــودة الـخــــلافـــة
الثورة السورية.. حلم الخلافة وغياب الرؤية
بقلم أ.د. حــاكم المطيري
المنسق العام لمؤتمر الأمة
غرة محرم 1436هـ
25 أكتوبر 2014م
لقد كان للثورة السورية زخمها وعنفوانها لا على الصعيد السياسي والعسكري فحسب - حيث تجاوز الأمر حدود الثورة على نظام حكم داخلي إلى اصطدام بنظام دولي أممي، لتواجه الأمة وشعوبها الثائرة في بلدانها مشاريع الأمم التي تداعت عليها، لتحول بينها وبين حقها في الحرية والكرامة والاستقلال - بل تجاوز زخم الثورة إلى الصعيد الفكري والروحي والعقائدي، حيث بدأ البحث عن الهوية من جديد، بعد أن سقط مشروع الدولة الوطنية القطرية التي قتلت في ثلاث سنين فقط وبروح طائفية همجية ربع مليون مواطن، وهجرت نحو عشرة ملايين في سوريا، ومثلهم بل أكثر منهم في العراق، على يد أنظمة وظيفية عميلة مدعومة من الاحتلال الروسي والأمريكي والإيراني، لتستعيد ذاكرة الأمة الحروب الصليبية والمغولية، والطوائف التي اصطفت مع العدو الخارجي آنذاك، فإذا المشهد نفسه يتكرر بعد ألف سنة، وإذا العدو هو العدو، والطابور الخامس هو هو!
وبدأت الأسئلة الكبرى تطرح في كل محفل وناد، وفي كل سفح وواد، من نحن؟ ولم وقف الغرب والشرق ضدنا؟ ولم تُحرم شعوبنا من حقها في العيش بحرية وكرامة كبقية شعوب العالم؟ ما النظام السياسي الذي يناسبنا ويعبر عن هويتنا؟ وبدأ الحديث عن الخلافة يأخذ جلّ الاهتمام والنقاش، فإذا الخلافة هي الفريضة الواجبة! والحقيقة الغائبة!
وفي غمرة أحداث الثورة السورية مطلع سنة 2013م، جمعنا وبعض قادة الفصائل السورية الذين كانوا في سجن صيدنايا، وخرجوا منه بعد الثورة، لقاء في (منظمة الأمة للتعاون العربي التركي) بإسطنبول، وقد رغبوا إلينا في اللقاء بالوقوف معهم للإعلان عن الخلافة في سوريا!
فقلت لهم: كيف يمكن الإعلان عن الخلافة؟
فقالوا: ببيعة رجل تتوفر فيه الشروط الشرعية!
قلت: ومن يختاره؟
قالوا: من يبايعه من أهل الحل والعقد!
قلت: وأين الشعب السوري؟
قالوا: لا رأي لغير أهل الحل والعقد!
قلت: مصطلح أهل الحل والعقد يقصد به من بيدهم فعلا حل الأمور وعقدها، وهم اليوم في سوريا من يمثلون الثورة ومكوناتها، وقد عجز بشار الأسد عن مواجهتهم بكل جرائمه وأسلحته، بل وعجز العالم كله عن فرض الحلول الدولية في مؤتمر جنيف على الثورة السورية، فالثورة اليوم ثورة شعب، وهم الذين يحلون الأمور ويعقدونها بكل فصائلهم وجماعاتهم، ولن يستطيع أحد غيرهم فرض أمر دون موافقتهم؟
قالوا: أهل الحل والعقد هم العلماء المجاهدون وأهل الشوكة معهم فمن بايعوه فهو الإمام!
فقلت: وبمثل هذه البيعة يكون خليفة وتقوم بذلك الخلافة التي سقطت بحرب عالمية كبرى كان أحد شروطها إلغاء الخلافة؟
قالوا: نعم!
قلت: هذا يعني أن شعوب الأمة ثارت على الطغاة وأنظمتهم، وقاتلتهم بكل ما تستطيع، حتى إذا بذلت الدماء وأسقطتهم، جئتم أنتم وحكمتم الشعوب بالقوة، لتدخل معكم في دوامة الصراع على السلطة من جديد؟
قالوا: القضية شرعية لا دخل للآراء السياسية فيها!
قلت: حسنا فما معنى الخلافة عندكم وما حقيقتها حتى نقرر بعد ذلك الوقوف معكم من عدمه؟
قالوا: هي إقامة دولة تحكم بالإسلام!
قلت: ليس هذا هو تعريف الخلافة لا شرعا ولا فقها ولا عرفا!
فقالوا: كيف؟
قلت: الخلافة - كما نص على ذلك الفقهاء قاطبة - رئاسة عامة على الأمة أو على أكثرها! فهل من ستبايعونه في سوريا ليحكم بالإسلام سيكون رئيسا على الأمة في كل الأقطار فعلا؟ أم هو رئيس للشعب السوري فقط؟
قالوا: لا، وإنما إذا بايعه أهل الحل والعقد في سوريا وجب على الأمة خارجها الدخول في البيعة!
قلت: فإن رفض المسلمون خارج سوريا الاعتراف به فما الموقف؟
قالوا: لا عبرة برفضهم فالبيعة للأول!
قلت: أيكون مثل هذا خليفة عندكم ولو لم يكون له سلطان فعلي على الأمة خارج سوريا، ولا قدرة له على حماية الشعب السوري فضلا عن حماية الأمة كلها؟
قالوا: نعم!
قلت: فإن رفض أهل الحل والعقد في سوريا البيعة له؟
قالوا: إذا اجتمع عدد من أهل العلم والشوكة وبايعوه وجب على أهل سوريا الدخول في البيعة!
قلت: فإن رفض هذه البيعة أكثر أهل الحل والعقد وأكثر أهل الشوكة من علماء سوريا وزعمائها وقادة فصائل الثورة والجهاد فما موقفكم؟
فقالوا: يجب بيان الحكم الشرعي لهم!
قلت: فإن خالفكم في الحكم الشرعي علماؤهم من المذاهب الفقهية والجماعات الدعوية والجهادية ورأوا بأن الأمر شورى يشارك فيه الجميع؟
فسكت الوفد!
قلت: حينها أنتم بين خيارين إما القتال لفرض سلطة هذا الخليفة المزعوم، وهو الطغيان عينه الذي ثارت عليه الأمة وشعوبها إلا أنكم تريدون فرضه باسم الإسلام بينما بشار يفرضه باسم القومية والوطنية، وستخوضون في بحور من دماء المسلمين المعصومة بالتأويل الفاسد، ولن يتحقق لكم ما تريدون، فالأمة التي ثارت على الطغاة لن تعجز عن الثورة عليكم وعلى خليفتكم، وإما أن ترجعوا للأمة وتنزلوا على حكم علمائها وخيار زعمائها ممن لم يتورطوا في قتالها ودمائها، وهو ما ارتضاه علي رضي الله عنه وهو خليفة راشد وكان قد بايعه أكثر الأمة فعلا، ومع ذلك انتهى به الأمر أن رضي بالتحكيم، ورد الأمر للأمة، لجمع كلمتها، ولحقن دمائها، وكان الخوارج أول من رفضوا تحكيم الأمة تحت شعار (لا حكم إلا لله) ليستحلوا به دماء الأمة المعصومة!
وهذا عين ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة، ثم مات، مات ميتة جاهلية، ومن قتل تحت راية عمية، يغضب للعصبة، ويقاتل للعصبة، فليس من أمتي، ومن خرج من أمتي على أمتي، يضرب برها وفاجرها، لا يتحاش من مؤمنها، ولا يفي بذي عهدها فليس مني).[1]
فالخروج المحرم في الأصل هو الخروج على الأمة والإمام الذي اختارته الجماعة، (ومن خرج من أمتي على أمتي)، فأنتم بهذا ستنتهون إلى الخروج على الأمة وقتالها على السلطة بلا شورى ولا رضا، واستباحة دمائها ودماء أهل الذمة، الذين لهم ما للمؤمنين وعليهم ما عليهم؟
وقد سئل ابن عمر في الفتنة التي حدثت بين ابن الزبير وعبد الملك بن مروان: لمَ لا تقاتل وقد قال الله {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ}؟
فقال: (أتدري ما الفتنة؟ كان الرجل يفتن في دينه، إما أن يقتلوه، وإما أن يوثقوه - أي: يسجنه كفار قريش في مكة - فقد قاتلنا حتى لم تكن فتنة، وكان الدين كله لله، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة، ويكون الدين لغير الله)!
وفي رواية: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين، وكان الدخول عليهم فتنة، وليس بقتالكم على الملك).[2]
وقد سأله عبد الله بن صفوان: (يا أبا عبد الرحمن ما يمنعك أن تبايع أمير المؤمنين يعني ابن الزبير؟ فقد بايع له أهل العروض، وأهل العراق، وعامة أهل الشام؟ فقال: والله لا أبايعكم وأنتم واضعوا سيوفكم على عواتقكم تصبب أيديكم من دماء المسلمين).[3]
فاستحلال قتال الأمة للوصول إلى السلطة، وإخضاعها لسلطان هذا أو ذاك، دون شورى الأمة ورضاها هو من القتال لتكون فتنة، ويكون الدين والطاعة لغير الله، كما قال ابن عمر!
وقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (وأنا والله لا أقتل مسلما - في القتال على السلطة - فقال له رجل: ألم يقل الله {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله}؟ فقال سعد: قد قاتلنا حتى لا تكون فتنة وأنت وأصحابك تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة).[4]
ثم قلت لهم: ما الذي يمنعكم من الإعلان عن حكومة راشدة أو دولة راشدة في سوريا بعد تحريرها من قبضة الأسد وعصابته؟
ولماذا تصرون على الخلافة التي لا يمكن إقامتها في دولة قطرية لا وزن لها ولا تمثل الأمة كلها، ولا أكثر شعوبها وأقطارها؟ فالخلافة شأن الأمة كلها أو أكثرها، وليس شأن شعب واحد من شعوبها في قطر واحد من أقطارها؟
فقالوا: لا نستطيع أن نتحدث إلا عن الخلافة!
فقلت: هذه مشكلة خاصة بكم فلا تشغلوا الأمة بها معكم!
ثم قلت لهم: هل الإعلان عن إمارة المؤمنين في أفغانستان التي تولت السلطة فيها نحو خمس سنين إمارة شرعية؟
قالوا: نعم!
قلت: وهل تلزم بيعة الملا عمر الأمة كلها؟
قالوا: لا!
قلت: ولماذا؟
قالوا: لأنه لم يدع الخلافة!
قلت: وهل الخلافة ادعاء من سبق إليه صار خليفة؟
قالوا: إذا توافرت الشروط وعقد له أهل الحل والعقد البيعة على الخلافة!
قلت: ولو كان في بلد صغير لا وزن له في المعادلة الدولية!
قالوا: نعم!
قلت: أنتم بهذا تستخفّون بأخطر قضايا الأمة السياسية على الإطلاق، فإذا كانت هذه هي الخلافة عندكم فهنيئا للقوى الدولية الصليبية قيام مثل هذه الخلافة، بل هم من سيمهدون لها الطريق إن كانت بهذا المفهوم الممسوخ، وإذا كانت ستزج الأمة وشعوبها في بحور من الدماء والحروب الأهلية لا من أجل إسقاط الطغاة وتحرير دولها من الاحتلال، بل لإقامة طغاة جدد يستعبدونها باسم الخلافة، ثم لا تتجاوز خلافتهم حدود الدولة القطرية بوصاية دولية!
لقد كان ذلك اللقاء والجدل الذي دار بيننا وبين هؤلاء المجاهدين الصادقين ممن أفنوا أعمارهم بالتبشير بعودة الخلافة أنموذجا للأزمة العميقة التي تعيشها الأمة، ويعيشها هؤلاء المخلصون، والتي تجلت في أوضح صورها على أرض الشام والعراق اليوم قبل أن يعوا واقعهم السياسي أولا، ويفقهوا حقيقة الخلافة التي يدعون إليها ثانيا، ويبلوروا مشروعهم السياسي ويعملوا على تنزيله من عالم النظريات إلى الواقع ثالثا!
الخلافة وحقائقها القرآنية:
إن للخلافة حقيقة قرآنية أدركها الصحابة الذين بشرهم الله بالاستخلاف في الأرض كما جاء في قوله تعالى: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ ءامَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}...
ولهذه الخلافة القرآنية معنيان:
المعنى الأول: استخلاف الأمة في الأرض:
فالخلافة الموعودة هي في الأصل للمؤمنين جميعا، وللأمة كلها، بتحقق السيادة لهم في الأرض، وبتحقق الأمن لهم، وتمكن دينهم والشرع الذي هو العدل والقسط فيها، كما قال ابن عطية: (وقوله: {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ} يريد في البلاد التي تجاورهم والأصقاع التي قضى بامتدادهم إليها، واستخلافهم هو أن يملكهم ويجعلهم أهلها، كما جرى في الشام وفي العراق وخراسان والمغرب، وقال الضحاك في كتاب النقاش: هذه الآية تتضمن خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي لأنهم أهل الإيمان وعمل الصالحات.. قال ابن عطية: والصحيح في الآية أنها في استخلاف الجمهور).[5]
وقال القرطبي: (وقال قوم: هذا وعد لجميع الأمة في ملك الأرض كلها تحت كلمة الإسلام، كما قال عليه الصلاة والسلام: (زويت لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها)، واختار هذا القول ابن عطية في تفسيره حيث قال: والصحيح في الآية أنها في استخلاف الجمهور، واستخلافهم هو أن يملكهم البلاد ويجعلهم أهلها، كالذي جرى في الشام والعراق وخراسان والمغرب، قال ابن العربي: قلنا لهم هذا وعد عام في النبوة والخلافة وإقامة الدعوة وعموم الشريعة، فنفذ الوعد في كل أحد بقدره وعلى حاله، حتى في المفتين والقضاة والأئمة، وليس للخلافة محل تنفذ فيه الموعدة الكريمة إلا من تقدم من الخلفاء.. وليس من شرط الأمن رفع الحرب إنما شرطه ملك الإنسان لنفسه باختياره، لا كما كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بمكة. ثم قال في آخر كلامه: وحقيقة الحال أنهم كانوا مقهورين فصاروا قاهرين، وكانوا مطلوبين فصاروا طالبين، فهذا نهاية الأمن والعز، قلت: هذه الحال لم تختص بالخلفاء الأربعة رضي الله عنهم حتى يخصوا بها من عموم الآية، بل شاركهم في ذلك جميع المهاجرين بل وغيرهم، ألا ترى إلى غزو قريش المسلمين في أحد وغيرها وخاصة الخندق.. ثم إن الله رد الكافرين لم ينالوا خيرا، وأمن المؤمنين وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم، وهو المراد بقوله: {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ}. وقوله: {كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يعني بني إسرائيل، إذ أهلك الله الجبابرة بمصر، وأورثهم أرضهم وديارهم فقال: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا} وهكذا كان الصحابة مستضعفين خائفين، ثم إن الله تعالى أمنهم ومكنهم وملكهم، فصح أن الآية عامة لأمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير مخصوصة، إذ التخصيص لا يكون إلا بخبر ممن يجب [له] التسليم، ومن الأصل المعلوم التمسك بالعموم).[6]
وعليه فلا يتصور أن يكون هناك استخلاف لبعض المؤمنين على فرض وقوعه، بينما جمهور الأمة وأكثرها في حال استضعاف، وتحقق السيادة والأمن للأقلية منهم لا يصدق عليه خلافة ولا استخلاف للمؤمنين في الأرض، ولم يحدث منذ هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وقيام دولته ثم خلافته من بعده أن كان أكثر المؤمنين وأكثر الأمة خارج تلك الدولة والخلافة والاستخلاف، بل ظلت الأمة والجماعة والخلافة صنوان لا يفترقان كما أوجب صلى الله عليه وسلم وأمر بقوله كما في الصحيحين: (الزم جماعة المسلمين وإمامهم)، وكما بشر وأخبر في الصحيح بقوله: (وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها)!
وهذا ما رجحه ابن جزي في تفسيره حين قدم الاستخلاف العام للأمة على الاستخلاف الخاص للخلفاء الراشدين فقال ({لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} وعد ظهر صدقه بفتح مشارق الأرض ومغاربها لهذه الأمة، وقيل: إن المراد بالآية: خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهما).[7]
بل إن من حصر الخلافة في الأرض بأخص معاني الاستخلاف وهو استخلاف الخلفاء الراشدين بعد النبوة، أخرج عهد علي رضي الله عنه من هذا الوعد، بسبب حدوث الاقتتال الداخلي، ووقوع الفتن والافتراق، وتعطل الفتوح، وهو ينافي حقيقة الاستخلاف الخاص، الذي يقتضي الاجتماع وتحقق الأمن الداخلي، كما قال الرازي: (المسألة الثامنة : دلت الآية على إمامة الأئمة الأربعة، وذلك لأنه تعالى وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الحاضرين في زمان محمد صلى اللَّه عليه وسلم وهو المراد بقوله {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} وأن يمكن لهم دينهم المرضي وأن يبدلهم بعد الخوف أمنا، ومعلوم أن المراد بهذا الوعد بعد الرسول هؤلاء لأن استخلاف غيره لا يكون إلا بعده، ومعلوم أنه لا نبي بعده لأنه خاتم الأنبياء، فإذًا المراد بهذا الاستخلاف طريقة الإمامة، ومعلوم أن بعد الرسول الاستخلاف الذي هذا وصفه إنما كان في أيام أبي بكر وعمر وعثمان، لأن في أيامهم كانت الفتوح العظيمة وحصل التمكين وظهور الدين والأمن، ولم يحصل ذلك في أيام علي رضي اللَّه عنه لأنه لم يتفرغ لجهاد الكفار لاشتغاله بمحاربة من خالفه من أهل الصلاة، فثبت بهذا دلالة الآية على صحة خلافة هؤلاء).[8]
المعنى الثاني: تولي الخلافة بالشورى وإقامة العدل:
فإذا تحقق الاستخلاف والخلافة العامة للأمة في الأرض بالسيادة والظهور، فالخليفة فيها بعد ذلك هو من تولى الخلافة عليها بشروطها، كما في قوله تعالى {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَق ولا تَتَّبِعِ الْهَوَى}.
وقد حدد الخطاب القرآني والنبوي معالم هذه الخلافة -التي هي فرع عن الاستخلاف للأمة كلها- وبيّن أسسها، وشروطها وأحكامها، وكيفية اختيار الخليفة، وصلاحياته، ورقابة الأمة عليه، في أحاديث كثيرة متواترة في موضوعها تواترا معنويا، جعلت الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم يحسمون موضوع الاختيار لخليفته في أول يوم توفي فيه صلى الله عليه وسلم، مما يؤكد مدى وضوح موضوع الخلافة عندهم، وقد جاءت أحاديث كثيرة ورد فيها مصطلح الخليفة، والإمام، ومن ذلك:
1- قوله صلى الله عليه وسلم في بيان طبيعة النظام السياسي الإسلامي بعد النبوة كما في الصحيحين (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا بيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم).[9]
2- وقال أيضا صلى الله عليه وسلم في تحريم الافتراق ووجوب الاجتماع السياسي ومنع تعدد الخلفاء، كما في الحديث الصحيح: (إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الثاني منهما).[10]
3- وقال صلى الله عليه وسلم في وجوب لزوم خلافة النبوة (تكون النبوة... ثم تكون خلافة على منهاج النبوة... ثم يكون ملكا عاضا، ثم يكون ملكا جبريا... ثم تكون خلافة على منهاج النبوة).[11]
4- وقال صلى الله عليه وسلم في وجوب لزوم سنن الخلافة الراشدة (تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار).[12]
5- وحدد فترة الخلافة الراشدة التي هي المعيار الذي يجب الاحتكام إليها في باب الإمامة وسياسة الأمة فقال صلى الله عليه وسلم: (الخلافة بعدي ثلاثون)، وفي رواية: (خلافة النبوة ثلاثون سنة).[13]
والأحاديث الواردة في شأن الخلافة كنظام سياسي بعد النبوة متواترة تواترا معنويا، وأجمع على ما تقتضيه - من أحكام سياسية وما قامت عليه من أصول عقائدية - الصحابة رضي الله عنهم إجماعا قطعيا، حتى قال عبد الرحمن بن عوف حين بايع عثمان - كما في صحيح البخاري - (أبايعك على سنة الله، وسنة رسوله والخليفتين من بعده، فبايعه عبد الرحمن وبايعه الناس: المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون).[14]
وفي هذه الأحاديث الصحيحة بيان لطبيعة الحكم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الحكم سيكون خلافة، يليه الخلفاء بشورى الأمة واختيارها، وأن مهمتهم هي سياسة الأمة والدولة بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
ومصطلح الخلافة من المصطلحات الإسلامية التي لم يعرفها العرب في جاهليتهم، وإنما كانوا يعرفون لفظ الملك، والأمير، أما الخلافة والخليفة، فهي ألفاظ شرعية قرآنية ونبوية، كما قال تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَة}.[15]
وهذا استخلاف عام للجنس والنوع الإنساني، في استعمار الأرض.
وقال سبحانه: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ ءامَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ}.[16]
وهذا استخلاف خاص للمجتمع الإيماني ليقيموا حكم الله والقسط الذي أنزله في كتابه، ونزله على رسوله.
وقال تعالى عن داود: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ}.[17]
وهذا هو الاستخلاف الخاص للأئمة على الأمة ليحكموا بالكتاب وبالعدل والقسط.
فالغاية من الخلافة كنظام سياسي إقامة الحق والحكم بالعدل بين الخلق جميعا.
قال ابن خلدون في مقدمته مبينا الفرق الجلي بين الخلافة والملك: (في معنى الخلافة والإمامة: لما كانت حقيقة الملك أنه للاجتماع الضروري للبشر، ومقتضاه التغلب والقهر اللذان هما من آثار الغضب والحيوانية، كانت أحكام صاحبه في الغالب جائرة عن الحق، مجحفة بمن تحت يده من الخلق في أحوال دنياهم... ومقصود الشارع بالناس صلاح آخرتهم فوجب بمقتضى الشرائع حمل الكافة على الأحكام الشرعية في أحوال دنياهم وآخرتهم، وكان هذا الحكم لأهل الشريعة وهم الأنبياء، ومن قام فيه مقامهم وهم الخلفاء، فقد تبين لك من ذلك معنى الخلافة، وأن الملك الطبيعي هو حمل الكافة على مقتضى النظر العقلي في جلب المصالح الدنيوية ودفع المضار، والخلافة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به).[18]
والخليفة والخلافة ألفاظ لا دلالة فيها على ملك أو استحقاق أو قهر، ولا تفيد أيًا من هذه المعاني التي جاء الخطاب السياسي الإسلامي لإبطالها، ولهذا جاء بأسماء شرعية جديدة موافقة في دلالاتها لمضمون الخطاب القرآني وأصوله وهداياته، ولم يستخدم الشارع في خطاب التكليف لفظ الملك، الذي يفيد معنى التملك وحق التصرف في الدولة والأمة، ولا لفظ السلطان الذي يفيد معنى القوة والقهر والجبر، وإنما استخدم ألفاظا لا دلالة فيها على شيء من ذلك وهي:
أولا: لفظ الخلافة والخليفة وهو الذي يخلف من سبقه.
ثانيا: لفظ الإمامة والإمام، وهو الذي يتقدم للقيادة، كإمامة الإمام للمصلين.
قال ابن خلدون عن نظام الخلافة: (أنه نيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين وسياسة الدنيا به، وتسمى خلافة وإمامة، والقائم به خليفة وإماما، فأما تسميته إماما فتشبيها بإمام الصلاة في اتباعه والاقتداء به، ولهذا يقال الإمامة الكبرى، وأما تسميته خليفة فلكونه يخلف النبي في أمته فيقال خليفة بإطلاق وخليفة رسول الله).[19]
ثالثا: لفظ الإمارة، والأمير الذي هو ذو الأمر والشأن، وأصلها من المشاورة، جاء في لسان العرب: (الأمير: ذو الأمر... والائتمار والاستئمار: المشاورة، والتآمر التشاور، وآمره في أمره ووامره واستأمره شاوره، وآمرته في الأمر مؤامرة إذا شاورته، وكل من فزعت إلى مشاورته ومؤامرته فهو أميرك، ومنه الحديث (آمروا النساء في أنفسهن) أي شاوروهن، ومنه الحديث (البكر تستأذن، والثيب تستأمر)... والأمير القائد، وأولو الأمر الرؤساء وأهل العلم... وقوله تعالى: {إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ} أي يتشاورون في أمرك، وتآمروا على الأمر وائتمروا: تماروا وأجمعوا آراءهم) أهـ.
فأمير المؤمنين هو قائدهم الذين يختارونه بالشورى فيما بينهم، ويشاورهم في أمورهم، ويشير عليهم، ويشيرون عليه، في كل أمورهم وشئونهم، كما قال تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}، وهم الذي يختارونه بعد تشاور وإجماع رأي، كما قال عمر: (الإمارة شورى بين المسلمين).
وقال ذو عمرو الحميري - كما في صحيح البخاري - لجرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنهما - حين توفي النبي صلى الله عليه وسلم واستخلف المسلمون أبا بكر - (يا جرير إن بك علي كرامة، وإني مخبرك خبرا إنكم معشر العرب لن تزالوا بخير ما كنتم إذا هلك أمير تآمرتم في آخر، فإذا كانت بالسيف كانوا ملوكا يغضبون غضب الملوك، ويرضون رضا الملوك).[20]
فقوله: (تآمرتم) هنا تشاورتم واخترتم أميركم بالشورى بلا سيف ولا عسف!
وعن ميمون بن مهران قال: (قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم أبا بكر ورضوا به من غير قهر ولا اضطهاد، ثم إن أبا بكر استخلف عمر، واستأمر المسلمين في ذلك، فبايعه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعون ورضوا به من غير قهر ولا اضطهاد، فلما حضر عمر الموت جعل الأمر إلى شورى ستة نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والحواريين ولم يأل النصيحة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين جهده، وكره عمر أن يولي منهم رجلا فلا تكن إساءة إلا لحقت عمر في قبره، فاختار أهل الشورى عثمان بن عفان فبايعه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعون والتابعون لهم بإحسان ورضوا به من غير قهر ولا اضطهاد).[21]
فقوله: (ثم إن أبا بكر استخلف عمر، واستأمر المسلمين في ذلك) أي: شاورهم فيه حتى رضوه ووافقوا على استخلافه.
وكل هذه الألفاظ (خليفة - إمام - أمير) ليس فيها معنى الملك، أو الاستبداد، أو الاستحقاق، أو القهر والجبر، فعبرت عن أصول الخطاب السياسي القرآني والنبوي أحسن تعبير، وجاءت أوضح بيان لمضامينه وغاياته ومقاصده.
وقد أدرك الصحابة رضي الله عنهم حقيقة الخلافة وأن بينها وبين الملك فرقا شاسعا، وبونا واسعا، ولهذا سأل عمر أصحابه عن نفسه أخليفة هو أم ملك؟
فقال سلمان الفارسي: (إنك خليفة ولست بملك... وذلك أنك تعدل في الرعية، وتقسم بينهم بالسوية، وتشفق عليهم شفقة الرجل على أهله، وتقضي بكتاب الله...
وقال كعب: (أشهد أنك خليفة ولست بملك).[22]
وفي رواية أخرى فقال له سلمان: (إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهما أو أقل أو أكثر ثم وضعته في غير حقه، فأنت ملك غير خليفة، فاستعبر عمر).[23]
وقال كعب: (خليفة والله من خير الخلفاء وزمانك خير زمان).[24]
وعن سفيان بن أبي العوجاء قال: قال عمر بن الخطاب: (والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك، فإن كنت ملكا فهذا أمر عظيم، قال قائل: يا أمير المؤمنين، إن بينهما فرقا، قال: ما هو؟ قال: الخليفة لا يأخذ إلا حقا، ولا يضعه إلا في حق، فأنت بحمد الله كذلك، والملك يعسف الناس فيأخذ من هذا ويعطي هذا، فسكت عمر).[25]
وعن مسروق بن الأجدع، قال: (كنت مع أبي موسى الأشعري أيام الحكمين، وفسطاطي إلى جانب فسطاطه، فأصبح الناس ذات يوم قد لحقوا بمعاوية من الليل، فلما أصبح أبو موسى رفع رفرف فسطاطه، فقال: يا مسروق بن الأجدع، قلت: لبيك أبا موسى قال: (إن الإمرة ما اؤتمر فيها، وإن الملك ما غلب عليه بالسيف).[26]
فقد فرق أبو موسى الأشعري بين الإمارة التي يتآمر الناس فيها ويتشاورون ليختاروا أميرهم، كما جاء بذلك القرآن، والملك الذي يؤخذ بالقوة والسيف، كما هو حال أهل الجاهلية والروم والفرس!
وعن أبي مسلم الخولاني أنه نادى معاوية وهو جالس على منبر دمشق فقال: (يا معاوية لا تحسبن الخلافة جمع المال وتفرقته، ولكن الخلافة العمل بالحق، والقول بالمعدلة، وأخذ الناس في ذات الله، يا معاوية إنا لا نبالي بكدر الأنهار ما صفت لنا رأس عيننا، وإنك رأس أعيننا، يا معاوية إنك إن تحف على قبيلة من قبائل العرب يذهب حيفك بعدلك، فلما قضى أبو مسلم مقالته أقبل عليه معاوية فقال: يرحمك الله يرحمك الله).[27]
وكل هذه الروايات تؤكد أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يدركون أن للخلافة والإمارة حقيقة قرآنية إسلامية، تختلف عما كانت عليه ملوك الأمم الأخرى، وأن سلطان الخلافة ليس من جنس سلطان الملوك، بل هي تقوم على:
1- الشورى والرضا بلا سيف ولا عسف، وإلا كانت قيصرية رومانية وكسروية فارسية، لا خلافة إسلامية .
2- الحكم بالكتاب والقسط والعدل بلا هوى ولا جور .
3- أخذ الأموال من حلها ووضعها في محلها .
وهذا ما أدركه أيضا الصحابة الذين رفضوا عهد معاوية رضي الله عنه بالأمر إلى ابنه يزيد، وقد أمر معاوية أمير المدينة مروان بن الحكم أن يذكر للناس بيعة يزيد، فخطب مروان ودعا إلى بيعة يزيد، وقال فيها: (إن الله أرى أمير المؤمنين في يزيد رأيا حسنا، وإن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر وعمر).[28]
وفي رواية: (سنة أبي بكر وعمر).[29]
فرد عليه عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: (بل سنة هرقل وقيصر)[30]، وقال: (جئتم بها هرقلية تبايعون لأبنائكم).[31]
وفي رواية: (فقام عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: كذبت والله يا مروان! لا يكون ذلك، لا تحدثوا علينا سنة الروم، كلما مات هرقل قام مكانه هرقل).[32]
ولما قال مروان بن الحكم في خطبته في شأن بيعة يزيد: (سنة أبي بكر الراشدة المهدية)، رد عليه عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: (ليس بسنة أبي بكر، وقد ترك أبو بكر الأهل والعشيرة، وعدل إلى رجل من بني عدي؛ أن رأى أنه لذلك أهل، ولكنها هرقلية).[33]
وفي رواية قال له: (جعلتموها والله هرقلية وكسروية).[34]
فلم يكن يخفى على هؤلاء الصحابة الفرق بين الخلافة التي تقوم على شورى الأمة واختيارها للإمام، والملك القيصري والكسروي الذي يقوم على التنازع والتغالب والتوريث، كما كان حال فارس والروم!
وقد بين عبد الرحمن بن أبي بكر بطلان قياس عهد معاوية ليزيد على عهد أبي بكر لعمر، وأوضح الفرق بين العهدين، فقال :(يا معشر بني أمية، اختاروا منها بين ثلاث: بين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو سنة أبي بكر، أو سنة عمر، إن هذا الأمر قد كان، وفي أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من لو ولاه ذلك لكان لذلك أهلاً، ثم كان أبو بكر، فكان في أهل بيته من لو ولاهّ لكان لذلك أهلاً، فولاها عمر فكان بعده، وقد كان في أهل بيت عمر من لو ولاه لكان لذلك أهلاً، فجعلها في نفر من المسلمين، ألا وإنما أردتم أن تجعلوها قيصرية، كلما مات قيصر كان قيصر، فغضب مروان بن الحكم).[35]
ثم لما حج معاوية قدم إلى المدينة وخطب بالناس وذكر ابنه يزيد، فاعترضه عبد الرحمن بن أبي بكر، وقطع على معاوية خطبته وقال له: (إنك والله لوددت أنا وكلناك في أمر ابنك إلى الله، وإنا والله لا نفعل، والله لتردنّ هذا الأمر شورى بين المسلمين، أو لنعيدنّها عليك جذعة [أي: الحرب] ثم خرج).[36]
فكان أمر الخلافة وأنه حق للأمة وشورى بين المسلمين جميعا من الوضوح بالمكان الذي يستحق في نظر هؤلاء الصحابة القتال دونه، ولا يقبلون الاستبداد به دونهم، أو الافتئات عليهم فيه!
ثم اجتمع معاوية مع ابن عمر وابن عباس وعبد الرحمن بن أبي بكر والحسين بن علي وعبد الله بن الزبير، وعلل اختياره ليزيد بأنه يخشى أن يدع الأمة بلا إمام بعده.[37]
فقال عبد الله بن عمر: (إنه قد كان قبلك خلفاء لهم أبناء، ليس ابنك بخير من أبنائهم، فلم يروا في أبنائهم ما رأيت أنت في ابنك، ولكنهم اختاروا للمسلمين حيث علموا الخيار، وأنت تحذرني أن أشق عصا المسلمين، وأن أسعى في فساد ذات بينهم، ولم أكن لأفعل، إنما أنا رجل من المسلمين فإذا اجتمعوا على أمر فإنما أنا رجل منهم).[38]
وفي رواية قال عبد الله بن عمر: (إني أدخل بعدك فيما تجتمع عليه الأمة، فوالله، لو أن الأمة اجتمعت بعدك على عبد حبشي لدخلت فيما تدخل فيه الأمة).[39]
فاحتج ابن عمر برد الأمر إلى الأمة، واجتماعها على من تختاره بالشورى والرضا، إذ الخلافة خلافتها، والأمر أمرها، لا تنازع فيه ولا تغالب، كما هي سنة الفرس والروم، وهي حجته أيضا على من أرادوا الخروج على عثمان رضي الله عنه، وأنهم بخروجهم على الإمام الذي اختارته الأمة بالشورى والرضا إنما يسنون سنة فارس والروم في قتلهم لملوكهم إذا سخطوا عليهم، فقال لمن تكلم في عثمان : (إنا كنا نقول ورسول الله حي أفضل أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده أبو بكر وعمر وعثمان، وما نعلم أنه قتل نفسا بغير حق، ولا جاء من الكبائر شيئا، ولكن هو هذا المال إن أعطاكموه رضيتم، وإن أعطاه أولي قرابته سخطتم، إنما تريدون أن تكونوا كفارس والروم لا يتركون لهم أميرا إلا قتلوه).[40]
فكما أن الاستبداد بالأمر وتوريث الحكم سنة فارس والروم التي أبطلها الإسلام بالخلافة وأحكامها، كذلك الخروج على السلطة التي اختارتها الأمة، والاقتتال عليها، والتغالب والتنازع فيها، سنة فارس والروم، لا سنة الإسلام الذي جاء بالشورى والرضا {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}، وقال صلى الله عليه وسلم في بيعته للأنصار يوم العقبة: (وألا ننازع الأمر أهله)[41]، وقال: (من بايع إماما، فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه، فاضربوا عنق الآخر).[42]
وقد دخل خيار الصحابة وفقهاؤهم على معاوية حين حج وتحدث في شأن يزيد وبيعته، وهم الحسين بن علي وعبد الله بن عباس وعبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير، وجعلوا عبد الله بن الزبير هو المتحدث باسمهم، فقال لمعاوية:
(يا أمير المؤمنين، نخيِّرك من ثلاث خصال، أيها ما أخذت فهو لك رغبة.
قال معاوية: لله أبوك اعرضهن!
قال ابن الزبير: إن شئت صنعت ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن شئت صنعت ما صنع أبو بكر، فهو خير هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن شئت صنعت ما صنع عمر فهو خير هذه الأمة بعد أبي بكر.
قال معاوية: لله أبوك وما صنعوا؟
قال ابن الزبير: قبُض رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعهد عهدًا، ولم يستخلف أحدًا؛ فارتضى المسلمون أبا بكر، فإن شئت أن تدع هذا الأمر حتى يقضي الله فيه قضاءه فيختار المسلمون لأنفسهم؟
فقال معاوية: إنه ليس فيكم اليوم مثل أبي بكر، إن أبا بكر كان رجلا تقطع دونه الأعناق، وإني لست آمن عليكم الاختلاف.
قال ابن الزبير: صدقت، والله ما تحب أن تدعنا على هذه الأمة.
قال: فاصنع ما صنع أبو بكر.
قال معاوية: لله أبوك وما صنع أبو بكر؟
قال ابن الزبير: عمد إلى رجل من قاصية قريش ليس من بني أبيه ولا من رهطه الأدنين فاستخلفه، فإن شئت أن تنظر أي رجل من قريش شئت ليس من بني عبد شمس فترضى به؟
قال معاوية: لله أبوك الثالثة ما هي؟
قال ابن الزبير: تصنع ما صنع عمر؟
قال معاوية: وما صنع عمر؟
قال ابن الزبير: جعل هذا الأمر شورى في ستة نفر من قريش، ليس فيهم أحد من ولده ولا من بني أبيه ولا من رهطه.
قال معاوية: فهل عندك غير هذا؟
قال ابن الزبير: لا.
قال معاوية لمن كانوا مع ابن الزبير: فأنتم؟
قالوا: ونحن أيضا).[43]
وقال له عبد الله بن الزبير أيضا: (إن كنت قد مللت الإمارة فاعتزلها، وهلم ابنك فلنبايعه، أرأيت إذا بايعنا ابنك معك، لأيكما نسمع؟! لأيكما نطيع؟! لا نجمع البيعة لكما والله أبدا).[44]
ثم صعد معاوية المنبر وخطب في الناس وقال: (إن هؤلاء الرهط هم سادة المسلمين وخيارهم، لا نستبد بأمر دونهم، ولا نقضي أمرا إلا عن مشورتهم).[45]
فقد كان معاوية رضي الله عنه نفسه يدرك طبيعة الخلافة وأنها شورى بلا استبداد ولا توريث، وأن الخلافة هي للأمة، وهي التي تختار الخليفة بحكم استخلاف الله لها، وبحكم ولايتها العامة التي جعلها الله لها بقوله: {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}، ولهذا قال معاوية لهم: (إنما أردت أن تقدموه باسم الخلافة، وتكونوا أنتم الذين تنـزعون وتؤمِّرون، وتجبون وتقسمون، ولا يدخل عليكم في شيء من ذلكم).[46]
فقد أراد معاوية رضي الله عنه منهم أن يختاروا يزيد وأن (يقدموه باسم الخلافة) فقط، لأن التقديم لتولي منصب الخلافة حق للأمة، وهؤلاء الصحابة آنذاك هم أهل الحل والعقد فيها، إذ هم رؤوس الناس وسادتهم، مع احتفاظهم بعد تقديم يزيد بصلاحيتهم في أن يكونوا هم من (ينزعون ويؤمرون) الأمراء والولاة على الأقاليم، (ويجبون ويقسمون) الأموال بإشرافهم ومراقبتهم، كوكلاء عن الأمة التي سودتهم ورضيتهم، على أن لا ينقض يزيد (لهم أمرا، ولا يستبد بالأمر من دونهم)!
وكل ذلك من معاوية رضي الله عنه إدراك منه لطبيعة الخلافة وأنها شورى، لا يتقدم إليها إلا من قدمته الأمة، وأن الخلافة نظام سياسي لا يقتصر على سلطة من يتولى منصب الخليفة فقط، بل يشمل حتى سلطة الأمة معه بعد اختياره وكيلا عنها، فهي التي تؤمر وتنزع، وتجبي وتقسم، ولا يستبد الخليفة بأمر من دون الأمة - التي هي المستخلفة في الأصل في الأرض {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ}، والمستخلفة كذلك في المال {وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} - ولا يدخل عليها الخليفة فيما تقضي به من أمر، ولا ينقض ما أبرمت من عقد، إذا أجمع عليه أهل الحل والعقد فيها، أو توافق عليه أكثرهم!
ولا فرق في الطغيان والاستبداد بالأمر أن تستبد به دون الأمة أسرة أو عشيرة أو جماعة أو حزب أو تنظيم، وسواء تم ذلك بالانقلابات العسكرية، أو بقوة الفصائل الجهادية، أو بتفاهمات القوى السياسية...
ولا يتصور أن تعود خلافة فضلا عن خلافة راشدة بسفك دماء الأمة واستحلال قتالها لإخضاعها لطاعة بشر ولو كان باسم الخلافة والإسلام، ولن تقوم خلافة في الأرض قبل معرفة حقيقة الخلافة نفسها، ومعرفة أحكامها وأيامها، وستظل هي الفريضة الغائبة حتى تعيدها الأمة يوما ما بعد تحقق الاستخلاف لها كأمة، بنهضة شعوبها وتحررها واتحادها، وهو ما فتح الطريق إليه اليوم الثورة العربية...
وما زلنا مع (عودة الخلافة) والتعرف على أصولها الفكرية والعقائدية، وبيان أحكامها الشرعية، فما زال للحديث بقية.
[1] صحيح مسلم - ت عبد الباقي - (3 / 1476) ح رقم 1848.
[2] صحيح البخاري ح 4513 و 4514 و4651.
[3] رواه البيهقي في السنن الكبرى 8/192 - ط عطا - بإسناد صحيح على شرط البخاري، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق 31/190.
[4] صحيح مسلم - عبد الباقي - (1 / 96) رقم 158.
[5] المحرر الوجيز (5 / 88)
[6] تفسير القرطبي (12 / 298)
[7] التسهيل لعلوم التنزيل (1 / 1247)
[8] مفاتيح الغيب (24 / 413)
[9] رواه البخاري ح رقم 3455، ومسلم ح رقم 1842.
[10] رواه مسلم ح رقم 1853.
[11] أحمد في المسند 4 /273، والطيالسي في مسنده 438، وهو حديث حسن صحيح الإسناد، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة، ح رقم (5).
[12] رواه أبو داود ح رقم (4607)، والترمذي ح رقم (2678)، وابن ماجه ح رقم (42)، وقال الترمذي: (حسن صحيح).
[13] رواه أبو داود في السنن ح4646 ، وصححه ابن حبان ح رقم 6943 ، والحاكم ح رقم 4438.
[14] صحيح البخاري مع الفتح 13 /194 ح 7207.
[15] سورة البقرة:30.
[16] سورة النور:55.
[17] سورة ص: 26.
[18] مقدمة ابن خلدون 1/237.
[19] مقدمة ابن خلدون 1/239.
[20] ابن أبي شيبة في المصنف رقم 37023 و37259 ، ورواه عن ابن أبي شيبة البخاري في صحيحه رقم 4101، وأحمد وابنه في المسند رقم 19244.
[21] رواه ابن الأعرابي في المعجم (2 / 199) رقم 698، مطولا، وعنه الخطابي في العزلة (1 / 21) رقم 17 مختصرا. عن محمد بن أحمد بن يزيد الرياحي عن أبيه عن كثير بن مروان عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران به قوله، وإسناده مقبول رجاله ثقات إلا كثير بن مروان فهو ضعيف جدا، وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به، وليس هذا الخبر حديثا بل هو من كلام ميمون بن مهران.
[22] الفتن لنعيم بن حماد المروزي (1 / 101) باب معرفة الخلفاء من الملوك ح رقم 240 حدثنا محمد بن يزيد وهشيم عن العوام بن حوشب قال: أخبرني شيخ من بني أسد في أرض الروم عن رجل من قومه، وإسناده ضعيف ويتقوى بما بعده.
[23] رواه ابن سعد في الطبقات (3 / 306) رقم 3918 قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني قيس بن الربيع، عن عطاء بن السائب ، عن زاذان، عن سلمان، أن عمر قال له: أملك أنا أم خليفة؟ وهذا إسناد حسن عن عمر، لولا الواقدي وقد صرح بالسماع وتوبع على روايته فزال ما يخشى منه.
[24] الفتن للمروزي (1 / 102) ح رقم 241 قال: حدثنا الحكم بن نافع أخبرنا صفوان بن عمرو عن أبي اليمان وشريح بن عبيد عن كعب قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه . وهذا إسناد شامي صحيح رجاله أئمة ثقات غير أنه لم يثبت سماع شريح من كعب، ولا إدراكه له مع أن كليهما تابعي حمصي، وقد أورد نعيم في الفتن ح رقم 1313 خبرا فيه سماع شريح من كعب. ويتقوى بالشواهد التي قبله.
[25] رواه ابن سعد في الطبقات (3 / 306) ح رقم 3919- قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن الحارث، عن أبيه الحارث بن فضيل عن سفيان بن أبي العوجاء به، وعبد الله وأبيه ثقتان، وسفيان متكلم فيه، ووثقه ابن حبان، وقد صرح الواقدي هنا بالسماع من عبد الله، وتوبع على رواية هذه القصة.
[26] رواه ابن سعد في الطبقات (4 / 113) 4996- قال: أخبرنا روح بن عبادة، قال: حدثني المثنى بن سعيد القصير، عن محمد بن المنتشر بن الأجدع، عن عمه مسروق به، وهذا إسناد صحيح.
[27] الزهد لأحمد بن حنبل (1 / 391) رقم 2150- حدّثنا أبو المغيرة حدثنا هشام بن الغاز حدثني يونس الهرم عن أبي مسلم الخولاني به. وهذا إسناد صحيح. ويونس الهرم هو ابن ميسرة بن حلبس عالم دمشق ومقرؤها، وكان قد طال عمره حتى بلغ مائة وعشرين سنة، ولم أقف على من لقبه بالهرم سوى هشام بن الغاز، ولم يشتهر بهذا اللقب ولهذا لم يذكره أصحاب الألقاب.
[28] انظر فتح الباري 8/576 ح رقم (4827).
[29] انظر فتح الباري 8/577.
[30] المصدر السابق وانظر الدر المنثور للسيوطي 6/11 ، وقال: (أخرجه عبد بن حميد والنسائي وابن المنذر والحاكم وصححه).
[31] فتح الباري 8/577.
[32] رواه القالي في الأمالي 2/175 من طريق ابن شبة المؤرخ صاحب (تاريخ المدينة) بإسناد صحيح مرسلا.
[33] تاريخ الإسلام للذهبي سنة 51هـ ص 148.
[34] ابن كثير 8/92 في حوادث سنة 58هـ وهو من رواية عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن عبد الرحمن بن أبي بكر، وهذا إسناد صحيح.
[35] أورده الذهبي في تاريخ الإسلام ص 148 عن ابن أبي خيثمة المؤرخ بإسناد صحيح.
وقصة مروان وعبد الرحمن بن أبي بكر وما جرى بينهما في شأن بيعة يزيد رواها البخاري في صحيحه مختصرة في التفسير باب (والذي قال لوالديه) ح 4550 من حديث يوسف بن ماهك، ورواها النسائي في السنن الكبرى ح 11491، والإسماعيلي في مستخرجه على صحيح البخاري ـ كما في الفتح ـ من حديث شعبة عن محمد بن زياد مطولة، وهذا إسناد على شرط الصحيحين، وفي روايته (فقال مروان: سنة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما! فقال عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما: سنة هرقل وقيصر)، ورواها الحاكم في المستدرك رقم 8483 من حديث شعبة، وقال صحيح على شرط الشيخين، ورواه الخطابي في غريب الحديث 2/517 ، وابن الأثير في أسد الغابة 1/703، وابن عساكر في تاريخ دمشق 35/35 كلهم من طرق صحيحة من حديث حماد بن سلمة عن محمد بن زياد به، وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وفي روايته(جئتم بها هرقلية تبايعون لأبنائكم)، ورواه موسى بن إسماعيل الحافظ التبوذكي - كما في تاريخ الذهبي ص 518- عن الفضل بن القاسم عن محمد بن زياد مطولا القصة بأكملها من خطبة مروان وذكره بيعة يزيد إلى أن عقدت له البيعة، وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وفيها (ألا وإنما أردتم أن تجعلوها قيصرية كلما مات قيصر كان قيصر)، ورواها عبد الرزاق -كما في تاريخ ابن كثير 8/89 - عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن أبي بكر، وهذا إسناد على شرط الصحيحين، وفي روايته: (جعلتموها والله هرقلية وكسروية يعنى جعلتم ملك الملك لمن بعده من ولده)، وابن أبي حاتم في التفسير - كم عند ابن كثير 4/202 - من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله قال إني لفي المسجد حين خطب مروان ... إلخ، وعبد الله هنا هو ابن يسار البهي مولى ابن الزبير، وكذا رواه البزار في مسنده رقم 2273، وهذا إسناد صحيح، ولفظه: (أهرقلية؟ إن أبا بكر رضي الله عنه والله ما جعلها في أحد من ولده ولا أحد من أهل بيته ولا جعلها معاوية في ولده إلا رحمة وكرامة لولده)، ورواه ابن أبي الدنيا أثر رقم 250 عن محمد بن نجيح عن أبيه عن أبي كثير مولى آل الزبير، ومن طريق ابن أبي الدنيا رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق 35/35 ، وهذا إسناد حسن، ولفظه (يا مروان إنما هي هرقلية كلما مات هرقل كان هرقل مكانه ما لأبي بكر لم يستخلفني وما لعمر لم يستخلف عبد الله)، ورواها الزبير بن بكار عن عبد الله بن نافع الزبيري - كما عند ابن عبد البر في الاستيعاب 1/249 وابن عساكر في تاريخ دمشق 35/35 ـ وروايته مرسلة، وفيها (أهرقلية إذا مات كسرى كان كسرى مكانه لا نفعل والله أبدا)، فالقصة متواترة تواترا قطعيا لا ريب فيه.
[36] تاريخ خليفة بن خياط ص214 بإسناد صحيح لغيره؛ إذ فيه النعمان بن راشد وهو صدوق فيه ضعف، والقصة صحيحة من طرق كثيرة كما سيأتي.
[37] انظر ابن جرير 3/248 سنة 56هـ بإسناد صحيح إلى عبد الله بن عون.
[38] تاريخ خليفة ص213 – 214 بإسناد صحيح لغيره، وتاريخ الذهبي ص 149.
[39] ابن جرير الطبري 3/248 وإسناده صحيح لغيره.
[40] أحمد في الفضائل 1/94 ، والسنة للخلال رقم 546-549 بأسانيد صحيحة.
[41] صحيح البخاري ح7056 ، ومسلم في صحيحه ح 1709.
[42] مسلم في صحيحه ح 1844.
[43] تاريخ خليفة ص 216 بإسناد صحيح بشواهده، وانظر تاريخ الذهبي ص 151 - 152، ورواه أبو علي القالي في الأمالي2/175 - 176 من طريق ابن شبة المؤرخ بإسناد صحيح.
[44] تاريخ خليفة ص214 بإسناد صحيح في الشواهد.
[45] تاريخ خليفة ص 217 بإسناد صحيح في الشواهد.
[46] تاريخ خليفة بن خياط ص 216 وهو صحيح بشواهده، وانظر تاريخ الذهبي ص151.
……………………………………..
مواضيع ذات صلة:
عودة الخلافة (1)
عودة الخلافة (2)
عودة الخلافة (3)
مختصر الكلام عن الدولة والخلافة في الإسلام